انزلقت السوق المالية بالأمس إلى مستويات دنيا سجلتها للمرة الأولى منذ أكثر من أربع سنوات، وجاءت التراجعات تأثراً بهبوط أسواق المال في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، إضافة إلى ضغط من العوامل الأساسية كتباطؤ الاقتصاد العالمي وتخمة المعروض في أسواق النفط الضاغطة على أسعاره؛ حيث من المتوقع أن يهبط سعر البرميل دون حاجز الثلاثين دولاراً وهو ما لامسه في بعض تعاملات الأمس. والآن، بدأت الرؤية تتضح حول القيعان السعرية للأسهم، فقاع أسعار النفط هو قاع السوق المالية السعودية، وهذا ثابت ومؤكد، ولا يحتاج إلى جدال فيما يخص السوق المالية السعودية تحديداً. فمن يستطيع أن ينجح في تكهناته حول ما يمكن أن يصل إليه سعر النفط، سيتمكن من ترصد الفرص التي من الممكن أن تلوح له، سواء بشراء أسهم مماثلة لما في محفظته وتعزيز الكميات الموجودة لديه بكميات أخرى لخفض سعر التكلفة، أو بالشراء في أسهم شركات أخرى ذات أسعار مغرية وبناء مراكز جديدة لمن هم بخارج السوق ولديهم سيولة تبحث عن تنميتها. فهذه الفترة التي يكسر فيها سعر النفط حاجز الثلاثين دولار ويتجه نحو حاجز العشرينات تنتاب المستثمرون والمتداولون الهواجس الكثيرة، فيخرج من البعض منهم الغريب، ولعل أغرب ما قرأت في بعض مواقع الإنترنت في نهاية الأسبوع المنتهي أمس أن هناك من وزع نصائحه مطالباً المتداولين بالخروج من سوق المال فورا. فهل مثل هذه النصائح تجد قبولاً؟ الصحيح، أنه سيكون من الخطر الخروج فوراً لمن تكون التكلفة الشرائية عليه مرتفعة؛ حيث أن السوق قريبة من قاعها، وتلك النصائح المطالبة بالخروج كونها عاطفية من خلال مواقع الإنترنت، فإنه لا يلتفت لها من فئات تتمتع بارتفاع نسبة الوعي، لكنها في ذات الوقت تجد قبولاً من فئات من الأفراد مما يشكل معه ضغوطاً بيعية إثر بث المخاوف لديها وتضخيم ما هو قادم. ومنذ فترة والسوق أمام ذلك السيل الهادر من العواطف المطالبة بالخروج منه، ما يحدث للسوق من تراجع مخيف لا يخرج عن التراجعات الجارية في السياق الحالي وسط هذا الكم من الظروف الصعبة، مما أتاح الفرصة لمجموعة من مروجي المخاوف من الأفراد للمطالبة بالخروج. وبلا شك فإن لتلك الدعوات بالخروج من الاستثمار في السوق المالية تأثيراً على الأفراد ممن لا يستطيعون التحكم في قراراتهم الشرائية أو البيعية وفق النسق المعتاد له، وعدم تلقي النصيحة من بيوت الخبرة والمشورة. فأسواق المال في بلدان متقدمة لا تجد تواجداً من المنادين بالخروج من السوق لأن القانون يتصدى لهم، ولا يتكاثرون كما هو الحال هنا، فكل من يريد أن يخرج من الاستثمار من الأسهم إما أن يخرج من تلقاء نفسه وبهدوء ودون ضجيج، وإما بمشورة وسيطه، وهذا ما كرس من أداء العمل المؤسسي الذي تقوم عليه تلك الأسواق. أما من أشرت إليهم وأسميتهم بمروجي المخاوف فهم هنا للأسف أحد المنغصات وتهذيب سلوكياتهم سيسمح للسوق أن تتقدم بخطوات أكثر من الوقت الحالي.
مشاركة :