لم يتضح بعد مدى استفادة السوق المالية السعودية من المستثمرين الأجانب ممن تمت تسميتهم بالمؤهلين، ولن يتضح ذلك الا بعد مضي سنة على الأقل لكي تُقَيَم الفترة الماضية منذ يومها الأول تقييماً موضوعياً يراعي فيه قصر التجربة وما يمكن من خلاله الوصول الى النتائج السليمة والمرجوة. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم الحكم على التجربة بعد مضي فترة 5 أشهر منذ السماح لهم، إلا بعد الفترة التي ذكرتها حيث يتضح مثل ذلك من خلال لغة الأرقام وسلوك السوق وارتفاع كفاءتها ونقص تذبذباتها، وهناك تفاؤل باستفادة السوق من الاستثمار الأجنبي المؤهل على المدى الطويل، فبيئة الاستثمار في بلادنا بيئة خصبة ومثالية، وتتوفر لها كل عوامل النجاح للاستثمارات الأجنبية، وأسواقها واعدة تحت ظل اقتصاد مستقر ومتين وينمو ويواجه التحديات ويتغلب عليها بنجاح، إضافة الى تواجد عامل رئيس ومهم وهو الاستقرار السياسي والأمني الذي تنعم به المملكة. والحقيقة التي نراها ماثلة هو أن الإقبال ليس بالشكل الكبير الذي صُوِرَ له من خلال الزخم الإعلامي الذي صاحبه، وهذا ليس مهماً الآن، وينبغي أن لا تصدم مثل هذه الحقيقة أحد، بل ينبغي أن يكون ذلك دافعاً لوضعه تحت المجهر ودراسة الأسباب بإسهاب وفحص العوامل التي أدت الى ضعف الإقبال من الفئة المستهدفة التي ركزت عليهاالقواعد المنظمة للاستثمار الأجنبي المؤهل من جميع الجوانب. ان ما يميز المستثمرين الأجانب وخاصة الاستثمار المؤسسي هو الانتقائية التي تفرض إيقاعها على نهجهم الاستثماري، سواء كان ذلك من حيث الانتقائية المكانية بالنسبة للشركات المراد شراء أسهمها والأسواق المالية الناشئة التي يريدون السباحة في مياهها الدافئة، أو الانتقائية الزمانية المتمثلة بوقت دخولهم الى السوق المالية فيما لو أبهرتهم الأسعار التي تقف عليها أسعار شركات السوق المستهدف الاستثمار بها. وفي رأيي أنه لا يختلف مستثمر مؤسسي أجنبي مؤهل عن مستثمر مؤسسي آخر إلا من حيث حجم الأصول التي يديرها، فالفكر الاستثماري لتلك المؤسسات الاستثمارية في مجال الأوراق المالية واحد، وإن اختلفت الأساليب، وجميعهم يُفَرِقُون في سياساتهم الاستثمارية بين النوع الخاطيء من الاستثمار والنوع الجيد، ولا تختلف أدوات الاستثمار وإدارة المخاطر بين فئة وأخرى من المؤسسات الاستثمارية إلا بتواجد المؤهلين من الكفاءات البشرية التي تدير الأصول، وحسب إطلاعي على العديد من تلك الفئات فإن هناك كفاءات بشرية لها خبراتها وثقلها ووزنها وأساليبها ونجاحاتها تعمل في مؤسسات استثمارية متوسطة الحجم وصغيرة الحجم، وليس قاصراً وجودها على مؤسسات بذلك الحجم الذي حددته هيئة السوق المالية في ضوابطها المشددة بنحو 18 مليار ريال كإدارة أصول، وما أعنيه هنا هو تخفيف القيود والتركيز على كفاءة المؤسسات واشتراط قيمة أقل لحجم رؤوس الأموال وللأصول التي تديرها. وحسب متابعتي للمؤسسات الاستثمارية الكبيرة التي تدير أصولاً ضخمة في الأسواق العالمية، فإن بعضاً منها كان أشد خطراً على تلك الأسواق بتوجهها للبيع، وغالباً ما تكون بمعاييرها العالية من الحذر أكثر ضرراً بالأسواق من تلك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم حيث كثيراً ما أغرقت تلك الأسواق بتعليقاتها وبتصريحاتها المذعورة وكانت عاملاً إضافياً في إحداث أو توسيع موجات بيع كبيرة ساهمت في تفاقم الخسائر في تلك الأسواق. ما أود ذكره هنا والتركيز عليه، هو أياً كان حجم المؤسسات الاستثمارية المؤهلة فإنه ينبغي أن لا نغفل التشديد في القواعد المنظمة لاستثمار المؤسسات الأجنبية المؤهلة عليهم، وأن لا نتعامل معهم كالحمل الوديع، وتوخي الحذر من جانب خطورة أموالهم الساخنة، وفي المادة 76 أتاحت لهم الحرية الكاملة في البيع والشراء عن طريق دورة التسوية (T+0)، كما كفلت المادة 57 لهم حرية الخروج من السوق المالية في أي وقت يريدونه، ولم أرى أي قيود مشددة عليهم وعلى أوقات دخولهم وخروجهم فيما لو تحولت وجهة أموالهم الساخنة للمضاربة. لذا فمن الأكفأ للسوق أن يكون هناك حذر وافياً من الأموال الساخنة، فالتجربة السيئة للأموال الساخنة في الأسواق الآسيوية لا تزال ماثلة حيث عانت منها، ولابد من تقليم مخالب نمور هذه الأموال الساخنة قبل أن تقع السوق السعودية في التجربة السيئة.
مشاركة :