وفقًا لدراسة حديثة أجراها مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك)، تنفق بعض الحكومات ما يصل إلى 1,600 دولار أمريكي على دعم المركبات الكهربائية لمنع انبعاث طن واحد من الكربون من عوادم السيارات. وهذا يعادل ما يقرب من 30 ضعف تقدير وكالة حماية البيئة الأمريكية للتكلفة الاجتماعية للكربون، إذ تدفع الصين أكثر من ذلك لخفض انبعاثاتها من خلال دعم المركبات الكهربائية، تليها الدنمارك والنرويج. نُشرت دراسة كابسارك في مجلة الطاقة التابعة للجمعية الدولية لاقتصاديات الطاقة بعنوان "ما مدى فعالية تكلفة الإعانات المالية المخصصة لدعم المركبات الكهربائية في الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من العادم؟ تحليل لأسواق المركبات الكهربائية الرئيسة". ونظرت الدراسة في دعم المركبات الكهربائية في الصين والولايات المتحدة، وهما أكبر سوقين للسيارات في العالم، بالإضافة إلى تسع دول أوروبية. ومن أجل تقدير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المتجنبة بسبب شراء المركبات الكهربائية، افترضت الدراسة أن يشتري مشترو المركبات الكهربائية سيارات متوسطة ذات محرك احتراق داخلي لها نفس هيكل المركبة الكهربائية. وجمع المؤلفون هذه الفرضية مع تحليلات من مؤلفات النمذجة لتقديم أنماط استبدال أكثر واقعية وتقديرات وفورات انبعاثات الكربون. تساهم مجموعة متنوعة من العوامل في ارتفاع تكلفة خفض انبعاثات الكربون عن طريق دعم المركبات الكهربائية. ويتعين تقديم إعانات كبيرة تصل إلى 10,000 دولار أمريكي لتشجيع المستهلكين على اختيار المركبات الكهربائية بدلًا من المركبات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي. كما أن التحول من سيارة تقليدية إلى مركبة كهربائية لا يقلل بدرجة كبيرة من انبعاثات الكربون. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن انبعاثات الكربون الناتجة عن توليد الكهرباء المستخدمة في تشغيل المركبات تقلل من عمليات خفض انبعاثات الكربون مقارنة بالمركبات التقليدية ذات محرك الاحتراق الداخلي، ويؤدي ذلك في معظم الدول إلى ارتفاع تكلفة الطن الواحد من عمليات خفض الكربون. أكد روبال دووا -زميل باحث في كابسارك وباحث رئيس في الدراسة- ذلك بقوله: "لقد أدهشتنا التكاليف المرتفعة لخفض الانبعاثات مقارنة بالتكلفة الاجتماعية للكربون، مما أثار اهتمامنا لمعرفة ما إذا كان هناك سبب آخر لدعم المركبات الكهربائية بالإضافة إلى خفض الانبعاثات". تؤكد الدراسة أن العديد من الدول مستعدة لتحمل هذه التكاليف المرتفعة، نظرًا لطموحاتها الصناعية في الهيمنة على سوق المركبات الكهربائية العالمية في مواجهة المخاوف المتعلقة بتغير المناخ. وتشير التكاليف المرتفعة التي تدفعها الصين خاصة إلى أن كهربة السيارات أكثر من مجرد وسيلة لخفض انبعاثات الكربون. كما أنها سياسة صناعية لدعم وتوسيع صناعة السيارات المحلية في الصين واللحاق بالدول الأخرى المهيمنة على سوق السيارات العالمية، التي تقودها حاليًا اليابان وألمانيا والولايات المتحدة. إن دعم المركبات الكهربائية يسمح لصانعي السيارات بفرض أسعار أعلى. ومن ثم يستفيد صانعو السيارات بطريقة غير مباشرة من هذا الدعم. وخلصت الدراسة إلى أن الدول ستكون في وضع أفضل إذا لم تقدم دعمًا للمركبات الكهربائية ذات السعر المرتفع أو للمشترين ذوي الدخل المرتفع. وغالبًا ما يشتري هذه المركبات الكهربائية عملاء أثرياء ويستفيدون من الدعم، رغم أنهم سيشترون هذه المركبات أيضًا بدونه. كما استخدم جزءا من نتائج الورقة أساسًا لموجز سياسي تعاوني من تأليف كابسارك وغيره من مراكز البحوث الرائدة لمؤتمر قمة مجموعة الفكر (T20) في المملكة العربية السعودية في عام 2020م، الذي قدم توصيات سياسية قائمة على البحوث لقادة مجموعة العشرين. وهذه النتائج ذات أهمية كبيرة بالنسبة لصانعي السياسات، حيث تواصل العمل على المركبات الكهربائية من خلال تمديد برامج دعم المركبات الكهربائية، مما يشير إلى عدم وجود جذب للمستهلك. ومن الأمثلة البارزة على ذلك تمديد الإعفاءات الضريبية الاتحادية مؤخرًا للمركبات الكهربائية التي يمكن شحنها بموجب قانون الحد من التضخم في الولايات المتحدة، إذ يفرض قيودًا على الدخل وأسعار المركبات فيما يتعلق بأهلية الحصول على الدعم. حقق التقدم السريع للصين في إنتاج المركبات الكهربائية إنجازًا بارزًا في النصف الأول من عام 2022م عندما أقصت شركة بي واي دي -مجموعة تصنيع السيارات الصينية المدعومة من وارن بافيت رئيس شركة بيركشير هاثاواي- شركة تسلا التي يرأسها إيلون ماسك عن كونها أكبر شركة مصنعة للمركبات الكهربائية في العالم بناءً على المبيعات. وسلطت التقارير الأخيرة الضوء على ازدهار صادرات الصين من السيارات، إذ تذهب معظم صادراتها من المركبات الكهربائية إلى أوروبا. فشحنت الصين -التي لم تكن شيئًا قبل بضع سنوات- 500,000 مركبة كهربائية في عام 2021م، وهي الثانية بعد ألمانيا. ومع تحول قطاع السيارات إلى المركبات الكهربائية، فقد تشهد أوروبا اختلالًا في التوازن التجاري بسبب الصين. ومع انتقال الإنتاج إلى الصين، يمكن للقارة أن تشهد انتشار البطالة على نطاق واسع بين الملايين من الناس الذين يعملون الآن في وظائف صناعية ثابتة في صناعة السيارات التقليدية.
مشاركة :