صاروخ إيراني فرط صوتي: استعراض أم خطوة نوعية في سباق التسلح طهران – أكّدت إيران أنها صنعت للمرة الأولى صاروخا بالستيا فرط صوتي، في خطوة وصفها المراقبون بأنها مغامرة خطيرة على الأمن الإقليمي إذا صحت مزاعم طهران ولم تكن مجرد استعراض دعائي، وأنها قد تدفع إلى سباق نحو التسلح دون ضوابط. وقال مراقبون إن الإعلان عن تصنيع صاروخ فرط صوتي هو دليل إضافي على أن إيران صارت عنصرا مهددا للأمن الإقليمي والدولي، معتبرين أن دول الخليج ليست وحدها التي ستقع تحت تهديد تعاظم الإمكانيات العسكرية الإيرانية، وإنما العالم كله سيكون عرضة لتحركات دولة لا تقِيم للضوابط القانونية الدولية والأعراف الدبلوماسية وزْنًا. وأشار هؤلاء المراقبون إلى قضية الطائرات الإيرانية المسيّرة التي بدأت تقض مضجع المجتمع الدولي في الفترة الأخيرة بعد استخدامها في حرب أوكرانيا واكتشاف أثرها التدميري على المنشآت المستهدفة. وكانت مختلف دول العالم -وبالخصوص الولايات المتحدة- قد قابلت بلامبالاة شكوى السعودية والإمارات من خطر هذه المسيرات على منشآت النفط خاصة بعد تسليمها لميليشيات لا تمتلك أي منطق ولا تفكر سوى في الاستعراض وما تحدثه هجماتها من صدى إعلامي. ويوجه هذا الإعلان الخطير رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة مفادها أن التراخي في معالجة البرنامج النووي الإيراني يمنح طهران فرصة ربح الوقت ومفاجأة العالم بدخول مرحلة من التصنيع لا يمكن خلالها التصرف تجاه إيران باعتماد الضغوط الدبلوماسية والعقوبات ولا حتى تنفيذ عملية عسكرية ضدها. ويظهر تصنيع صاروخ فرط صوتي أن إيران تتعامل مع مفاوضات برنامجها النووي بمنطق براغماتي يقوم على ربح الوقت والمماطلة وإغراق الدول التي تتفاوض معها في التفاصيل والمهل الزمنية، وأن التصنيع العسكري والنووي خيار إستراتيجي لا يمكن أن تتخلى عنه تحت أي مسوّغ. وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي الخميس إن تصنيع صاروخ إيراني بالستي فرط صوتي ينمّي “المخاوف” الدولية إزاء إيران. وأوضح غروسي في مقابلة مع وكالة فرانس برس على هامش أعمال قمة المناخ (كوب 27) في شرم الشيخ أن هذا الموضوع ليس من اختصاصات الوكالة “لكن لا يمكن أن ننظر إلى الأمور بمعزل عن بعضها البعض (…)؛ فمثل هذا الإعلان ينمّي المخاوف ويزيد الانتباه إلى الملف النووي الإيراني”، مؤكدا “لا بد أن يكون لذلك تأثير”. وسيجبر الكشف عن الصاروخ الإيراني الجديد السعوديةَ على التحرك على أكثر من جبهة لإحداث توازن عسكري ونووي مع إيران، وستجد فيه مبررا كافيا لتحدي الضغوط الأميركية التقليدية التي تحثها على تأجيل أي خطوة على هذا المستوى وترهن تحركها بوجود منظومات دفاع أميركية في المنطقة قادرة على ردع أي خطر متأتّ من إيران. لكن تلك الوعود والتطمينات تبددت خلال الهجمات الحوثية على منشآت النفط منذ هجوم أبقيق في سبتمبر 2019. وبعد هذه الهجمات وما تبعها من لامبالاة أميركية أصبح السعوديون يعتقدون أن عليهم الاعتماد على إمكانياتهم الذاتية في حماية أمنهم القومي وأمن الخليج من الخطر الإيراني. ولهذا تحاول الرياض اللحاق بركب التنمية النووية الإيرانية بالإضافة إلى قدراتها الفضائية والصاروخية البالستية وامتلاكها الطائرات ذاتية القيادة من خلال اتفاقيات متنوعة مع الصين على وجه الخصوص. وذكرت وكالة أنباء تسنيم شبه الرسمية نقلا عن أمير علي حاجي زادة، قائد القوة الجوفضائية في الحرس الثوري، أن طهران شيدت صاروخا بالستيا فرط صوتي. ونقلت الوكالة عن حاجي زادة قوله “هذا الصاروخ له سرعة عالية ويمكنه المناورة داخل وخارج الغلاف الجوي. سيستهدف منظومات العدو المتطورة المضادة للصواريخ، وهو قفزة كبيرة في مجال الصواريخ”. لكن لم ترد أي تقارير عن اختبار إيران لمثل هذا الصاروخ، وبينما تطور طهران صناعة محلية ضخمة للأسلحة في مواجهة العقوبات الدولية والحظر يقول محللون عسكريون غربيون إن إيران تضخم أحيانا قدرات أسلحتها. ويحلّق الصاروخ الفرط صوتي بسرعات تزيد عن ستة آلاف كيلومتر في الساعة، أي خمس مرّات سرعة الصوت، وفي مسار معقد يجعل من الصعب اعتراضه. وذكرت نشرة “جينز” (الموقع الذي يعنى بالأخبار والتحليلات العسكرية والأمنية) أن الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت تشكّل تحديا لمصممي الرادارات بسبب سرعتها العالية وقدرتها على المناورة. وخلافا لما يعتقد، فإن الصواريخ فرط الصوتية ليست بالضرورة أسرع من الصواريخ البالستية. والفرق الأساسي بينهما هو أن الصاروخ فرط الصوتي يمكنه المناورة، ما يصعّب توقّع مساره واعتراضه. ويمكن لأنظمة “ثاد” المضادة للصواريخ اعتراض مقذوفات عالية السرعة، لكنها مصممة لحماية منطقة محدودة المساحة؛ فإذا أُطلق صاروخ فرط صوتي فإن أنظمة رصد الصواريخ التي تقيس مصادر الحرارة قد لا تتعرف عليه في الإبّان، وعندها يكون أوان اعتراضه قد فات. ويأتي هذا الإعلان فيما يحاول الغربيون منذ أكثر من عام إحياء خطة العمل الشاملة والمشتركة، الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه عام 2015 بين القوى الكبرى وطهران. وأتاح اتفاق 2015 رفع عقوبات عن الجمهورية الإسلامية لقاء خفض أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها. إلا أن الولايات المتحدة انسحبت منه عام 2018 في عهد رئيسها السابق دونالد ترامب، معيدة فرض عقوبات على إيران التي ردت بالتراجع تدريجيا عن معظم التزاماتها. ويبدو أن المفاوضات قد وصلت إلى طريق مسدود الآن. وفي 5 نوفمبر الجاري أعلنت إيران أنها اختبرت “بنجاح” صاروخا قادرا على حمل أقمار صناعية إلى الفضاء. وأعربت الحكومات الغربية مرارا عن قلقها من إمكانية تعزيز هذا النوع من عمليات إطلاق الصواريخ البالستية، ليصبح بمقدور طهران إطلاق رؤوس حربية نووية.
مشاركة :