خلية النحل السعودية

  • 1/16/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لطالما سعدت وأنا أتابع نهضة المملكة العربية السعودية على مختلف الأصعدة وهي تحدث على مقربة مني من خلال مكتبي في البحرين. عدد قليل من الدول حول العالم يتمتع بهذه المستويات العالية من التطور، مدن ضخمة ومناطق صناعية ومشاريع كبرى تنشأ من العدم، وكل ذلك يحدث بنشاط ودقة، وهذا ما يجعلني أشبه المملكة العربية السعودية في كثير من الأحيان بخلية النحل. النحل بطبيعته يعيش في مجتمع منظم ومنضبط، ويعمل بمهنية تامة وتفان كامل، كما أنه لا يورط نفسه بالتدخل في شؤون الآخرين، وعندما أجلس في حديقة منزلي - ورغم أني قد أتعرض للدغة نحل مؤلمة- إلا أنه ليست هناك حاجة للخوف من النحل، فهو لديه مهمة وعمل، وأنا كذلك. ويمكن استخلاص مقارنة مماثلة مع الدور الإقليمي للمملكة العربية السعودية، فالمملكة لديها مصلحة قوية في السلام الإقليمي والاستقرار والازدهار، وهي لم تسع نهائيا لتوسعة حدودها أو فرض نفسها على الآخرين. يحدث هذا فيما يشهد الإقليم اضطرابات واسعة أسفرت عن إزالة حدود سياسية بقيت صامدة طيلة المئة سنة الماضية، وتشكل حدود جديدة بناء على اللون الديني كما حدث بين العراق وسوريا عندما أعلن تنظيم داعش عن توحيد الرقة والموصل والرمادي وغيرها تحت رايته. كما أسفر سقوط أنظمة عن اضمحلال دور الدولة المركزية مقابل صعود قوة متشرذمة تتحارب فيما بينها إلى ما لانهاية، كما يحدث في ليبيا، وليست اليمن أحسن حالا الآن. حدث كل هذا فيما ازدادت أراضي المملكة العربية السعودية مترامية الأطراف تماسكا، وحافظت دول الخليج العربي على استقرارها ونموها، وزادتها الأطماع والتهديدات الخارجية تماسكا، وشهدنا ثمار هذا التماسك أكثر من مرة في البحرين عام 2011 وفي اليمن حاليا، ونحن مطمئنون إلى أن قيادات وشعوب الخليج العربي يدركون بعد كل ما جرى أهمية تعزيز التلاحم والتوحد بينهم. لدينا أمثلة لدول لا تقل مواردها النفطية كثيرا عن موارد المملكة العربية السعودية، من بينها نيجيريا التي تمزقها النعرات الداخلية والاضطرابات والفتن والهجمات التي تطال آبار البترول والمصافي، وهناك يسود الفقر وانعدام الأمن رغم الموارد النفطية الهائلة، ولدينا أيضا فنزويلا، الدولة التي يحكمها نظام اشتراكي بأفكار اقتصادية متخلفة ويستمد قوته من خلال معاداة ما يسميه الإمبريالية الأمريكية، هذه الدولة النفطية العظيمة عجزت عن دفع رواتب موظفيها بعد شهر أو شهرين من هبوط أسعار النفط!. إن النمو والتطور والازدهار يحتاج إلى استقرار أولا وقبل كل شيء، واستقرار النظام السياسي هو الأساس لعمل الدولة، وهذا ما ضمنته دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وهذا ما يجذب المستثمرين ويجعلهم مطمئنين إلى ملياراتهم في سوق التجزئة أو البتروكيماويات أو البنية التحتية السعودي وغيرها، فيما نجد أن شهية المستثمرين شبه معدومة إزاء دول مثل اليونان التي تنام على حكومة يمينية وتصحى على أخرى يسارية، وحتى في تركيا نشهد تذبذبا في أسعار العقارات مثلا مع كل إرهاصات انتخابات جديدة. لكن الاستقرار السياسي السعودي ليس ركود، وشهدنا مؤخرا دخول المرأة المجلس التشريعي، كما جرت قبل نحو شهرين أول انتخابات بلدية في السعودية، وفازت بها العديد من النساء أيضا، وهذا مؤشر على أن التطور السياسي على السكة الصحية، الهادئة والواثقة والمطمئنة. هناك من ينشئ ويدعم منظمات مشبوهة ومرتزقة مأجورين لاستخدامهم في تأجيج الصراعات ونشر الفوضى والبؤس، وهو يعتقد أن مثل هذا السلوك غير المقبول وغير القانوني يجعله أكثر قوة، ويعجز عن فهم حقيقة التزام وانضباط المملكة العربية السعودية، ويترجم هذا الانضباط على أنه ضعف وتردد. ولا بد هنا من الإشارة إلى محاولات شق الصف الوطني بين شعوب دول الخليج عن طريق دفع طائفة معينة للخروج في مظاهرات احتجاجية، لكن بدا جليا أن معظم افراد هذه الطائفة عقلاء بما يكفي لتجاهل هذا التحريض الخارجي. نحن اليوم في قلب الصراع الإقليمي بين الجراد والنحل، بين قوى الفوضى والتدمير الوحشي من جهة وقوات حفظ الاستقرار والتنمية من جهة أخرى. لا يمكننا البقاء على الهامش في هذا الصراع الذي يسعى أحد جانبيه إلى السيطرة على مقدرات الإقليم كاملا وبسط نفوذه عليه، خاصة وأن البحرين لديها الكثير لتكون ممتنة للمملكة العربية السعودية التي دعمتنا لإعادة أمننا واستقرارنا ورخائنا مع الحفاظ في الوقت ذاته على سيادتنا واستقلالنا. لدى دول مجلس التعاون الخليجي كل الحق في الوقوف جنبا إلى جنب في هذا الوقت العصيب، وتعزيز تضامنها ووحدتها. يجب علينا ألا نحاول إبقاء رؤوسنا منخفضة والالتفات إلى مصالحنا الخاصة الضيقة فقط، فعندما تعمل دول مجلس التعاون الخليجي كيانا واحدا نكون أكثر قوة وأقل عرضة للمخاطر. متفرقون نسقط واحدا تلو الآخر، والمثل العربي يقول أكلت يوم أكل الثور الأبيض، لكننا متحدون نستطيع بكل قوة الدفاع عن مواردنا وتاريخنا وحضارتنا ومستقبل ابنائنا. *الرئيس التنفيذي لمجموعة بروموسيفن القابضة

مشاركة :