الفن الإسلامي.. نظرة مغايرة

  • 11/19/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

العلاقة بين الفن والعمارة في الحضارة الإسلامية يجب أن يتجاوز الزخرفة والصور السطحية القشرية، ويجب أن يعيد التكامل المكاني الثابت والمنقول، البصري والوظيفي، ويجب أن نذكّر أنها مهمة تتطلب الكثير من البناء المنهجي.. خلال الأيام القليلة الفائتة تقاطعت مع مناسبتين أحسب أن هناك علاقة جوهرية بينهما، الأولى مؤتمر المساج الذي عقد في الكويت، والثانية احتفاء العالم بالفن الإسلامي في 18 نوفمبر، وتقاطع المناسبتين يكمن في كون لمسجد مختبر الأفكار المعمارية وحتى التقنية وتطورت حوله صناعات ساهمت في التزيين والتشغيل ونتج عن ذلك مجموعة كبيرة من المصنّعات التي مثلت مسار زماني / مكاني يعكس تطور هذه الأشكال وارتباطاتها الجغرافية والثقافية وبالتالي شكلت هوياتها الفنية / البصرية. من الناحية المنهجية لا يمكن فهم الفنون الإسلامية دون دراسة تاريخ عمارة المسجد، على أن هذا الدراسة غالبا ما تتوقف عند الأشكال الظاهرة وتهمل المعاني غير المنظورة، كما أنها تهتم بالتكوينات العامة للمساجد وزخرفتها وتهمل الأشياء الصغيرة المنقولة أو غير الثابتة، رغم أن معظم الفنون البصرية والصناعية في الحضارة الإسلامية مرتبطة بها، ومع ذلك يجب أن نشير إلى الدراسات المتفرقة التي قام بها عدد من الباحثين خلال العقود الماضية لبناء منهجية يعتد بها لفهم بنية وجوهر هذه الفنون والمسارات التي مرت بها أثناء تطورها والعوامل التي ساهمت في تشكيلها. باحثون أمثال "أولج جرابر" و"روبرت هلينبراند" Oleg Grabar and Robert Hillenbrand وغيرهما عملوا بشكل جاد من أجل وضع أطار منهجي لدراسة الفنون الإسلامية وتفسير هذه الفنون، على أن هذه المحاولات لم تصل إلى مرحلة تفكيك هذه البنية التي مازال ينظر لها البعض على أنها قشرية وتشكيلية تفتقر لمعاني جوهرية تهذب أشكالها وتحكم تكوينها. ويبدو أن نقد الفنون والعمارة الإسلامية من خلال واقعها المنهجي العلمي الذي لم يتجاوز الخارج، وإذا تجاوزه غالبا ما يقع في شرك الأفكار الفلسفية التجريدية التي لا تخضع للمنهج العلمي الصارم وهو ما أوجد بعض الشكوك في كون هذه الفنون نتجت عن تفاعل بين المكان والثقافة المجتمعية والبيئة الحرفية الصناعية، لعل هذا ما يدفعنا إلى تبني منهج "استعادة تاريخ المكان" من خلال تجميع الأشياء الصغيرة والمنقولة، وهو ما يعتبر مغامرة منهجية، وفي الوقع اختبار هذه المغامرة العلمية يحتاج إلى عمل توثيقي ضخم لهذه المصنعات المتناثرة في متاحف العالم والأهم ربطها بمنشأها المكاني والثقافي، ويبدو أن هذا ليس في متناول اليد في الوقت الراهن، السؤال الذي طرحناه على أنفسنا هو: ماذا يجب أن نعمل حتى نكسر الحلقة المفرغة التي وجد الباحثون في العمارة والفنون الإسلامية أنفسهم داخلها؟ وكيف يمكن إثارة الانتباه حول أهمية تبني منهجية تتجاوز التكرار والتقاليد البحثية السابقة التي تطورت حول العمارة والفنون الإسلامية خلال العقود الماضية. بالنظر لتاريخ العمارة والفن في الحضارة الإسلامية، سوف نواجه إرثا ممتدا ومتراكما لكنه في نفس الوقت متكررا ويوحي بالسكون إلا إذا استثنينا بعض الدراسات التي ركزت على الأنماط والطرز المحلية. إن إعادة تصور هذا التاريخ من خلال الأشياء التي يصعب رصدها تاريخيا وتواجه تحديا كبيرا في توثيقها ورصد بداياتها، وإن كان بالإمكان تحديد الأسباب التي أدت إلى نشأتها إلى حد ما، يمثل جوهر الفكرة التي نسعى لتطويرها لبناء منهجية نقدية تتحدى السائد وربطها بالمدارس الفنية التي تطورت في أنحاء متفرقة من العالم الإسلامي مع بناء مسار زمكاني، وهذا مهم، لتأثير تطور هذا المدارس على تصنيع الأشياء وتسلسل تطور أشكالها وارتباطها في نفس الوقت بتطور الأشكال المعمارية بصورة عامة. العلاقة بين الفن والعمارة في الحضارة الإسلامية يجب أن يتجاوز الزخرفة والصور السطحية القشرية ويجب أن يعيد التكامل المكاني، الثابت والمنقول، البصري والوظيفي ويجب أن نذكّر أنها مهمة تتطلب الكثير من البناء المنهجي. النقد الذي يوجه للعمارة الإسلامية هو كونها تفتقر للحس الزمني ويطلق عليها البعض بأنها فنون وعمارة ساكنة كونها شبه متكررة، ونرى أن هذا الاعتقاد الذي وصل له البعض هو نتيجة لفجوة البحث العلمي الميداني والتحليلي وحتى الفكري / الفلسفي في مسببات تطور الأشياء والأشكال الفنية والمعمارية عبر مساراتها الزمكانية. قد يكون الاحتفاء بيوم الفن الإسلامي أثار انتباهنا لهذه الفجوة مما يتطلب تبني خطاب نقدي لفهم الخطوات القادمة من خلال استقراء تاريخ الفنون في الحضارة الإسلامية. على أن المشكلة تتفاقم عندما ينظر للتاريخ على أنه حكايات حدثت في الماضي لا مصدرا لفهم الآليات التي أدت إلى إنتاج العمارة والفنون. ويبدو أن "هيمنة المنتج النهائي" على فكر المهتمين بالفنون ساهم بشكل كبير في عدم تطور مدرسة تحليلية تفكيكية تفهم الآليات Process ولا تركز على تفسير المنتج فقط. ويبدو أن مثل هذه المنهجية التي تحاول الوصول إلى البدايات وفهم مسببات تخليق الأشكال لم تتطور كثيرا في بيئتانا الأكاديمية، وهو ما يجعل الدفع بمنهجية جديدة يواجه بعض المقاومة.

مشاركة :