دخلت العلاقة بين عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة، وخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة، نفقاً مظلماً، على خلفية منع ميليشيا مسلحة تابعة للحكومة اجتماع الأخير بطرابلس. ورأى سياسيون، أن الدبيبة قد «أضاع على نفسه فرصة بعدم التنسيق مع كتلة داخل (الأعلى للدولة)، كانت تطالب بضرورة التوافق أولاً مع مجلس النواب بشأن المسار الدستوري»، لكنهم أشاروا إلى أن الأمر يتعلق بصراع مصالح وبقاء في السلطة. من جانبه، قال عضو المجلس الأعلى للدولة، محمد معزب، إن مناقشة مجلسه ملف توحيد السلطة التنفيذية، «أزعجت الدبيبة وأشعرته بجدية ما قد يتم اتخاذه من خطوات، لذا صعّد مواقفه سريعاً حيال (تفاهمات الرباط) من الرفض الإعلامي إلى التعامل الخشن». ووصف معزب في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، محاصرة المجلس بـ«خطوة غير حكيمة، وخطأ فادح، أفقده دعم حلفاء محليين وغربيين ترسخ بقناعتهم أنه لا يسعى لإجراء الانتخابات كما يردد، وإنما يحاول عرقلتها، أو على الأقل لن يكون مؤهلاً لتأمينها إذا عُقدت». وكان المشري، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، قد أعلنا نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في العاصمة المغربية الرباط، توافقهما على تغيير شاغلي المناصب السيادية، واستئناف الحوار لعمل ما يلزم من أجل إجراء الانتخابات، وتشكيل حكومة موحدة في أقرب الآجال. وذهب معزب، إلى أن الدبيبة «أضاع على نفسه فرصة كبيرة بعدم التنسيق مع كتلة داخل (الأعلى للدولة) كانت تطالب بضرورة التوافق أولاً مع مجلس النواب بشأن المسار الدستوري، قبل التطرق للنقاش حول المسار التنفيذي بشقيه تغيير (المناصب السيادية)، و(الحكومة)». واعتبر معزب، أن «مثل هذا التنسيق كان سيكفل للدبيبة البقاء بالسلطة لفترة أطول كما يطمح، لتطلب المسار الدستوري نقاشات مستفيضة قد تستغرق شهوراً، خاصة في ظل ما هو متوقع برفض البرلمان مسودة القاعدة الدستورية التي أرسلها له (الأعلى للدولة)، أخيراً، لتضمنها بنوداً تقصي العسكريين ومزدوجي الجنسية من الترشح للرئاسة، وهو ما لا يمكن للبرلمان القبول به في ظل تحالفه الوطيد مع (القائد العام للجيش الوطني المشير) خليفة حفتر، الساعي للترشح». ورغم تأكيده على قوة علاقة تركيا بالرجلين، قلل معزب من فرص نجاح أنقرة في تطويق هذا الخلاف بين أبرز حلفائها بالساحة الليبية كما يعول البعض، مشدداً على أن «التزام مجلسه بعملية التغيير والمضي قدماً نحو الانتخابات، سيؤدي حتماً لإزاحة الدبيبة». رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني» الليبي، أسعد زهيو، انضم للطرح السابق، مرجعاً صعوبة احتواء الخلاف لارتباطه بـ«المصالح الشخصية للدبيبة والمشري، وكون أن أي حل سيتم التوصل إليه سيعني إقصاء أحدهما عن الساحة، فضلاً على قدرة أنقرة على التعامل مع أي منهما متى حسم المعركة لصالحه». أما فيما يتعلق بالتحالف الجديد بين المشري وصالح، الذي ترجمه الأخير في بيان إدانته للحادث ومساندته لـ«الأعلى للدولة»، فذهب زهيو، إلى أن هذا التحالف يتركز حول «تصفية الحسابات مع خصم سياسي مشترك لهما، هو الدبيبة، فيما لا تزال النقاط الخلافية قائمة بينهما حتى اللحظة الراهنة». ورأى أن «سلوك الدبيبة مثّل فرصة ذهبية لصالح ليثبت أن مجلسه كان على حق في سحب الثقة من حكومة (الوحدة)، وأنها تحتمي بالتشكيلات المسلحة وتعرقل إجراء الانتخابات». في المقابل، ذهب رئيس حزب «تجمع تكنوقراط ليبيا»، أشرف بلها، إلى أن «الضغوط والتحذيرات الخارجية، وكذلك الوساطات المحلية، قد تنجح في احتواء مثل هذه التجاذبات المتكررة بالساحة الليبية». وأشار لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «من المستبعد اختفاء تلك التجاذبات بالكلية من المشهد في ظل استمرار فوضى انتشار السلاح ونزوع كل الأطراف الليبية للبقاء والتأثير بالساحة السياسية، فضلاً على استقواء هذه الأطراف في صراعاتهم بالخارج». أما عضو مجلس النواب الليبي، جبريل أوحيدة، فاستبعد ما يطرحه البعض من أن مواقف دول مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة وتركيا، قد تتغير بعد محاصرة مجلس الدولة، وتنزع تأييدها لبقاء حكومة الدبيبة. وقال أوحيدة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «نعم أصدروا بيانات إدانة للحادث، ولكن تلك الدول لا ترغب في تغيير محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، أو حتى مجرد المساس به، لكونه شخصية مقربة منهم، وبالتالي فهم يرفضون فعلياً (تفاهمات الرباط)». ولفت إلى أن «كلمات ممثلي تلك الدول خلال جلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة حول ليبيا، تشاركت في عبارات بعينها، كالتأكيد على ضرورة أن تولي الأطراف الليبية الاهتمام بإجراء الانتخابات فقط، والتغاضي عن أي مسار كتشكيل حكومة جديدة، دون أي توضيح لكيفية إجراء الانتخابات في ظل الفوضى الراهنة، ودون وجود حكومة (موحدة) تبسط سيطرتها على كامل التراب الليبي، وهو ما يعني بقاء الأوضاع كما هي».
مشاركة :