أكثر من مئة مليون نازح ولاجئ حول العالم، وهو الرقم الأعلى تاريخياً حسب الأمم المتحدة. الحروب المنتشرة في أوكرانيا وأفغانستان والشرق الأوسط ووسط أفريقيا وغيرها من البقع الساخنة على الكوكب زادت الأعداد دون تقديم حلول لعودة اللاجئين أو دمجهم في المجتمعات التي لجأوا إليها. أكبر المشكلات التي تواجه الدول المضيفة هي اعتماد اللاجئين على المساعدات المالية والعينية، ما يزيد من حالة الخمول وعدم الرغبة بالتفاعل الاقتصادي عند الشباب اللاجئين مع تعدد المؤسسات الداعمة للاجئين. يرى الباحث في شؤون التعليم الجامعي د.محمد رزق الله أن التعليم الجامعي هو القادر على رفع كفاءة وطموح وتفاعل اللاجئين مع المجتمعات الجديدة، وقال: «التعليم الجامعي قادر على بناء مستقبل حقيقي وزرع الأمل، ومنه يتحول اللاجئ إلى منتج، وليس مستهلكاً في الوعي الجمعي للمجتمع. إذا حصل اللاجئ على شهادة جامعية يستطيع العمل في وظائف متوسطة أو عليا بدل العمل في وظائف متدنية أو حتى الانضمام للبطالة التي تتفشى في صفوف اللاجئين حول العالم، ومن هنا تبرز الحاجة لدعم التعليم الجامعي لهذه الفئة الكبيرة». التحدي الأكبر للاجئين هو التسجيل في الجامعات، أولاً لأسباب مالية تتعلق بدفع نفقات التعليم الذي ليس في متناول معظم اللاجئين في العالم، والثاني هو الحصول على أوراق ثبوتية مقبولة بالنسبة للانتساب للجامعات الحكومية أو الخاصة، ففي العادة يواجه اللاجئون مشكلة في الأوراق، وعليه لا تقبلهم الجامعات، عندئذ سينضم اللاجئ إما لشريحة العاطلين عن العمل، ولربما بعضهم بسبب الإحباط يتجه للعنف والجريمة أو الإحباط النفسي، أو لشريحة العمال في الوظائف الدنيا، كالبناء والتنظيف وغيرها من الأعمال التي ربما لا تتناسب مع مستوى ذكاء ذاك الشخص الذي فيه من عوامل النجاح الذهني الكثير، لكن لا يجد الحاضنة التعليمية. تسعى الأمم المتحدة، وبخاصة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى تشجيع التعليم الإلكتروني عند بعد، بوصفه إحدى الأدوات الفعالة لنشر التعليم الجامعي في صفوف اللاجئين، وباشرت بعدد من المشاريع التعاونية مع عدد من الجامعات حول العالم، مثل «University of the people» الأمريكية التي يتعلم فيها قرابة 20 ألف لاجئ ونازح مجاناً من لاجئي سوريا وأفغانستان وأوكرانيا. بدورها، أكدت باسكلين شيربير رئيسة مجلس أمناء جامعة university of the people أهمية توفير فرص التعليم للاجئين حول العالم، فالأمر بحاجة لحاسوب وشبكة إنترنت، حينها يمكن لأي لاجئ أن يتعلم عن بعد. وقالت شيربير: «نرى أن من واجب العالم النظر باهتمام بالغ لمستقبل اللاجئين، وتوفير فرص عمل لتحسين ظروف حياتهم، ودمجهم في سوق العمل، ولهذا تسعى الجامعة منذ إنشائها إلى توفير آلاف المنح الدراسية للاجئين، بل والاستمرار في مساعدتهم لغاية الحصول على وظيفة في الشركات العالمية، خاصة تلك التي تعتمد على العمل عن بعد، الذي بات نهجاً دولياً، خاصة بعد جائحة كورونا». لعل الأزمة السورية لأكثر من عقد شكلت العبء الأكبر في الشرق الأوسط وأوروبا، ولكن مع استمرار الحرب الأوكرانية وتخلي العالم عن أفغانستان بشكل يضمن استمرار التعليم الجامعي، خاصة للنساء، كل ذلك زاد من أعداد اللاجئين أو النازحين. أحد الأمثلة هو اللاجئ السوري أحمد حمو، الذي نزح إلى إدلب بعد اندلاع الحرب في سوريا، وهو يدرس عبر الإنترنت، يقول: «فقدت أي أمل للدراسة الجامعية، ولم أستطع مغادرة إدلب بسبب ظروف عائلتي وخطورة الطرق، ولكن وجدت ضالتي في التعليم عن بعد، أدرس الآن إدارة الأعمال عن بُعد عقب حصولي على منحة دراسية. العديد من أصدقائي في أوروبا لم يستطيعوا استكمال دراستهم الجامعية. ولهذا وضعهم بائس جداً، خاصة وأن الجامعات الأوروبية لا تقبل انتسابهم بسبب عدم استكمال أوراقهم الثبوتية، أو حتى تقديم شهاداتهم المدرسية السابقة عندما كانوا في سوريا وخرجوا دون أن يتذكروا أنها قد تفيدهم في المستقبل». التعليم الجامعي عبر الإنترنت شكل حلاً لحمو ولغيره من اللاجئين، الأمر الذي يدفعه الآن للعمل في النهار لتوفير لقمة العيش، والدراسة ليلاً لبناء مستقبل أفضل. أما اللاجئة الأوكرانية يرسولافيا سيلمنكو فتقول إن «تجربة الحرب تغير الحياة بحد ذاتها.. لم يعد لدينا موطن بعد الآن، علينا أن نبدأ حياتنا من جديد، ولا نعرف متى سنحظى بفرصة العودة إلى المنزل، هذا إذا سنحت لنا هذه الفرصة على الإطلاق، لهذا أدرس الآن عبر الإنترنت، فهو الخيار الوحيد أمامي، وسوف أستمر في الدراسة حتى لو انتقلت مع عائلتي من دولة إلى دولة، لأن جامعتي هي على جهاز حاسوبي الذي خرجت به من أوكرانيا». العديد من الجامعات بدأت تتوجه نحو التعليم الإلكتروني، ليس فقط لمساعدة اللاجئين، بل لأن التجربة خلال الجائحة فتحت آفاقاً جديدة للتعليم، خاصة وأن الطلبة ليسوا بحاجة للحضور إلى الجامعة، ويكفي الدراسة من المنزل. هنا يأتي السؤال عن كيفية تقييم أداء الطلبة وتقديم الامتحانات وتوفير المصداقية. د.محمد رزق الله، الخبير في شؤون التعليم الجامعي، يجيب: «الاختبارات تعد من أدوات التقييم التقليدية التي يمكن تعديلها بسهولة لتناسب التعلم عبر الإنترنت بشكل أفضل. على سبيل المثال، يمكن استخدام الاختبارات غير المصنفة في بداية الدرس لفهم المعرفة الحالية لدى الطلاب، ويمكن استخدام الاختبارات القصيرة مرة أخرى بعد اكتمال الدرس كأداة تفاعلية لتقييم الأداء العام. يستطيع المعلمون إنشاء الاختبارات عبر الإنترنت وتعديلها بسهولة باستخدام مجموعة متنوعة من الأدوات والمنصات المتوفرة حالياً». يضيف رزق الله أن المقالات أو الأسئلة ذات النهايات المفتوحة هي طريقة أخرى للتقييم الإلكتروني. تشجع هذه الوسيلة الطلاب على شرح فهمهم لمفاهيم التعلم بالتفصيل، فلا يمكن، كما يرى رزق الله، وضع درجات لهذا النوع من التقييم تلقائياً، ويجب على المعلمين قراءة كل إجابة فردية وتقديم درجة أو ملاحظات. ويؤكد أن الأنشطة التفاعلية، مثل الألعاب، يمكن أن تعزز تعلم الطلاب من خلال تعزيز المهارات غير المعرفية، مثل حل المشكلات واتخاذ المخاطر والتعاون والانضباط، هذا النوع من التقييم يسمح للمعلمين بتقييم تعلم الطلاب بطريقة ممتعة وجذابة لا تشبه الاختبارات التقليدية. هناك عدد لا يحصى من التطبيقات التعليمية التي يمكن استخدامها لإنشاء تقييمات قائمة على الألعاب. تابعوا أخبار العالم من البيان عبر غوغل نيوز طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :