من منطلق تجربة شخصية صنع المخرج الفرنسي من أصل جزائري رشيد حامي فيلمه الجديد (لأجل وطني) الذي يطرح فيه سؤال الهوية ومعنى الوطن من خلال وجهتي نظر متقابلتين إحداهما تؤمن بأن الوطن هو حيث نشأنا وعشنا والأخرى تؤمن بأن الوطن يوجد حيث يجد الإنسان الملاذ والأمان والمستقبل. الفيلم إنتاج فرنسي ومن بطولة كريم لكلو وشاهين بومدين ولبنى عزبال وسمير قواسمي ولورينت لافيت وتدور أحداثه خلال 113 دقيقة بين الجزائر وفرنسا وتايوان. تنطلق أحداث الفيلم بموت عيسى السعيدي الطالب في كلية سان سير العسكرية بشكل مفاجئ أثناء تدريب للطلاب المستجدين لتبدأ ترتيبات تشييع الجثمان وإقامة الجنازة بين أسرته والكلية لكن الأمور تتعقد عند محاولة الوقوف على السبب الحقيقي للوفاة ورفض المسؤولين إقامة جنازة رسمية للشاب ذي الأصول الجزائرية. وبينما تخضع الأم للضغوط في البداية وتقبل بدفن جثمان ابنها في أسرع وقت إكراما له، يتصدى شقيقه الأكبر إسماعيل للأمر ويصر على مساواة شقيقه بالجنود الفرنسيين الذين يموتون في مهام عسكرية ودفنه بمقبرة الجيش. ومن مشهد العائلة المكلومة بسبب الوفاة يصنع المخرج نقلة زمنية ليلقي الضوء على بداية رحلتها من الجزائر إلى فرنسا هربا من الحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي حين فرت الأم الحامل في طفلها الثالث بطفليها إسماعيل وعيسى من زوجها الشرطي الذي رفض مغادرة بلاده في واحد من أحلك الأوقات في تاريخها. ويستعرض الفيلم طبيعة العلاقة بين الشقيقين إسماعيل وعيسى حيث كان الأول مصدر قلق دائم للأسرة وفشل في تحقيق ذاته بينما ذهب الثاني إلى تايوان في منحة دراسية وكان يحلم بالعودة إلى فرنسا للالتحاق بكلية سان سير العسكرية ليصبح أول قائد أركان عربي بالجيش الفرنسي. وتتبلور فكرة الفيلم في حوار دار بين الشقيقين عند زيارة إسماعيل المفاجئة لعيسى في تايوان حين يكشف الأخير عن نيته الالتحاق بالكلية العسكرية حيث يقول لأخيه إنه يتفهم تماما تمسك والدهما بالبقاء في الجزائر للدفاع عن وطنه مثلما أصبح هو الآن مستعدا لحمل السلاح والقتال دفاعا عن وطنه الجديد فرنسا. وقال المخرج رشيد حامي، الذي ولد في الجزائر عام 1985 وهاجر إلى فرنسا مع أمه، بعد عرض الفيلم في قسم البانوراما الدولية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي إن القصة مستقاة من حياته الشخصية وكتبها عام 2013 بعد عام أو اثنين تقريبا من وفاة شقيقه واختار صياغتها في قالب ملحمي ليسرد حكاية العائلة من البداية. وأوضح أنه أراد من خلال الفيلم طرح قضية الهوية بشكل عام وعلى أكثر من مستوى بحيث لا تقتصر فقط على الجنسية لكن تمتد أيضا إلى الروابط العائلية داخل الأسرة الواحدة والتي تشكل في حد ذاتها وطنا آخر للإنسان. وكان الفيلم قد حظي باستقبال طيب عند عرضه لأول مرة في مهرجان البندقية السينمائي بإيطاليا في سبتمبر أيلول.
مشاركة :