ينطلق التطوع في المملكة العربية السعودية من تعاليم ديننا العظيم؛ الذي حث المسلمين على التطوع فيما بينهم بما يحقق مصالحهم المشروعة، يقول تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، كما بشّر سبحانه على من قام على ذلك بعظيم الأجر، يقول تعالى (لَّا خَيْرَ فِى كَثِيرٍۢ مِّن نَّجْوَىٰهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)، وفي الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم (كل سُلَامَى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة).إن مفهوم التطوع ينطلق من فلسفة تشجيع الأفراد على تقديم خدمات دون مقابل؛ سعيا لأهداف خيرة، وذلك من خلال تنظيمات تعاونية يضع فيها المتطوعون جهدهم في سبيل الآخرين بهدف تحسين ظروف الحياة المادية والمعنوية لمجتمعهم، فالعمل التطوعي من الأعمال المباركة التي تظهر آثارها الإيجابية على مستوى الأفراد والمجتمعات، حيث يحل الأمن والأمان والتراحم والاستقرار في مجالات الحياة المختلفة.يعبر العمل التطوعي عن إرادة وتصميم الأفراد في المجتمع عن رغبتهم بالنهوض والتقدم والأخذ بزمام المبادرة في مواجهة المشكلات، فالعمل التطوعي يعكس الكثير من الآثار الإيجابية سواء على المستوى النفسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، فعلى المستوى النفسي يحقق الرضا النفسي عن تقديم جزء من جهده أو وقته وأحيانا ماله في مقابل خدمة الآخرين فيكون مصدرا للراحة النفسية، كما يرفع العمل التطوعي مستوى الدافعية للعمل ويزيد من حماس المتطوع وخاصة عندما يرى آثارا إيجابية، ويهذب التطوع الشخصية ويرفع عنها عقلية الشح ويحولها إلى عقلية الوفرة.وعلى المستوى الاجتماعي فإن العمل التطوعي يزيد من قدرة الإنسان على التفاعل والتواصل مع الآخرين، وينمي الحس الاجتماعي لدى الفرد ويسهم في جعل المجتمع أكثر اطمئنانا وأكثر ثقة بأبنائه، ويؤدي إلى اكتساب الشباب شعور الانتماء لمجتمعهم ووطنهم وإلى تجسيد معنى التكاتف والتعاون ويحقق مبدأ الجسد الواحد.أما على المستوى الاقتصادي فإن العمل التطوعي يسهم في التخفيف من المشاكل التي يعاني منها المجتمع كالفقر والإعاقة والأمية والتلوث البيئي، ويسعى إلى تأمين المساعدات الإنسانية في المناطق ذات الحاجة، ويحقق مفهوم التنمية الشاملة، ويؤدي إلى التفاني في بذل العطاء دون مقابل مادي خدمة للمجتمع.وفي المملكة العربية السعودية نال العمل التطوعي -ولايزال- اهتماما كبيرا من قيادتنا الرشيدة على مسارات، فعلى المسار الرسمي كانت الركيزة الأولى للعمل التطوعي اللائحة المنظمة للجمعيات والمؤسسات الأهلية الخيرية التي صدرت بقرار مجلس الوزراء رقم (107) في25/ 06/ 1410هـ، ثم القواعد التنفيذية بالقرار رقم (760) في 30/1/1421هـ، والقرار الوزاري رقم (3806) في 1/6/1413هـ ليحدد النظام الأساسي الاسترشادي للجمعيات الأهلية والمؤسسات الخيرية، تلا ذلك صدور العديد من التعليمات والقواعد المحاسبية والنماذج المنظمة للعمل بالمؤسسات الخيرية، كما حدد المرسوم الملكي رقم (26) بتاريخ 25/6/1382هـ النظام الأساسي للجمعيات التعاونية التي تمثل الركيزة الثانية للعمل الأهلي التطوعي، وحدد القرار الوزاري رقم (74) بتاریخ 16/1/1993م نظام المساعدات الحكومية للجان التنمية الرئيسة والمحلية المتخصصة التي تمثل الركيزة الثالثة من ركائز العمل التطوعي وتطوير المشاركة الأهلية في المملكة. وتقوم فلسفة هذه اللجان على أساس إقناع المواطنين بحاجات مجتمعاتهم المحلية إلى النمو والتطوير، ومشاركتهم في بحث تلك الاحتياجات والمشكلات، وتخطيط برامج الإصلاح اللازمة، وتوالت القرارات المنظمة للعمل التطوعي المؤسسي إلى إنشاء واعتماد المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي الذي صدر بقرار مجلس الوزراء رقم (459) وتاريخ 11/8/1440 هجري، والذي يتمتع بالشخصية الاعتبارية، والاستقلال المالي والإداري، ويرتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء. أما على المسار المالي فإن مؤسسات العمل التطوعي تلقى دعما ماليا سخيا من القيادة الرشيدة حفظهم الله.إن العمل التطوعي من أهم الأهداف الرئيسية لرؤية المملكة 2030 التي أولاها سمو سيدي ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز حفظه الله، حيث أن العمل التطوعي يعد من أهم أهداف الرؤية الرئيسة، حيث تم تخصيص مجموعة من الأهداف في رؤية المملكة 2030 من أجل تطوير هذا القطاع التعاوني، حيث أعلنت الرؤية خمسة أهداف فيما يخص العمل التطوعي وهي: الوصول إلى مليون متطوع في عام 2030، توفير البيئة المناسبة لتنمية العمل التطوعي وتحفيز أكبر عدد من المتطوعين للاشتراك بها، الاهتمام باليوم العالمي للتطوع الذي يوافق 25 ديسمبر، والحرص على إحياء هذه الاحتفالية سنويا، الاهتمام بالمتطوعين، وفتح الآفاق أمامهم بحيث تكون مهامهم أقل جهدا وأكبر تأثيرا.أخيرا: لقد باتت المشاركة في العمل التطوعي -لما لها من دور فعال في التنمية المجتمعية- دليلاً ومعياراً لما يتمتع به المجتمع المعاصر من مدنية وتقدم ورقي في السلوك الحضاري لأفراده وفي السلوك الاجتماعي ككل، لقد أصبح العمل التطوعي قيمة لا غنى عنها لأي مجتمع، وظاهرة اجتماعية تفرض وجودها على الإنسان.وتعد المنصة الوطنية للعمل التطوعي التي أنشأتها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بالمملكة العربية السعودية خطوة مهمة في تنظيم العمل التطوعي وتطويره لما تتميز به من مميزات ومقومات سيكون لها تأثير كبير في تحقيق رؤية المملكة 2030 نحو مليون متطوع، فهي بمثابة بوابة وطنية ونموذج وطني مشرف راقي للاهتمام بالمتطوعين، فمن خلالها يستطيع كل فرد منّا اقتناص الفرصة التطوعية التي تناسبه ليشارك فيها من خلال ما تعرضه مؤسسات ومنظمات القطاع غير الربحي من فرص تطوعية بهذه المنصة الرائدة، لذا بادر بالتطوع قبل أن تغادر فهو الغنيمة الباردة.وقفة تأمل: قيل لبعض السلف: ما أعظم المصائب عندكم؟ فقال: أن تقدر على المعروف ولا تصطنعه حتى يفوت.
مشاركة :