ترفّع الرئيس الأميركي باراك أوباما عن الخوض في السباق الرئاسي الانتخابي الصاخب والمستغرب للجمهوريين في الآونة الأخيرة، إلا أنه غاص في خطاب حالة الاتحاد الأخير في متاهات الحملة الانتخابية، وشن رداً هجومياً على خطب المرشح الجمهوري دونالد ترامب وآخرين، ودافع بشراسة عن سياسته الخارجية. وصف بعض المرشحين، وترامب من ضمنهم، أوباما بأنه رئيس ضعيف، عاجز عن التعامل مع مسألة المتشددين، أو التهديدات الإرهابية الأخرى، إلا أن أوباما دافع عن سياسته الخارجية من دون أن يسمي منتقديه، وقال إنه اختار المسار الأكثر حكمةً بالتحرك العسكري المحدود ضد داعش، بدلاً من الغرق في مستنقع قد يجرّ إليه أعداداً كثيفة من قوات المشاة. وأشار أوباما أيضاً إلى أنه على الرغم مما يمثله تنظيم داعش من تهديد مباشر للولايات المتحدة، إلا أنه لا يهدد كيانها القومي، ولا بدّ من إعطاء هذا الخطر حجمه الحقيقي. لم يخل خطاب أوباما من لحظات مشحونة عاطفياً، حذّر فيها من تقديم المهاجرين المسلمين ككبش فداء، وأطلق نداءً صادقاً للتعاطف والتعامل بشكل حضاري معهم. وفي تغيير واضح لترامب وبقية المرشحين المطالبين بمنع إعطاء حق اللجوء للمسلمين تجنباً لاعتداءات إرهابية محتملة، قال أوباما: نحتاج لرفض السياسات التي تستهدف الناس لعرقهم أو دينهم. وفي حين تعرّض أوباما لنقاده الجمهوريين، لجأ إلى تلميع أو تفادي الحديث في موضوعات أساءت لفريق الأمن القومي خلال ولايته الثانية. وتمثل الحذف الواضح في إغفال أوباما التطرق لحرب افغانستان، التي تعد الحرب الأطول في تاريخ أميركا، وتناول كما كان متوقعاً مسألة توقيع الاتفاق النووي مع إيران، واستعادة العلاقات مع كوبا التي توجت المساعي الدبلوماسية الحثيثة متعددة الأطراف، حسب قوله. وكان من اللافت في خطاب أوباما أنه مرّ بشكل خاطف على الحرب في سوريا، متحدثاً عن المحاولات الأحدث لإطلاق مفاوضات السلام، وذلك من دون أن يتطرق إلى انتقادات الحلفاء وناشطي المعارضة، المطالبين بأن تدخل واشنطن على خط المواجهة المباشرة مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وجادل أوباما بأن الحملة العسكرية الجوية بقيادة أميركا ضد داعش كانت تضعف المقاتلين في العراق وسوريا، ورفض دعوات بعض الجمهوريين لتبني استراتيجية حربية أوسع تضم إرسال قوات المشاة. إلا أنه فشل في إطار ذكر المهمة السابقة في العراق بالإقرار بأن سياسته هناك أثمرت حرباً مفتوحة. وفي تناقض واضح مع خطابات حالة الاتحاد التقليدية السابقة، لم يقترح أوباما مجموعةً من المبادرات لعرضها على الكونغرس، ولم يحاول وضع أطر أولويات السياسة الخارجية لكل منطقة. وبهذا يكون قد تجنب الخوض في مسألة رفض واشنطن لتحرك روسيا في سوريا، أو أوكرانيا، أو التنديد بمطالب الصين التوسعية في بحر الصين الجنوبي. وعلى الرغم من إعراض أوباما عن الدخول في نقاش إخفاقات سياساته الخارجية، فقد قدم حكماً صريحاً على تقصيره كقائد سياسي، سيما لناحية تعميق الشقاق بين الجمهوريين والديمقراطيين، وزيادة مشاعر التعصب. تغريدات لم يسلم أوباما من ردّ خصومه، حيث غرّد دونالد ترامب عبر تويتر : خطاب حالة الاتحاد واحد من الخطب الأكثر مراوغة وبعداً عن الموضوعية التي سمعتها منذ مدة. وكتب المرشح الجمهوري تيد كروزمغردا: سئم الأميركيون من رئيس لا يعترف بالشرور ، ولا يفعل شيئاً لإيقافها.
مشاركة :