الكونفدرالية وقانون النفط والغاز في الصراع بين بغداد واربيل

  • 11/22/2022
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

الخلافات السياسيّة بين حكومة اقليم كردستان والحكومة المركزيّة تشتد وتنحسر تبعا لمصالح الطرفين وتحالفاتهما لتشكيل الحكومة ما بعد كل انتخابات برلمانية. وتشتد الخلافات وتظهر للعلن عند شعور الطرف الكردي بمحاولة حكومة المركز التنصّل من الاتفاقيات المبرمة بينهما والتي غالبا ما تكون سريّة ولا تعرف الجماهير عنها شيئا، خصوصا تلك المتعلّقة بالنفط والغاز والاراضي المتنازع عليها في ظلّ النظام الفدرالي القائم لليوم. واحيانا تكون ردّات الفعل السياسيّة كبيرة كتلك التي ادّت الى قيام حكومة الاقليم باستفتاء شعبي من اجل انفصال الاقليم عن العراق في الخامس والعشرين من ايلول/سبتمبر سنة 2017، تلك التي عارضتها بغداد ولتصدر المحكمة الاتحادية المركزيّة حينها قرارا ببطلان نتائجه اي الاستفتاء، فيما لم تُصدر السلطات في اربيل اي قرار بإلغاء نتائج الاستفتاء بل اكتفت بتجميده، معتبرة اياه وثيقة رسمية يمكنها العودة اليها في اي وقت. يبدو اليوم وكالعادة انّ هناك خلافات بين حكومة اربيل وحكومة بغداد حول جملة من الامور، منها ملفّ المناطق المتنازع عليها وملفّ النفط والغاز وملفّات اخرى غيرها تأتي بعدهما بالأهمية. وقد ظهرت بوادر هذه الخلافات للسطح من جديد بعد حلّ ازمة تشكيل الحكومة وانضمام الحزب الديموقراطي الكردستاني اليها، من خلال تحذير من السيّد عرفات كرم، مسؤول شؤون العراق في مقر الحزب الديموقراطي الكردستاني للاطار التنسيقي الشيعي، اذ قال كرم في تغريدة له على تويتر "اذا فشل الاطار في تصفير المشكلات بين بغداد واربيل، فالكونفدرالية Confederation هي الحل الانجع لإنهاء معاناة الشعوب العراقية"، فيما دعا رئيس الجمهورية العراقية عبداللطيف جمال رشيد الى "ضرورة حل الخلافات والقضايا العالقة بين اربيل وبغداد والعمل على تشريع قانون النفط والغاز بشكل يرضي الطرفين". يبدو من خلال التصريحين انّ الاطار التنسيقي الشيعي قدّم جملة تنازلات للحزب الديموقراطي الكردستاني من اجل انضمامه الى الاطراف التي شكلّت الحكومة العراقيّة بعد انسداد سياسي على مدار عام كامل، والتي وعلى ما يبدو ايضا انّ الطرف الشيعي وبعد ان ضمن تشكيل الوزارة عاد ليتنصل من وعوده ما اثار حفيظة الطرف الكردي. انّ اتفاقات اطراف المحاصصة وخلافاتها فيما بينهم لم تكن يوما في صالح الجماهير، والخلاف الحالي وهو ليس الاخير قطعا لا يخرج مطلقا عن تامين مصالح هذه القوى واستئثارها بالمال العام. امّا نكوص طرف عن التفاهمات المبرمة وتهديد طرف اخر باتخاذ اجراءات مضادّة، فانها لا تخرج هي الاخرى عن اصول اللعبة التي يلعبانها منذ وصولهما الى السلطة اثر الاحتلال الاميركي للبلاد ولليوم. فتهديدات الطرفين لبعضهما ليست الّا زوبعة في فنجان خبرها شعبنا بشكل واضح وجلي. لكنّ الذي يهمّنا من تصريحي المسؤولين الكرديين هما، الكونفدرالية التي يطالب بها الحزب الديموقراطي الكردستاني على لسان احد المقربّين جدا من السيد مسعود البارزاني كحلّ لعدم تصفير المشاكل بين المركز والاقليم، وتشريع قانون النفط والغاز الذي يطالب به الرئيس العراقي الجديد. لنبدأ بتصريح رئيس الجمهوريّة حول تشريع قانون النفط والغاز عن طريق دورهما في رفاهية الشعوب لنتعرّف عن اثر هاتين الثروتين في رفاهية شعبنا، قبل ان يُسّن قانون حولهما والذي سيكون وبلا شك في صالح النهب المنظّم لهذه الثروة لصالح النخب السياسيّة ولا علاقة له (اي القانون) في تغيير الواقع المعاشي لشعبنا الذي يعيش نسبة 22.5% منه اي ما يعادل ربع سكّانه اي 9 مليون عراقي تحت مستوى خطّ الفقر وفق تصريحات السيّدة ذكرى عبدالرحيم مديرة الرعاية الاجتماعية التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية في الواحد والثلاثين من شهر اب/اغسطس العام الجاري، لكنّ الارقام غير الرسميّة تشير الى نسب اعلى بكثير من الرقم الرسمي للحكومة العراقيّة. لا ندري ان كان السيّد رئيس الجمهورية يستطيع الربط بين دور واردات النفط واثره على الاقتصاد وحياة الناس في البلدان الغنيّة به، لكنني هنا اوّد التذكير من انّ النفط ومعه الغاز لم يكونا سببا في رخاء الشعوب التي تنام على بحيرات منه، عدا بلدان الخليج ذات العلاقات القبليّة والمناطقية والكثافة السكّانية القليلة والتي تعيش غالبية شعوبها في بحبوحة من العيش مقارنة مع مثيلاتها من البلدان النفطية. فمستوى الفقر في دول مثل فنزويلا واندونيسيا وايران والجزائر ونيجيريا وهي من البلدان المصدّرة للنفط لا تختلف كثيرا عن نسبته بالعراق. ليس من حقّ حكومة تنهب ثروات شعبها كحكومة العراق اليوم ان تسنّ قانونا على درجة عالية من الاهميّة كقانون النفط والغاز، كون سنّ هذا القانون سيكون بلا شك في صالح القوى التي تسنّه وليس في صالح شعبنا مطلقا. فالحكومة المركزيّة كانت تصدّر النفط رسميّا دون ان تضع عدّادات القياس وبما يُعرف بالذرعة، كما كانت الاحزاب والميليشيات الشيعية تسيطر على ارصفة تصدير النفط في الموانئ وتهرّبه بشكل غير شرعي لتجني ارباحا بمليارات الدولارات، ولم تكن سلطات الاقليم بعيدة عن هذا النهج وهي تبيع النفط لتركيا بأسعار بخسة ودون علم الحكومة المركزية وموافقتها، علاوة على تهريب كميّات كبيرة منه الى ايران عبر المنافذ الحدودية في منطقة السليمانية ليأخذ طريقه (اي النفط) الى باكستان وافغانستان والى الخارج عبر الموانئ الايرانية! فهل استفاد شعبنا بعربه وكرده وباقي مكوناته من الريع النفطي للعيش بكرامة طيلة ما يقارب العقدين الماضيين. ولا نظنّ انّ الوضع اليوم يختلف كثيرا عن سابقه، لذا فانّ تشريع القانون سيكرّس سرقة ونهب احزاب المحاصصّة للثروة النفطيّة بشكل "قانوني". امّا حول تحذير السيّد عرفات كرم من لجوء الاقليم الى الكونفدرالية عوضا عن الفدرالية في حالة عدم تصفير المشاكل بين المركز والاقليم من قبل الاطار التنسيقي الشيعي وفق قوله، فإننا هنا لا نود الخوض في معنى المصطلحين وتطبيقاتهما وقوانينهما من مصادر اجنبية، بل نعود الى دراسة للدكتور نوري الطالباني تحت عنوان "حول مفهوم النظام الفدرالي" اعدّها في لندن نهاية عام 1974 بعد عودة الاقتتال بين البعث والحركة الكردية بزعامة الراحل الملا مصطفى البارزاني، باعتماد الفدرالية كحلّ للمسالة القومية بالعراق بدلا عن الحكم الذاتي، لانّ الحكم الذاتي "لا يستجيب لاماني وطموحات شعب كردستان وانّ من الضروري الاستعانة بنظام دستوري اخر لا يكون بوسع السلطة في المركز تجريد مضمونه من محتواه بمجرد اصدار تشريع اخر مناقض له، فوجدت ذلك في النظام بمفهومه الواسع." (1) "وُيشترط لوجود النظام الفدرالي وجود اقليم Territorial محدّد، تعيش عليه جماعات بشرية. ويهدف هذا النظام الى ضمان الحريّة الكافية لهذه الجماعات او الاقوام التي تعيش ضمن دولة واحدة، مع العمل على تجنّب تفكّك هذه الأخيرة." (2). نتيجة فشل الحكومات العراقية المختلفة منذ تأسيس الدولة العراقية في حل المشاكل القوميّة بالبلاد، ومن ضمنها حكومة البعث التي اعترفت لاوّل مرّة في تاريخ العراق السياسي بحكم ذاتي لاقليم كردستان عدا كركوك (لا زالت لليوم مشكلة بحاجة الى جهود كبيرة وتنازلات من مختلف الاطراف لحلّها) والتي انتهت بانهيار التجربة واللجوء الى السلاح، ما كلّف الدولة العراقية والحركة التحرّرية الكردية الكثير من الخسائر. كان خيار الفدرالية خيارا مقبولا عند مختلف الاطراف بعد انهيار البعث والتغييرات الكبيرة التي طالت المجتمع والدولة، وكذلك دور القوى الدولية في سعيها لبناء شرق اوسط جديد. لكنّ الذي نلاحظه من تصريحات بعض القياديين الكرد وكردّ فعل على تصرفات حلفائهم من القيادات الشيعية، هو عدم الالتزام بالدستور الذي شاركوا سويّة في سنّه واقراره بخصوص المعنى الحقيقي للفدراليّة، التي تنصّ قانونيّا ودستوريا على احترام التراب الوطني والعمل على وحدة الاراضي ضمن دولة العراق، وتجنّب تفكيك الدولة وفق مفهوم الدكتور نوري الطالباني للفدراليّة. "لقد حاول الفقهاء تحديد الاسس القانونية للنظام الفدرالي، وظهرت في هذا السبيل نظريات عديدة يطلق عليها عادة اسم النظريات التقليدية الكلاسيكية. ولكي تحدّد هذه النظريّات مفهوم الدولة الفدرالية وتميّزها عن الدول الاخرى، قسّمت الانظمة القانونية للدول بوجه عام الى ثلاث انواع: الدولة الكونفدرالية والدولة الفدرالية والدولة المتحدة، وتتكوّن الدولة الكونفدرالية – حسب هذه النظريات – بموجب معاهدة او ميثاق يبرم بين دولتين او اكثر تتنازل كلّ منهما عن بعض اختصاصاتها لصالح هيئة عليا مشتركة". (3) كردستان العراق ليست دولة مستقلة ليتناول السيّد عرفات كرم مسالة الكونفدرالية في تهديده للتحالف الشيعي لتصفير او انهاء الخلافات والمشاكل بين الطرفين، وطرحه في انّ الكونفدرالية هي الحل الانجع لإنهاء معاناة الشعوب العراقيّة وفق تصريحه، تعني انّ من حق سكّان سهل نينوى من الكلدواشوريين والتركمان في مناطقهم وغيرهما من المكوّنات العراقيّة طلب التحالف مع العراق بشكل كونفدرالي! علما انّ التحالف الشيعي الموالي لإيران ومن خلال سياساته المعادية لمصالح شعبنا بعربه وكرده وباقي مكوّناته، يحلم في اتحاد كونفدرالي مع ايران، لرهن العراق وشعبه ومنهم الكرد عند دولة ولي الفقيه. الكونفدراليّة قانونيّا تتكوّن من اتحاد دولتين مستقلّتين او اكثر وكردستان العراق وغيرها من الاقاليم التي قد تظهر وفق الدستور العراقي مستقبلا، لا يحقّ لها تبنّي الكونفدرالية في علاقاتها مع بغداد، لكن من حقّها التمتع دستوريا في حقّها بالفدراليّة، وحقّها في الفدراليّة يعني انّه لا يجوز "لإحدى الدول الانسحاب من الدولة الفدرالية لتأسيس دولة مستقلة." (4) والفدراليّة والتي نراها في العديد من الدول، هي دولة واحدة تتكوّن من كيانين او اكثر لها نظامها القانوني وغيره من المؤسسات، الا انها تخضع لدستور فدرالي وهو الفيصل في حلّ مشاكل الطرفين او الاطراف المتنازعة، كما ولها دستوريّا وقانونيا رئيس دولة واحد وجيش واحد وعلم واحد وعملة واحدة وتمثيل دبلوماسي واحد، وهذا ما لا نراه في العلاقة بين بغداد واربيل. انّ الصراع على الامتيازات بين الطرفين لا يمنحهما الحق في التلاعب بمصير البلاد، وحكومة الاقليم كما حكومة المركز لم تقدّم شيئا للمواطن الكردي الفقير الذي يعاني كما العربي والتركماني والايزيدي والكلدواشوري من البطالة والفقر والعوز. النخب الحاكمة بالعراق تتحمل المسؤولية التاريخية عن هذا الانحطاط الذي تعيشه بلادنا، وهي غير مؤهلّة اطلاقا لمثل هذه المسؤولية. إشارات (1) حول مفهوم النظام الفدرالي للدكتور نوري الطالباني ص 5. (2) نفس المصدر ص 9. (3) نفس المصدر ص 11. (4) نفس المصدر ص 13.

مشاركة :