يتراجع النمو العالمي بسبب ارتفاع التضخم إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود، حسبما أعلنت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي اليوم، داعية إلى تشديد السياسات النقدية ومزيد من الدعم الحكومي "الموجه بدرجة أكبر". وبحسب "الفرنسية" يتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي نموا بنسبة 3.1 في المائة هذا العام، ما يوازي نصف تلك النسبة العام الماضي، على ما ذكرت المنظمة. ومن المرجح أن يستمر التراجع العام القادم مع انخفاض النمو العالمي إلى 2.2 في المائة قبل أن ينتعش قليلا إلى 2.7 في المائة عام 2024، وفق المنظمة ومقرها باريس. وفي ظل تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، "تراجع زخم النمو بينما التضخم ثابت في وقت تراجعت الثقة وازدادت الضبابية"، بحسب التوقعات الأخيرة للمنظمة. وقال ماتياس كورمان الأمين العام للمنظمة خلال مؤتمر صحافي إن "إنهاء الحرب وإحلال سلام عادل لأوكرانيا سيكونان الطريقة الأكثر تأثيراً لتحسين التوقعات الاقتصادية العالمية". وقال كبير خبراء الاقتصاد لدى المنظمة ألفارو سانتوس بيرييرا إن الاقتصاد العالمي "يرزح تحت وطأة أكبر أزمة طاقة منذ سبعينات القرن الماضي". وأضاف أن صدمة الطاقة تتسبب بارتفاع التضخم "إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود" وتؤثر على النمو الاقتصادي حول العالم. وكان التضخم يرتفع منذ قبل اندلاع النزاع نتيجة الاختناقات في سلاسل التوريد العالمية بعدما رفعت الدول تدابير الإغلاق المرتبطة بكوفيد. لكن منظمة التعاون والتنمية توقعت أن يصل التضخم إلى 8 في المائة في الفصل الرابع من هذا العام في دول مجموعة العشرين، ليتراجع إلى 5.5 في المئة في 2023 و2024. وقال كورمان إن الضغوط التضخمية تتراجع لكنه حض البنوك المركزية على المضي قدما في رفع أسعار الفائدة. - أولوية السياسات" وقال للصحافيين "نتوقع أن يتراجع التضخم تدريجيا مع بدء تطبيق سياسات نقدية أكثر صرامة وتراجع الضغوط على الطلب وأسعار الطاقة مع الوقت، وعودة أسعار النقل ومواعيد التسليم إلى طبيعتها بشكل مستمر". ومع ذلك، شدد على أنه لا يزال هناك احتمال أن "يصبح النشاط الاقتصادي أضعف إذا ارتفعت أسعار الطاقة أكثر أو إذا أثرت اضطرابات الطاقة في أسواق الغاز والكهرباء في أوروبا وآسيا". وشددت المنظمة على أن "أولويتها" تتمثل بمكافحة التضخم، في وقت يؤدي الارتفاع الكبير في الأسعار إلى تراجع القدرة الشرائية للسكان حول العالم. وقال سانتوس بيرييرا "السيناريو الرئيسلدينا ليس ركودا عالميا بل تباطؤ كبير في النمو بالنسبة لاقتصاد العالم في 2023، إضافة إلى تضخم مرتفع، وإن كان يتراجع، في العديد من الدول". وأوصت المنظمة بتشديد السياسات النقدية في البلدان، حيث بقيت الأسعار مرتفعة، وتقديم دعم موجه للعائلات والشركات لتجنب تفاقم الضغوط التضخمية، فيما تكاليف الطاقة "ستبقى على الأرجح مرتفعة ومتقلبة لبعض الوقت". و"في هذه الأوقات الصعبة وغير المؤكدة أصبح للسياسات دور حاسم مرة أخرى: زيادة تشديد السياسات النقدية أمر ضروري لمكافحة التضخم، ودعم السياسات المالية ينبغي أن يصبح موجها بدرجة أكبر ومؤقتا". ودعت المنظمة التي تضم 38 عضوا إلى تسريع الاستثمارات نحو تبني وتطوير مصادر وتكنولوجيا طاقة نظيفة، للمساهمة في تنويع الإمدادات. تعطلت إمدادات الغاز والنفط من المنتج الرئيسي روسيا في أعقاب غزوها لأوكرانيا. وفرض الحلفاء الغربيون عقوبات على صادراتها من الطاقة وخفضت روسيا بدورها الإمدادات في إطار الصراع. وتسببت الحرب في ارتفاع أسعار الطاقة بشكل كبير ووصول التضخم إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود في الاقتصادات الكبرى ما دفع البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة في محاولة لتهدئة الأسعار الجامحة. غير أن تشديد السياسات النقدية أثار مخاوف من إعاقة النمو الاقتصادي بينما يصبح الاقتراض أكثر تكلفة بالنسبة للشركات والأفراد. وحذرت منظمة التعاون والتنمية من أن النصف الشمالي من الكرة الأرضية يواجه شتاء "صعبا" رغم مساعي أوروبا لتجديد احتياطياتها من الغاز الطبيعي وكبح الطلب. وقال تقرير المنظمة إن ارتفاع أسعار الغاز أو تعطل الإمدادات من شأنه أن يؤدي إلى "تباطؤ النمو بشكل ملحوظ وتضخم أعلى" في العالم في العامين القادمين مشددا على أن تأمين الإمدادات وتنويعها أمر "ملح".
مشاركة :