مارس الاستقلاليون في أسكتلندا منذ فوزهم بأغلبية برلمانية في الانتخابات الفارطة ضغوطا على الحكومة المركزية في لندن لتنظيم استفتاء ثان بشأن تقرير المصير، وهو ما ترفضه حكومة المحافظين، إلا أن صداع أدنبرة لن ينتهي بمجرد رفض المحكمة العليا البريطانية للخطوة. لندن - قضت المحكمة العليا في بريطانيا الأربعاء بأن الحكومة الأسكتلندية لا تملك سلطة إجراء استفتاء جديد على الاستقلال من دون موافقة لندن، ما يجعل الاستقلاليين في أسكتلندا يواجهون تحدي تنفيذ وعدهم بتنظيم استفتاء جديد. وقال رئيس المحكمة العليا روبرت ريد إن القضاة خلصوا بالإجماع إلى أن مثل هذا التصويت ستكون له عواقب على وحدة المملكة المتحدة، وبالتالي يتطلب موافقة من السلطة المركزية في لندن. وعلى الإثر أعربت رئيسة وزراء أسكتلندا نيكولا ستيرجون عن "خيبة أملها" إزاء الحكم، لكنها أعلنت مع ذلك أنها تحترم قرار القضاء. وكتبت زعيمة الحزب القومي الأسكتلندي على تويتر "القانون الذي لا يسمح لأسكتلندا باختيار مستقبلنا من دون موافقة (برلمان المملكة المتحدة) يفضح الفكرة القائلة بأن المملكة المتحدة تمثل شراكة طوعية". وأضافت "يتعين علينا إيجاد، وسنجد، وسائل دستورية ديمقراطية وقانونية أخرى، تمكن الشعب الأسكتلندي من التعبير عن رغبته". واعتبر رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك في مجلس العموم القرار بأنه “واضح وحاسم”، مضيفا “حان الوقت للسياسيين للعمل سويا، وهذا ما ستقوم به هذه الحكومة”. نيكولا ستيرجون: علينا إيجاد وسائل قانونية أخرى للتعبير عن رغبتنا نيكولا ستيرجون: علينا إيجاد وسائل قانونية أخرى للتعبير عن رغبتنا وكان أليستر جاك، وزير الدولة لشؤون أسكتلندا، قد قال في بيان "إننا نأخذ علما بالحكم الصادر بالإجماع عن المحكمة العليا ونحترمه". وقال رئيس المحكمة العليا الأسكتلندي روبرت ريد إن سلطة الدعوة إلى استفتاء "مناطة" ببرلمان المملكة المتحدة، بموجب تشريع تفويض الصلاحيات لأسكتلندا. وأضاف "لا يملك البرلمان الأسكتلندي سلطة التشريع لإجراء استفتاء على الاستقلال الأسكتلندي". وأرادت حكومة إدنبرة إجراء تصويت في أكتوبر من العام المقبل على سؤال "هل ينبغي أن تكون أسكتلندا دولة مستقلة؟". لكن حكومة المملكة المتحدة التي تشرف على الشؤون الدستورية للبلد بأكمله، رفضت مرارا منح إدنبره سلطة إجراء استفتاء. وهي تعتبر أن آخر استفتاء أجري في عام 2014، عندما رفض 55 في المئة من الأسكتلنديين الاستقلال، حسم السؤال لجيل كامل. لكن ستيرجون وحزبها يقولان إن لديهما الآن “تفويضا لا جدال فيه” لاستفتاء آخر على الاستقلال، لاسيما في ضوء خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. وعارض معظم الناخبين في أسكتلندا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ولكن، ولأول مرة، فازت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في أسكتلندا أغلبية من النواب المؤيدين للاستقلال. وتشير استطلاعات الرأي إلى تقدم طفيف لمؤيدي الاستقلال. وأجرت أسكتلندا في يونيو عام 2014 استفتاء لتقرير المصير رعته بريطانيا، بيد أن الأسكتلنديين اختاروا البقاء داخل المملكة المتحدة بنسبة 55 في المئة، مقابل تأييد 45 في المئة فقط لمساعي الانفصال. لكن هذا التصويت كان قد أجري قبل أن تشرع بريطانيا في تنظيم استفتاء حول الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، والذي صوّت خلاله البريطانيون لصالح الخروج من التكتل الأوروبي بنسبة مئوية كانت أقل من 52 في المئة. وخلال هذا التصويت كانت نتائج أسكتلندا مغايرة لذلك، حيث رغب 62 في المئة من الأسكتلنديين في البقاء داخل الاتحاد الأوروبي، مقابل رفض 38 في المئة منهم وفضلوا خيار الانفصال عن التكتل الأكبر في القارة العجوز. فإذا استقلت أسكتلندا فهي ستدخل الاتحاد الأوروبي وتتخلى عن الجنيه الإسترليني، وستقيم حدودا أكثر صرامة مع بريطانيا للحفاظ على وحدة السوق الأوروبية الموحدة. ويرى متابعون أن أسكتلندا ستكون الخاسر الأكبر في صورة الانفصال، خاصة وأن إمكانية انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي تصطدم بمعوقات كثيرة. ويشير هؤلاء إلى عدد سكان أسكتلندا القليل ومواردها المحدودة، إضافة إلى أن بريطانيا هي السوق الأكبر للبضائع والعمالة الأسكتلندية، كما أن تأسيس دولة قوية بعملة جديدة يستغرق سنوات طويلة لن تكون بريطانيا فيها داعما لأسكتلندا. ◙ أسكتلندا ستكون الخاسر الأكبر في صورة الانفصال، خاصة وأن إمكانية انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي تصطدم بمعوقات كثيرة ولن تتنازل بريطانيا في حال الانفصال عن حصة مرضية من نفط الشمال، وسيكون ترسيم الحدود قاسيا ومؤثرا في حق الأسكتلنديين، ما يعيق انضمامهم إلى الاتحاد الأوروبي. وفي المحكمة العليا الشهر الماضي، قال محامو حكومة لندن إن الحكومة الأسكتلندية لا تستطيع أن تقرر بمفردها إجراء استفتاء. ويتعين إعطاء الإذن بذلك لأن التركيبة الدستورية للأمم الأربع للمملكة المتحدة، إنجلترا وأسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية، مسألة تعود إلى الحكومة المركزية في لندن. ويعتقد مراقبون أن مؤيدي الاستقلال في أسكتلندا سيبحثون عن سبل أخرى للانفصال عن المملكة المتحدة. ومن بين الخيارات المطروحة الذهاب إلى المحكمة لإلغاء شرط الحصول على إذن لإجراء الاستفتاء، بموجب القانون الخاص بأسكتلندا. وأما الخيار الآخر فيتمثل في إجراء الاستفتاء رغما عن الحكومة المركزية، وإعلان الانفصال من جانب واحد في حال التصويت لصالح الاستقلال. لكن الخيار الثاني قد يمهد الطريق لحدوث توتر مع الحكومة المركزية على غرار التوتر الذي حصل عقب إعلان إقليم كتالونيا الاستقلال من جانب واحد، كما يهدد بفقدان تأييد الاتحاد الأوروبي كما حصل مع إقليم كتالونيا.
مشاركة :