وسط أجواء مونديالية حماسية تشهدها قطر، دعت الدوحة إلى التركيز على كرة القدم والكف عن إصدار أحكام مسبقة لتحقيق أهداف أخرى في مواجهة حملة انتقادات غربية استهدفت الدولة الخليجية منذ فوزها باستضافة الحدث الكروي الأبرز في العالم. وقال نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني يوم أمس (الثلاثاء) "رسالتي للجميع، لوسائل الإعلام والرأي العام عموما، أن قطر ترحب بالجميع وأبوابها مفتوحة". ودعا الشيخ محمد إلى التركيز على كرة القدم وعلى الجماهير وعلى ما يحدث في أرض الملعب، والاستمتاع بكافة التحضيرات التي قامت بها دولة قطر، وقال "من أراد أن يطلق أحكاما مسبقة فقط لتحقيق أهداف أخرى سيكون لذلك أثر مؤقت ولكن في النهاية الحقيقة التي على الأرض هي التي تتحدث عن نفسها". ومنذ فوزها بحق تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم قبل أكثر من عشر سنوات، تعرضت قطر لحملة انتقادات شرسة، قال عنها أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إنها "حملة غير مسبوقة لم يتعرض لها أي بلد مضيف". --معايير مزدوجة .. خطاب مزدوج ولم يتوقف سيل الانتقادات الموجهة إلى قطر منذ حصولها على حق استضافة المونديال في العام 2010، وتنوعت وفق كل مرحلة، فقد وجهت اتهامات في البداية إلى مسؤولي الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بالفساد، والسماح لقطر بشراء حق استضافة كأس العالم، وهي اتهامات لم يتم إثباتها. وبعد أن خفت صوت الاتهامات بشأن شراء قطر لحق استضافة المونديال، ركزت منظمات غربية لحقوق الإنسان وما تزال تركز، على ما وصفته بالمعاملة السيئة للعمال الأجانب الذين شاركوا في بناء المنشآت الرياضية الضخمة التي تستضيف البطولة، بجانب سجل قطر في مجال حقوق المرأة، وكذلك حقوق المثليين جنسيا. وأحدث هذه الانتقادات كان من رأس الهرم الرياضي العالمي، الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم جوزيف بلاتر، الذي قال إن منح قطر حقوق استضافة مونديال 2022 كان "خاطئا"، وإن "الاختيار كان سيئا". وذكر بلاتر أن قطر "دولة صغيرة للغاية، كرة القدم وكأس العالم أكبر من أن تستضيفها" في تصريحات من وسائل الاعلام السيوسرية في الثامن من نوفمبر الحالي. وفي مواجهة الحملات التي تعرضت لها قطر والفيفا على خلفية تنظيم مونديال 2022، قال الرئيس الحالي للاتحاد الدولي للعبة جياني إنفانتينو خلال مؤتمر صحفي قبيل يوم من انطلاق البطولة "تلقينا في الآونة الأخيرة دروسا أخلاقية من منبر عال.. نحن نقبل بالنقد لكننا لا نرضخ للضغوط لأن هذا ليس منصفا في حقيقة الأمر". واعتبر أن الشعارات والدروس الأخلاقية التي روجت لها وسائل الإعلام والمسؤولون الغربيون تنم عن النفاق، مشيرا إلى أن ظروف العمال في دولة قطر أفضل من ظروف المهاجرين في أوروبا ومعايير حقوق العمال في قطر مشابهة لمعايير حقوق العمال في أوروبا. ومضى يقول "عندما أنظر إلى ما فعلناه نحن الأوروبيون خلال 3 آلاف عام مضت أرى أنه يجب علينا الاعتذار لمدة 3 آلاف سنة قادمة قبل أن نبدأ بتقديم دروس أخلاقية لبقية دول العالم". وقال الكاتب والباحث السياسي التونسي الجمعي قاسمي "أعتقد أن التصريحات التي أدلى بها رئيس الفيفا، هي اعتراف متأخر بأن الدول الغربية تُمارس خطابا يتسم بازدواجية المعايير والكيل بمكيالين في سياق تعاملها مع العديد من الدول الإفريقية والعربية والآسيوية منها الصين التي وجه إليها الغرب الكثير من الانتقادات الواهية أثناء استضافتها للألعاب الشتوية وبعض الدول". وأضاف أن "هذا الاعتراف المتأخر يُعد مع ذلك خطوة إيجابية نحو فضح وكشف حقيقة سياسات الدول الغربية التي كثيرا ما تمارس فيها التنمر والافتراء على بقية الدول التي لا تنسجم مع توجهاتها". وتابع قائلا "خلال السنوات الماضية رأينا الدول الغربية التي مارست الاستعمار العسكري المباشر، ونهبت ثروات العديد من الدول سواء في إفريقيا أو في عدد من الدول الآسيوية، تتبجح بديمقراطية مُزيفة، لا تتردد خلالها في التنمر على بقية الدول الأخرى والتدخل في شؤونها الداخلية كأنها وصية عليها، وذلك عبر إثارة قضايا هامشية لإرباك تمسكها بسيادتها الوطنية". ووصف الأستاذ في الجامعة المستنصرية في العراق الدكتور عادل البلداوي ظروف العمال في قطر بأنها ظروف جيدة قياسا بالدول الأخرى، وقال إن هذا الأمر شأن داخلي ولا يجوز التدخل في الشؤون الداخلية بأي حال من الأحوال. وأضاف: "يفترض من الغرب أن يغير نفسه أولا وأن يحترم حقوق الإنسان حتى يعطي درسا أخلاقيا يقتنع به الآخرون، أما أن ينتهك هو حقوق الإنسان ويعطي درسا أخلاقيا فهذا يتقاطع مع التاريخ تماما". --"إذا لم تشبهني وجب علي أن أجعلك فاشلا" تعرضت قطر لهجوم "ممنهج وبغيض" لم تتعرض له أي دولة أخرى استضافت المونديال، بحسب الإعلامي القطري حمد البوعينين. وقال البوعينين إن دولا أوروبية ووسائل إعلام غربية قادت حملات مشبوهة ضد استضافة قطر للمونديال عكست العنصرية التي ما تزال متجذرة في عقلية متوهمي التفوق ومدعي الدفاع عن حقوق الإنسان. بدوره، رأى الباحث القطري المختص في حوار الحضارات عبده حسن أن الحملات التي تشنها دول غربية على مونديال قطر تنم عن غرور واستعلاء وعنصرية ضد كل ما هو عربي وإسلامي، وهو يعكس حالة التردي الأخلاقي التي تعيشها دول غربية مهما حاولت إلباس هذه العنصرية لباسا أخلاقيا وإنسانيا. وافتتحت مساء الأحد بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر باحتفالية مبهرة التقت فيها ثقافة الشرق بالغرب وعرضت خلالها لوحات حملت رسائل من قطر إلى العالم. وعشية انطلاق المونديال، طالب رئيس الفيفا باحترام عادات الجميع، وبالسماح للمشاركين في البطولة بالتركيز على كرة القدم وللجماهير بالاستمتاع بهذا الحدث الذي لا يأتي إلا مرة كل أربع سنوات. واتفق المواطن الليبي عمر الشارف، والذي يعمل في مجال الأعمال الحرة، مع ما قاله رئيس الفيفا بشأن الغرب، وقال "أنا كمواطن ليبي وعربي أتفق تماما مع ما قاله جياني إنفانتينو لأننا بالفعل عانينا من جبروت وغطرسة الغرب لسنوات عدة مضت ولا زلنا نعاني حتى الآن". وتابع: "هجومهم الممنهج الذي يستهدف دولة قطر في هذا التوقيت بالذات واتهامها بالعنصرية وسوء المعاملة للعمالة ما هو إلا اعتراف واضح من الغرب بأنهم لا يريدون للدول العربية أن تنهض وتكون دول ناجحة ومتقدمة". وأضاف عمر (32 عاما) وهو من طرابلس: "نحن نعلم جيدا والعالم برمته يعلم ما فعلته السياسة الأمريكية والأوروبية تجاه العرب وتحديدا موطني ليبيا، بتدخلها في العام 2011 وتدميرها للبنية التحتية ومنذ ذلك التاريخ لم تهنأ ليييا وتركوها تتصارع مع الإرهاب الذي يتضح لنا بأنه صنيعة غربية". وأردف قائلا "لا ننسي أيضا ما يحدث من استغلال للمهاجرين العرب تجاه الأراضي الأوروبية واستخدامهم كموارد بشرية بأرخص الأثمان". وقال الكاتب الكويتي فواز البحر إن المعايير المزدوجة التي يستخدمها الإعلام الغربي أو الناشطون الغربيون تجاه قطر أو بعض الدول العربية، معايير لا قيمة لها. وتابع: "إنهم يملون علينا ثقافتهم وعاداتهم وهم يعتقدون أنهم أصحاب السمو بالأخلاق والفكر وهذا شيء مزعج جدا.. قطر نجحت والدول العربية نجحت". واستطرد "إنهم يريدون التشويه.. لا يريدون أن يروا دولا عربية شرقية استطاعت أن تنجح هذا النجاح.. هم يريدون النجاح لهم فقط"، مضيفا "ان أردت أن تنجح يجب أن تكون تشبهني، ان لم تشبهني وجب علي أن أجعلك فاشلا". --"دولة صغيرة قادرة على استضافة أحداث عالمية" أدت حملة الانتقادات الغربية إلى ردة فعل سواء على المستوى الدبلوماسي من قبل قطر، ودول مجلس التعاون الخليجي، أو على مستوى الجمهور العربي، خاصة في منطقة الخليج. وعلى الجانب الشعبي، تصدر هاشتاج #أناعربيوأدعم_قطر، موقع التواصل الاجتماعي ((تويتر)) في معظم الدول العربية، في إظهار للدعم لقطر في تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم، فيما قال الداعمون إن ما يحدث هو حملات تشويه تقودها منظمات غربية. وفي 20 سبتمبر الماضي، تعهد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن بلاده سترحب بجميع المشجعين في كأس العالم. وقال الشيخ تميم إن الشعب القطري "سيفتح ذراعيه لاستقبال محبي كرة القدم على اختلاف مشاربهم" خلال بطولة كأس العالم التي تستضيفها بلاده، مشيرا إلى أن البطولة ستمثل فرصة للتعارف بين الشعوب، والاحتفاء بإنسانيتنا المشتركة. واعتبر أن العالم سيرى إحدى الدول الصغيرة والمتوسطة "قادرة على استضافة أحداث عالمية بنجاح استثنائي، كما أنها قادرة على أن تقدم فضاء مريحًا للتنوع والتفاعل البنّاء بين الشعوب". وقالت ميس ابراهيم، وهي مشجعة كروية من الضفة الغربية "لأول مرة دولة عربية مثل قطر تستضيف كأس العالم، هذا فخر لكل العرب". وتابعت: "نحن فخورون بالإنجازات والتجهيزات والملاعب والأمن والأمان وبالسلام الموجود على هذه الأرض ... ونأمل أن تثبت قطر أنها قدر التحدي وهي بدأت بداية عظيمة". وقال الأستاذ في الجامعة المستنصرية في العراق الدكتور عادل البلداوي إن "الجماهير تفاعلت شرقا وغربا طولا وعرضا مع هذا الحدث المهم، وهو ليس حدثا رياضيا فحسب لكنه يمثل أيضا حدثا ثقافيا وحضاريا واقتصاديا". وتوقع حيدر البحراني، والذي يعمل مهندسا في العراق، أن تغير استضافة المونديال نمطية التفكير باتجاه منطقة الشرق الأوسط، وقال "نحن شعوب تحب السلام وتتعايش مع الآخرين، ومن خلال المونديال ننقل صورة طيبة وحقيقية بأننا مثل شعوب العالم نريد أن نعيش ونتعايش مع الآخرين". وتقام بطولة كأس العالم لكرة القدم في الفترة بين 20 نوفمبر الجاري و18 ديسمبر المقبل، وسط توقعات بأن يستقبل البلد الخليجي قرابة 1.5 مليون مشجع من جميع أنحاء العالم.
مشاركة :