الروائية العراقية ميسلون فاخر للثقافي: أهتم كثيرا بالبعد النفسي لشخصياتي تفاجئنا ميسلون فاخر، في كل عمل جديد لها بتطور ملموس في قدراتها وتقنيات الكتابة لديها كما تشير إلى ذلك عدة مقاربات نقدية واكبت أعمالها سبرا واحتفاء بأسلوبها، ولغتها، وزاوية نظرتها في التعامل مع الشخصيات، وابتكارها كأفكار جديدة، داخل رواياتها، صدرت روايتها الأولى «رائحة الكافور» 2019 عن دار سطور في بغداد، لتعقب ذلك بعام واحد فقط، روايتها الثانية «صلصال امرأتين» 2020 عن نفس الدار، غير أن ما لفت انتباه القارئ والناقد لأعمالها هو أن تجربة واثقة في السرد الروائي، قد فاجأت الجميع، في فترة وجيزة لتحفر لنفسها بصمة حضور في السردية العراقية، كما أن تتبع سمات وعناصر السرد، وحيث روايتها الأخيرة «كلب أسود» 2022، تدفع باتجاه مشروعها الكتابي الذي تضع بصماتها من خلاله بكل ثقة واقتدار، وإرادة حرة في الكتابة المنعتقة عن نمطية الحرب. رغم وجودها كموضوع أساسي في متن رواياتها. وإذا كان امتياز تداخل الشخصيتين × 1«كاميل كلوديل» في روايتها «صلصال امرأتين» واشتباك مصائرهما قد أفضى إلى عزلة يشيع فيها الفعل الجائر بقدر ما يشتركا كلاهما في ظروف عيشهما رغم تباعد السياق التاريخي بين كلتا الشخصيتين. فإنها في روايتها الأخيرة، تنطلق من (سؤال السرد وتشظيات الهوية والاغتراب،) هنا وحول رؤى وأفكار ومفاهيم تطرحها تجربة فاخر في علاقتها بالكتابة الروائية والرؤية المتشبعة بتأثير وأثر الخبرة السينمائية والبصرية لفن الوثائقيات»، كان للثقافي من (أخبار الخليج) الحوار التالي: { أصدرت باكورتك «رائحة الكافور» تلتها «صلصال امرأتين» مرورا بروايتك الأخيرة «كلب أسود»، ثلاث روايات، وحضور زاهد لا ينتقص من تجربتك، بقدر ما يميز نوعيتها وجدتها،؟ - رغم كوني جئت إلى عالم السرد متأخرة لكن ذلك الإحساس لم يورطني بأن أكون مفرطة بالإنتاج وبقيت أراوح كثيرا في جادة التريث. { عرف عنك تقشفك عن الحضور اللامع، وهو مسعى يشي بتواضع الكبار، في حين يؤشر إلى تجربة حقيقية وأصيلة، لا تلهث وراء الضوء، رغم كونها تصنع نجومه إذا ما نظر إلى طبيعة عملك ووظيفتك كإعلامية بخيال وفكر نقدي وذائقة مؤلف ومحكم وثائقي فارق الحضور والتأثير؟ -هو ليس تقشفا بل هو التأني أحيانا في اختيار لحظة معينة، الظهور الإعلامي لا ينقص أبدا من الإبداع والتعامل مع الأضواء هي خيارات، بالنسبة إلي لا تهمني، ولكني لا أرفضها، لأنها جزء من عالمي وربما أحسن التعامل معها، وهي عالم جميل بلا شك، وأحيانا تلمع من لا يستحق البريق { ماذا عن طموح الكتابة لديك، هل هي رغبة، أم فعل حرية؟ - الكتابة هي عالم فسيح من الخيال والحرية أمرح به مثل غزال بلا قيود ولا أقنعة، منحتني الكتابة قدرة على التحليق في فضاءات بعيدة لم أكن أدرك كنه جمالها لولم أكن وجدتني عالقة في عالم السرد أمارس حريتي مثلما أشاء. { إلى أي مدى يمكن تعيين خارطة أو خطاطة لإبداعاتك إن جاز التحديد، ما مساحة الحلم والشغف الذي يدفع ميسلون فاخر بوثوق أكبر إلى كتابة رواية جديدة متجاوزة عن التي سبقتها من نواحٍ أسلوبية عدة؟ -لدي حلم ألاحقه ويلاحقني أحيانا أما شغفي باكتشاف عوالم فضية من خلال سرد شخصياتي بمعالجات مختلفة والبحث عن زوايا معتمة وبعيدة في أعماقنا هو الآخر الذي ما انفك من مطاردتي. { وأنت تصورين في روايتك الأخيرة مشاق ومعاناة الشخصية محور الحكاية، هل يمثل القارئ خيارا فنيا لديك عبر إشراكه في إنتاج دلالات تلق موازية لتفسير العمل بصورة غير مباشرة،؟ - الكتابة التي تهتم كثيرا بمزاج المتلقي لا تأتي نتاجا غضا حقيقيا بل تتحول إلى كيان باهت مهادن غير ناصع ولكن حين يكون المتلقي حاضرا في صناعة دلالات تفسيرية للعمل تصبح الأمور تحت مظلة الاتفاقات المخفية. { ثمة لحظات توقع أو احتمالية مصائر وأحداث، قد لا تفصح عن نهايتها بسهولة، هل يعني ذلك أننا بإزاء رواية غامضة في وضوحها أيضا؟ - الغموض فعل سحري بكل مناحي الإبداع، لان المباشرة تنتهك جمال أي عمل يبحث عن الدهشة لذا تحتاج أحيانا الكتابة هذا النوع من التمرد. { اعتاد بعض الروائيين والكاتبات في حقول السرد، على تأطير أعمالهم بتيمات معينة، ما الموضوع الأكثر تأثيرا والذي يحقق برأيك أسلوب «التفضيل الجمالي للرواية»عن سواه؟ - أهتم كثيرا بالبعد النفسي لشخصياتي وأراني ألف كثيرا حول ساقية الوجع الإنساني وأهتم كثيرا بالاضطراب النفسي الذي يعاني منه الإنسان وهو يتألم وحيدا منفيا حتى من نفسه. { تحدث في أحايين أمور في الكتابة كثيرا ما تضع الكاتب/ة، أمام معضلات اللغة والأسلوب عند بناء وتقديم الشخصيات. - الكتابة عمل لا يخلو من التحديات في أموره المفصلية ألا وهي اللغة عماد السرد والأسلوب، وحين تتراجع واحدة على حساب الأخرى يتهاوى ذلك الصرح الذي يتعكز كثيرا على اللغة ويتنفس عبير الأسلوب. { كيف تنظرين إلى طبيعة وطقس الكتاب أنفسهم، هل مصادر الكاتب ثقافية أو معرفية كانت، من توجه نظرتهم في الكتابة أم عوامل أخرى؟ - التراكم المعرفي والدربة على الكتابة والموهبة تلك البوصلة التي لا تنفك توجه سفينة العمل لذا نرى كل ذلك الكم الكبير من الكتابات الناجحة تأتي من ذلك الهرم الذي أنجز للإنسانية مفازات رائعة منذ أن عرفنا الرواية الأوروبية قبل مئتي عام، { ترك قارئ العمل أمام تأويلات ما، ربما غذى طبيعة القراءة كسفر ونزهة ممتعة، بحثا عن خيوط توصل إلى مبررات وعي خاص ومتعدد في التلقي، ومضمراته،؟ - هي البحث عن شراكة بين الكاتب والمتلقي الشغوف بالبحث عن صور مرسومة بعناية لجعل الطرفين متورطين بتلك اللوحة التي لن تتماهى بعيدا عن تفاصيل تلاعبهم العاطفي بالمشهد، وهذا سر نجاح أعمال كبار الكتاب. { تندمج رؤاك ومشاغلك اليومية ربما حد التماهي بتأثيرات بصرية من نوع أولويات تقييم عينك ونظرتك إلى صناعة الفيلم الوثائقي، والتسجيلي، ما حجم انعكاس ذلك على تجربتك الروائية؟ - عالم الوثائق هو من أغدق علي بغزارة كل تلك الصور التي لا تنفك تلاحقني، الفيلم يختصر أزمنة في البحث والقراءات ويشعرك وأنت تلاحق رسالة صاحب ذلك المنتج بسعادة غامرة لما تحصلت عليه من متعة ومعرفة وسحر في طبيعة المعالجة، الصورة البصرية أعقد بتخيلها على أرض الواقع ولكنها تصل أسرع لأنها مرسومة بعناية على لوحة ملموسة لتتلقاها العين ويعالجها العقل. { متى برأيك يفقد السرد حضوره وبريقه، وهل السير حتى نقطة اللانهاية تترك تساؤلات ما،؟ - حين تفقد شغفك بالبحث عن شخصيات تشبه وجعك ووجع الآلاف من البشر ، حين تتوقف عن البكاء ،حين ترى قطا يتوسل لك من الجوع ، أو طفلا مذعورا يرتعب من عالمه، في تلك اللحظة التي تصبح عاجزا عن ذرف دمعة لذلك الألم مؤكدا سيفقد السرد حضوره وبريقه لأنه يفقد إنسانيته. { ما موقع القارئ لديك، هل يأتي مبرره تاليا لعملية الكتابة أم أثنائها؟ - القاري لدي ليس شريكا في باكورات الكتابة لكنه شريكا فعليا بالعمل بعد إنجازه ولا يحق للكاتب مصادرة وجود تلك المسطرة التي تقيس النواحي الجمالية بكل حرية وكيفما تشاء، القاري له الحق بالعبث بما تكتبه وربما تدمير ما يراه غير مناسب لذائقته. { لعلك قد جهدت كثيرا في الوصول إلى تأثير عبارتك الملمومة سرديا، في مستهل أعمالك، سواء عبر تكثيف اللغة كأداة حضور الراوي/ة، أو من خلال تركيز أحداث وخطاب الحكي،؟ - نعم ليس سهلا أن تصل مرحلة التأثير مالم تكن جملتك السردية حادة وباشطة وتحفر في عمق النفس البشرية الأفكار ومعالجاتها تجعل من العمل قطعة من الماس، اللغة الساحرة تشذب حوافه المسننة، وهناك مساهمات تجعل من العمل الأدبي قطعة حلوى حين تغرقه بكم كبير من المشاعر الإنسانية وضخ للوعي الإنساني. { حظيت روايتك الثالثة بدراسات عدة، بعضها رؤى عميقة لنقاد عرب من العراق وبلدان عربية أخرى، ما مؤشر هذا الاحتفاء، وهل استطاعت مقاربات كتلك سبر جوانب كاشفة في أعمالك لم تتنبه إليها؟ - الرواية الثالثة كانت الأوفر حظا إعلاميا، لأنها بدت علامات نضج تجربتي واضحة وأصبحت قادرة على المسك بخيوط لعبة الكتابة، وأصبحت شخصياتي ذات ملامح إنسانية يمكن تحسسها والبت في انفعالاتها وكانت تتحرك على مسرح الحياة بجرأة وعمق واضحين، كنت أتلمس الوجه وأشعر بالانفعالات وهذا بدوره انتقلت عدواه إلى المتلقي. { ما الأشياء التي تمثل لك أولوية للخروج برواية أقل ما توصف أنها ناجحة، لأن شخصية المؤلف/ة، مثلا استطاعت، عزل نفسها، عن طبيعة الاستبداد، لتتوارى في ثنايا العمل، وإن بأقنعة شتى؟ - كما ألمحت سابقا، لا يكتسب العمل الروائي شخصيته المحايدة إلا من خلال انحجاب أقنعة المؤلف، وتلاشي كل ما قد يوقعها في السير المحض، لأن اعتبار الكتابة الروائية خيارا حرا لا يجاوز كما أرى حدود عرض قضايا ووجهات نظر شخصياته، وسبر غور سلوكياتها وحركتها في صلب الأحداث والأمكنة وزمن السرد، بعيدا عن التدخل الشخصي المقحم للكاتبة أو المؤلف بالطبع، فلا يتأتى النجاح في ثنايا أي عمل دون أن يكون عملا كاشفا بسمات عناصره المختلفة، وضمنها المدلول الفني، فإما أن يتوافر العمل على بذرة ما يؤهله لحضوره الفني بقوة، وفي تعيين طبيعة واستقلالية الشخصية أو الراوي، أو يكتب له التعثر والإبانة عن كسل الذهن وتقعر الرؤية لدى كاتبه، وهو ما قد يشي بالفشل وتخبط السرد وانعدام الأسلوب.! { متى برأيك يتعين أسلوب الكاتب/ة، هل في تلقي الرواية، أم عندما تتوقف دهشة القارئ في اشتباكه بأحداث ومصائر العمل المقروء، ليكاد ينقطع معها نفسه في خط سير بلا توقف؟ - قيل عن الأسلوب إنه الشخص، وأضيف أنه رؤية وهندسة الكاتب ومؤلف الرواية، من زاوية عدة، حين يمسك بزمام التغاير في الكتابة، وينشد الاختلاف كبصمة تشذ عن أساليب كثيرين في مشابهاتها، من هنا يستطيع الروائي والروائية أسر القارئ في الجانب الآخر من افتراض التفاعل والإسقاطات في احتمالية القصد والفهم لتفسيرات العمل السردي ومضامينه وأحداثه، في الرواية، بتضفيراتها المختلفة، والمتشابكة حتى سؤال النهاية. { في جل رواياتك الثلاث الصادرة حتى الآن يتبلور حال من إعادة إنتاج سؤال الهوية روائيا وفنيا، وبشكل غير نمطي، هذه المرة إن جاز التعبير كما في روايتك الأخيرة؟ - سؤال جميل،، بالفعل فما يتشكل في الفضاء السردي أجده يمثل ما أسميه : سؤال الهوية روائيا، وكما تعلم فإن خيار الاغتراب والهجرات والبعد عن الأوطان يمثل حالا من التشظي في رؤيا الكاتب والكتابة، ما يؤسس لأوطان بديلة في أرض الحنين والبناء الأمثل، رغم تراجيديا المسافة بين واقع والخيالات كحالة سيالة في أرض الكتابة الشسيعة الأبعاد والجهات. وتحكي الشخصية ذلك بوضوح لغة كثيفة بين إقامة وتنقل، ونزوح أو شتات يتعدد في الأمكنة، في حين ينفتح زمن السرد على هويات متعددة هي الأخرى. { فعل الكتابة لديك في نفس الرواية، يبدو أشبه بمقاومة البطلة لـ «كلبها»، وفي رحلة وصفت بهروب «جمان» من بغداد» إلى استكهولم عاصمة السويد؟ هل يمكن اختزال جوهر الحكاية، إلى عبارة أو استهلال روائي، أم أن المعنى ذاته يتمدد ليستطيل في خطاب الشخصية ليضخ حياة في مسام العمل ؟ - الشخصية في الرواية دائما تقول طموحاتها وأوجاعها، إلى أين تريد أن تصل، وما الإشارات التي تتغيأ في ذلك، في شطح مكين من الشواهد والمواقف التي تأخذها حد الألم، إلى أحلام الضفاف وسهوب الأوطان القتيلة، وحيث قد لا تصل الأمنيات حوافها الندية والمعشبة أحايين كثيرة. { شاعر وصحفي من اليمن
مشاركة :