كل عام وأنتم بخير.. مثلما أرادت الفضائيات - وفعلت - أن تحول أمسيات رمضان إلى وقت مثالي لعرض المزيد من المسلسلات، أرادت الأسواق هي الأخرى أن تحيل هذا الشهر إلى موسم لجني أكبر قدر من الأرباح، وهنا لا أظن أن أي مقياس ينفع لقراءة الفارق في ارتفاع الأسعار للمواد التموينية تحديدا أفضل من مقياس ريختر، لأن مؤشر الارتفاع يتحرك بآلية زلزالية لا تستند إلى أي مبرر سوى دخول هذا الشهر الكريم . إذ يكفي الإعلان عن رؤية هلال رمضان لتتضاعف الفاتورة، بصرف النظر عن أي متغير آخر. فروع وارة التجارة وإمارات المناطق ومنذ سنوات وضعت بعض البرامج والخطط لمتابعة وملاحقة هذه الظاهرة غير المبررة حتى الآن على الأقل، غير أن تلك البرامج لم يكن لها أي أثر واضح، لا من حيث ترويض هذا المارد السعري، ولا من حيث العثور على مبرر موضوعي له، ما جعل الأمر يتوقف عند هذه النقطة الإجرائية التي كان من المفترض أن تقود إلى خطوات أخرى تعالج الوضع بما يكفل حقوق الطرفين التاجر والمستهلك. وما يهمني في هذه المشكلة المزمنة هو وضع تلك الفئات الاجتماعية من ذوي الدخول المتدنية التي لا تستطيع مواجهة هذه الأعباء الإضافية والاستثنائية والتي صارت رديفا لرمضان، شهر البركات، وشهر الخير والإحسان، لأنها أصبحت بمثابة ضربة تحت الحزام لهذه المعاني السامية التي ارتبطت بهذا الشهر الكريم، وهذا مصدر الخطورة، بمعنى أن المسألة لم تعد ترتبط فقط بقضايا العرض والطلب واستثمار الفرص التجارية، وإنما تجاوزتها لتصيب ربما دون قصد المعاني الإيمانية لكرامة هذا الشهر، وموقعه في نفوس المؤمنين تجارا ومستهلكين، وهذا ما يُرتّب أو يجب أن يُرتّب المزيد من الخطوات والإجراءات الجادة التي تعيد الأمر إلى نصابه، طالما أنه ليس هنالك أي مبرر تجاري يمنح هذه الأرقام المتصاعدة في الأسعار مشروعية الحضور. وهو ما يستدعي أيضا إعادة قراءة واقع الأسواق، ومفهومها للتجارة الحرة، والعروض الخاصة وسواها، ما يؤثر ويساهم في افتعال هذه الظاهرة الرمضانية. غير أن هذا الكلام لا يلغي ولا يقلل من قيمة ما تقوم به وزارة التجارة من حملات لتصحيح أوضاع الأسواق، مثل حملة (خذ الباقي) والتي اقتضت إلزام كافة المتاجر بتوفير العملة المعدنية، وحملة تدوين الأسعار على السلع وغيرها، والتي قد تشكل مدخلا جيدا لمعالجة سلبيات السوق التجاري وضبط إيقاعاته وفق القواعد النظامية، لتحمي طرفي المعادلة على حد سواء دون ضرر ولا ضرار..
مشاركة :