تشير برامج التنافس الفضائي بين الولايات المتحدة والصين إلى أن الفضاء سيكون ميدانا للمواجهة التقنية أيضا على الجبهة العسكرية. ويأتي هذا التنافس في الوقت الذي تواكب فيه الصين بسرعة ما حققته الولايات المتحدة من إنجازات مدنية وعسكرية في الفضاء وتحقق إنجازات جديدة خاصة بها. سيدني - قالت نينا أرماجنو، رئيسة هيئة أركان القوة الفضائية الأميركية، الاثنين إن التقدم السريع في القدرات العسكرية الصينية يشكل مخاطر متزايدة على التفوق الأميركي في الفضاء الخارجي، فيما يشبّه محللون السباق بين بكين وواشنطن نحو عسكرة الفضاء بالحرب الباردة. وأضافت نينا أرماجنو أن بكين أحرزت تقدما كبيرا في تطوير تكنولوجيا الفضاء العسكرية، ويشمل ذلك مجالات مثل الاتصالات عبر الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية التي يمكن إعادة استخدامها والتي تسمح للدول بتوسيع نطاق برامجها الفضائية بسرعة. وتابعت في فعالية بسيدني نظمها معهد السياسة الإستراتيجية الأسترالي البحثي الذي تموله جزئيا الحكومتان الأميركية والأسترالية “أعتقد أن من الممكن تماما أن يتمكنوا (الصينيون) من اللحاق بنا والتفوق علينا”، مشيرة إلى أن “التقدم الذي أحرزوه كان مذهلا وسريعا”. نينا أرماجنو: قدرات الصين تشكل خطرا على التفوق الأميركي في الفضاء نينا أرماجنو: قدرات الصين تشكل خطرا على التفوق الأميركي في الفضاء وأحرزت بكين تقدما كبيرا في سباق الفضاء خلال السنوات الأخيرة، وهو ما أثار قلق واشنطن ودول غربية أخرى على الرغم من تراجعها تاريخيا في سباق الفضاء الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وروسيا. وشبه يي بيغيان، رئيس البرنامج الصيني لاستكشاف القمر، المريخ والقمر بالجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي التي تطالب بكين بالسيادة عليها. ويأتي ذلك بعد أن قالت وكالة الفضاء الصينية للرحلات المأهولة إن “الصين ستطلق مركبة الفضاء ‘شنتشو – 15’ إلى محطتها الفضائية”، ضمن آخر مهمة في خطة الصين لاستكمال محطتها الفضائية المدارية المأهولة. وذكرت الوكالة في مؤتمر صحفي أن “المركبة تحمل 3 رواد فضاء”، وأنه “سيتم تسليم المحطة الفضائية لهم في غضون أسبوع من قبل رواد الفضاء الثلاثة الذين وصلوا إلى هناك في أوائل يونيو الماضي”. وسيكون اكتمال محطة الفضاء الصينية، المصممة لتبقى تعمل مدة 10 سنوات على الأقل، إنجازا مهما في طموحات الصين وسعيها إلى ضمان موطئ قدم في مدار قريب من الأرض، وذلك في الوقت الذي يُحتمل أن تتوقف فيه محطة الفضاء الدولية المتقادمة التابعة لإدارة الطيران والفضاء. والأحد أرسلت الصين إلى الفضاء قمرا صناعيا جديدا من طراز “ياوقان – 36″، ويتمتع بميزة الاستشعار عن بعد. وتحولت أنظار كبار صانعي الإستراتيجيات في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة نحو برامج الفضاء التي تطلقها الصين، والتي يقود الجيش جهودها، حيث أطلقت 39 صاروخا العام الماضي، مقارنة بـ31 صاروخا أطلقته الولايات المتحدة، و20 من روسيا وثمانية فقط أطلقتها أوروبا. واستهلت الصين عام 2022 بإرسال مسبار إلى الجانب المظلم من القمر للمرة الأولى في تاريخ الفضاء، وتخطط لبناء محطة مدارية خلال العقد المقبل. وتنفق الصين حاليا على برامجها الفضائية المدنية والعسكرية أكثر مما تنفقه روسيا واليابان، وقدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الميزانية التي خصصتها الصين لهذا المجال عام 2017 بنحو 8.4 مليار دولار، ويعد هذا الرقم أقل بكثير من الـ48 مليار دولار التي تنفقها الولايات المتحدة على برامجها المرتبطة بالفضاء، سواء كانت برامج مدنية أو عسكرية، لكنه يتجاوز ضعف ميزانية روسيا المخصصة للفضاء في المجال المدني والتي تم خفضها إلى 3 مليارات دولار. التفوق الصيني في الفضاء أصبح واضحا، وصارت بكين تسبق بخطوة الولايات المتحدة في السباق إلى الفضاء وبعد تأخرهم لعقود في هذا المجال استنسخ قادة الصين بشكل منهجي للغاية مراحل التطور الفضائي الذي حققته دول عظمى أخرى، وتمثل ذلك في إرسال أول قمر صناعي عام 1970 وأول مهمة مأهولة إلى الفضاء عام 2003، وأول مركبة فضائية مأهولة تلتحم مع معمل مداري عام 2012، إلى جانب تشغيل نظام “بايدو” للملاحة بالأقمار الصناعية والذي يعد النظير الصيني لنظام “جي بي أس”. وقد أصبحت القوّة الجوفضائية اليوم ضرورية لأي جيش حديث، فالذخائر الدقيقة الفتاكة للجيش الأميركي تعتمد على اتصالات الأقمار الصناعية الفورية لضرب أهدافها، وبالتالي أي شيء يهدد قدرات الولايات المتحدة الجوية أو المدار حول الأرض أصبح يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي. لذلك فإن الخوف الأميركي من الصين نابع من خطط بكين القمرية، وبالرغم من تأكيد الصين على الطبيعة السلمية والعلمية الكاملة لبرامجها الفضائية ظلت واشنطن تعتقد في إمكانية عسكرة الوجود القمري الصيني، ربما دون أن يتم اكتشافه بسهولة ما لم تمتلك الولايات المتحدة قوة فضائية مماثلة. ولا تشكل الصين حاليا أي تهديد لسوق إطلاق الأقمار الصناعية التجارية، والذي لا تزال تهيمن عليه شركات من بينها “سبيس إكس” الأميركية و”أريان سبيس” الأوروبية – الروسية، وإلى حد الآن لم يطغ تقدم الصين في مجال استكشاف الفضاء على الولايات المتحدة. وتنقسم الغاية من هذه المنافسة إلى غايتين فرعيتين؛ الأولى هي غاية على المدى القريب، وتتمثل في الاستخدامات العسكرية للفضاء، والثانية غاية على المدى البعيد، وتتمثل في استغلال موارد الفضاء. ولا يزال استخراج المعادن أو المياه من القمر أو الكواكب الصغيرة، تحديدا لإنتاج وقود الصواريخ، هدفا بعيد المنال، لكن المؤسسات والشركات الأميركية الناشئة بدأت العمل على ذلك. Thumbnail وعلى عكس ما حصل زمن الحرب الباردة، غالبا ما يتم غزو الفضاء في ظل فراغ قانوني، ففي ستينات وسبعينات القرن الماضي تفاوضت واشنطن وموسكو على معاهدات عدة مرتبطة بالفضاء، تحديدا لضمان التعاون العلمي وحظر أسلحة الدمار الشامل في الفضاء. إلا أن تلك المعاهدات كما وصفها الخبراء “ضبابية” إلى درجة أنه من الصعب التأكد من تبعاتها القانونية، وطغت على هذه المعاهدات كذلك التكنولوجيا العسكرية الحديثة على غرار معدات الليزر المضادة للأقمار الصناعية والهجمات الإلكترونية والتشويش الإلكتروني والصواريخ الأرضية المضادة للأقمار الصناعية مثل ما اختبرته الصين في عام 2007. ويتفق الخبراء على أن الصراع بين الولايات المتحدة والصين سيظل مقتصرا على التصريحات والمناوشات، على الأقل خلال العقد الجاري؛ فكما كان الحال في الصراع التجاري أو الاقتصادي، لن يتأزم الموقف بين الصين والولايات المتحدة، وإلا ستكون هناك تأثيرات اقتصادية كبيرة، ما يزيد من احتداد الأزمة المالية التي تضرب العالم، إذ أن الصين هي مصنع العالم، فيما تتبوأ الولايات المتحدة المرتبة الأولى في التسلح والدفاع والهجوم والصناعات والتجارة أيضا، إضافة إلى سيطرتها على العالم من خلال العلاقات والاتفاقيات. وتبقى حقيقة واحدة يمكن التأكد منها وهي أن التفوق الصيني في الفضاء أصبح واضحا، وصارت بكين تسبق بخطوة الولايات المتحدة في السباق إلى الفضاء. والحقيقة الأخرى الواضحة أيضا هي أن الولايات المتحدة تدرك منذ عدة سنوات التفوق الصيني، وهي تحاول الآن تعويض ما خسرته من خطوات خلال السنوات الماضية. انشرWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :