قارئة من فصيل فريد يفتر حماسها لمطالعة الكتب الأكثر مبيعًا

  • 11/29/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

  -1متى بدأت رحلتك مع القراءة؟ هل هناك دافع وراء هذا الاختيار؟ بدأ شغفي بالقراءة في طفولتي المبكرة. كان منزلنا يغصّ بكتب والداي. بما أنّني كنتُ فضوليّةً بطبعي – وما أزال - وتعصى عليّ القراءة بسبب صغري، أضفت الكتب نوعًا من الغموض شدّني إلى عالمها الممنوع المرغوب. بالإضافة إلى ذلك، لطال ما أحببتُ التأمّل في الأشياء الصغيرة والتفكير لساعات بمعنى وخفايا الأمور صغيرةً كانت أم كبيرة، نحو: "ماذا يقول العصفور في قفصه، وهل يراني؟"، "هل سأموت فعلًا إن شربتُ من ماء الصنبور كما نبّهتني أمّي؟"، "هل ستقينا طاولة مشغل العمّ عبدو في القبو من نيران القصف إن اختبأنا تحتها؟"، و "هل تحلم الخراف؟". لهذا وجدتُ متعةً خالصةً ومهربًا من ملل الأيام وشعوري بالضيق في بيتنا الكبير في كتب مصوّرة اشترتها لي أمّي وأنا في الثالثة أو الرابعة من العمر. كانت تتألّف من كتاب عن أوراق الأشجار تمّ تنسيقها لتعطي أشكالًا محبّبة كالفأرة والورود، وكتاب آخر من نفس السلسلة لكن عن الأحجار والحصى. بعد ثلاثين عامًا، أتذكّر بحنينٍ فائضٍ بعض الرسوم في الكتابَين وأخرى في قصص فرنسية وعربية عالمية مثل "القطّ ذو الحذاء"، "الذئب والنعجات السبع"، و "اللفتة العجيبة" والتي ملأتُها بمحاولاتي الفاشلة بتقليد الأحرف والكلمات أعلى النص قبل إتقانها في المدرسة. 2.  تقرأين باستمرار ومتابعة للروايات العربية والعالمية لكن نادرا ما تكتبين وتنشرين المقالات هل تعتقدين بأن القراءة بحد ذاتها  غايةً ؟ نعم، القراءة غاية وأسلوب عيش بحدّ ذاتها. كلّ شيء يدور حول الكتب في كلّ محطّة من حياتي ابتداءً بقصصي الصغيرة، فالكتب المدرسية ورائحتها التي تعد بالكثير، فالروايات الكلاسيكية، ثم الكتب الجامعية وكتب الفلسفة وعلم النفس وعلوم الأديان، وصولًا إلى الروايات العربية والفرنسية والإنكليزية التي أراكمها بنهم يفوق بأشواط قدرتي على قراءتها! أمّا الكتابة عمّا أقرأ فهي تجربة أقلّ إثارةً من القراءة وأفضّل الاكتفاء بمشاركة اقتباساتي المفضّلة أو مقطع صغير عن انطباعاتي ومناقشة الكتب مع أصدقائي وفي نادي القراءة. في الوقت ذاته، تستفزّني الكتب المميزة – برأيي الشخصي – للكتابة عنها ومشاركتها على أوسع نطاق ممكنٍ يتعدّى منصات التواصل الاجتماعي وموقع غودريدز ومحيطي. باختصار، أفضّل استثمار وقتي بالتهام الكتب وعدم تبذيره في الكتابة عن كلّ كتابٍ أقرؤه. حتى أنني ابتعدتُ عن انتقاد الروايات التي أجدها ركيكةً وأكتفي بتقييمها على غودريدز فهي برأيي لا تستحقّ أي ضوءٍ سلبيَّا كان أم إيجابيًّا. وكلّ كتاب لا يستهويني أتخلّى عن إنهائه ولا أعطيه فرصةً تتعدّى قراءة أول 50 صفحة، فالحياة قصيرة جدًا والوقت يجري وكتبي تنتظر دورها على الرفوف قبالتي. 3. الاكتشاف جزء من عملية القراءة هل تمكنتِ من إكتشاف أسماء إبداعية لم يسبق لغيرك إدراك قيمتها؟ أجد لذّةً لا تُضاهى بنبش أسماءٍ غير معروفة ومن بلدانٍ غير موزّعة بشكلٍ عادلٍ في المكتبات. وبعدها، أبدأ بمشاركة هذه الأسماء ونصح الأصدقاء بها والكتابة عنها. أمثلة عن كُتّاب أراهم مبدعين وأشعر بالامتنان والفخر أنّني اكتشفتُ أقلامهم: السويدية لينا أندرسن، السكوتلاندية آلي سميث، اليابانية مييكو كاواكامي، البولندي توماس جدراوسكي، اللبناني فادي توفيق، اليابانية يوكو أوغاوا، اليابانية بانانا يوشيموتو، الألماني إريك فروم، الإيراني صادق هدايت، اللبناني ربيع جابر، الصيني مو يان، البلجيكية أميلي نوتومب، الأسترالية هانا كنت، الأميركية إليزابث ستراوت، الصينية يِيون لي، الهندي أرافيند أديغا، المكسيكية فاليريا لويزلّي، الجنوب إفريقي جي. ام. كوتزي، اليابانية الأميركية جولي أوتسوكا، الكورية الجنوبية غونغ جي-يونغ، اليونانية فوتيني تساليكوغلو، الأسباني خوسيه كارلوس ليوب، التركي أحمد حمدي تانبينار، السويدية ليندا أولسون، البريطاني جوليان بارنز، المغربي محمد عز الدين التازي، اللبنانية ديما عبدالله، الأسباني خافيير مارياس، والفرنسي فرنسوا مورياك. أفرح كثيرًا حين تنال اكتشافاتي الصغيرة بعض الشهرة أو تربح جائزةً ما أو تهتمّ بها الدور العربية وتترجمها – إن كانت عالميّة - مثل رواية "الخريف" لآلي سميث، "أعشاب ضارّة" لديما عبدالله، و "فن الحب" لإريك فروم. ولكنّني لسببٍ ما، تفتر حماستي لقراءة الكتب الأكثر مبيعًا حتى لو كنتُ قد اقتنيتُها أو رغبتُ باقتنائها قبل أن تتصدّر تلك القوائم وتكتسح المكتبات. وهذا ما حدث معي في حالة إلينا فيرّانتي حيث أرفض قراءة رباعيتها "صديقتي المذهلة" بسبب شهرتها الواسعة والإشادات بها من قبل القرّاء المبتدئين وغير القرّاء.. هل من مفهوم يحدّد رفضي هذا لل"ماينستريم"؟ كلّ ما أعرفه هو أنّني أريد علاقةً حصريّةً مع الدّرر الأدبية التي أكتشفها والكُتّاب الذين أحبّ.. نعم، تمامًا مثل علاقة حبّ بعيدة عن الأضواء والضجيج والمظاهر البرّاقة الزائفة. 4. ماهي النتائج التي توصلتِ إليها من خلال متابعتك المكثفة بشأن مواصفات العمل الإبداعي الناجح؟ أعتقد أنّ العمل الناجح هو الذي يمكنه الوصول للقرّاء بمختلف مستوياتهم القرائية واللغوية. الكاتب المبدع يستطيع تطويع لغته وأفكاره وبلورتها بوضوح وعمق يتسرّب إلى وعي قارئه بشكلٍ فعّال، يأخذه بعيدًا عن الواقع، ويُنسيه ما ومَن حوله. وصلتُ إلى هذه النتيجة بعد مناقشة ما يُقارب ال200 كتاب في نادي القراءة. بعد أن يكسر المبدع الحاجز الورقي بينه وبين قارئه، تأتي ذائقة واهتمامات وتجارب ومستويات القرّاء لتلعب الدور الأساسي في مدى تقرّب القارئ وتماهيه مع ما يقرأ وفي مدى تغلغل النص في وجدانه. وهنا يأتي التقييم الشخصيّ للغاية ليدير الدفّة. 5. هل هناك بديل للقراءة لو افترضنا بأن العناوين كلها تغيبُ في المكتبات والمواقع الألكترونية ماذا يكون ُ ردُ فعلك؟ بالطبع لا بديل للقراءة وللكتب! لكن في غيابها الديستوبي المفترض في سؤالك المؤلم، ستحتلّ الكتابة الصدارة لتعويض هذه الخسارة، وقد نعود للحكايات الشفوية التي كانت تتوارث عبر الأجيال بأصوات الجدّات والحكواتي. سيجد الإنسان دومًا طريقةً ليخبر قصّته ويختبر قصص الآخرين، حتى لو اضطرّه الزمن أن يعود للخربشة على الحيطان. لكن هناك أساليب أقلّ داراماتيكيّة ممّا ذكرته للتوّ، وهو الفنون الأخرى كالموسيقى والسينما والرسم.. جميعها تخبر قصصًا وتُبرز جوانبًا من التجربة الإنسانية، وتنتظر قرّاءها بخفر وغموض وصمتٍ مقدّس. 6. ما هي العوامل التي تدفع بالقاريء للتواصل مع محتوى النص: الغلاف، العنوان، إسم المؤلف؟ أول ما يشدّ هو العنوان، ويثير في النفس أسئلةً مبهمة متسارعة تًشعر القارئ بحماسةٍ وفضولٍ لاكتشاف ما يخبئه العنوان. بالطبع على العنوان أن يكون متميزًا وبعيدًا عن الكليشيهات وإلّا لن يسجلّه العقل وسينتقل لغيره. ثمّ يأتي دور الغلاف، حيث ركاكة التصميم تنعكس سلبًا على المحتوى وتخفض منسوب التوقعات الإيجابية، وتقتل أي انبهار قد يكون قد ولّده العنوان، والعكس صحيح. إذًا، ما العمل الآن؟ سنتفقّد اسم المؤلّف، فقد نكون قد قرأنا له أو سمعنا به، وبالتالي يصبح القرار تلقائيًا بشراء الكتاب من عدمه. أمّا إن كان الكاتب غير معروف، وتردّدنا بشأن دار النشر، فيمكننا الاطلاع على مراجعات القرّاء على مواقع غودريدز وأبجد أو على صفحات التواصل الاجتماعي وفي الملاحق الثقافية والمقالات المتاحة عبر تطبيق غوغل. بعد تجاوز كلّ هذه العوائق، يبقى التواصل الحقيقي في النص ذاته لغةً وأفكارًا ومشاعر قد تبدأ من الصفحة الأولى والجملة الأولى، وقد لا تنشأ حتى بعد قراءة آخر كلمة. العلاقة بالكتاب حميمية وشخصية ومزاجية، تمامًا كعلاقتنا مع أنفسنا. وبهذا، الكتاب مرآةٌ تعكس ما فينا وما حولنا بالقدر الذي نتيحه له باستسلامنا لنصّه. بيد أنّه أحيانًا، الكتاب هو مَن يُبادر أولًا ويتواصل معنا لنلتفت مطيعين ونتأبط أوراقه مع ابتسامةٍ عارفةٍ للحبّ من أوّل نظرة.

مشاركة :