بقلم: د. أحمد علي سليمان عندما اغترت الحضارة المعاصرة المتقدمة، وتغافلت عن مدبر هذا الكون، وتغطرست، وتكبرت، وتجبرت بمنجزاتها، وعولمتها، وأسلحتها، وعلومها ومخترعاتها التي أوصلتها إلى الكواكب الأخرى، وتحكمت في كثير من أمور الحياة، وظنَّ إنسانها أنه قادر على كل شيء، استشرى الظلم في استعمار الشعوب، وسلب خيراته، وإذلال أهله، والإمعان في صناعة الموت، والتنافس الرهيب في الاستحواذ على أسلحة الدمار الشامل، والاعتداء الصارخ على الفطرة السوية، وانتشار الشذوذ وزواج المثليين وسعار الشهوات، وتبني بعض البشر الفكر الإلحادي وإنكار الله -عز وجل- ، والسخرية بالمقدسات والأنبياء والرموز، وصناعة الفتن بين الشعوب، والكيل بمكيالين، ناهيك عن الانتهازية، والإمبريالية، والأنانية التي تبنتها بعض الدول التي تُطلق على نفسها «الدول العظمى»، بعضها يساعد الظالم على المظلوم، بل وتغض الطرف عن المجازر التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المستضعفين وفي مقدمتهم المسلمون، وما يحدث الآن في فلسطين الأبية خير شاهد على ذلك، ناهيك عن الاعتداء الصارخ على مفردات البيئة والطبيعة والكون... وما ثقب الأوزون، والتغيرات المناخية، والتلوث الرهيب منا ببعيد! لقد حادت هذه الحضارة عن الحق عندما ضلَّت عن طريق ربها، فكثُر ظلمها، وظلماتها، وغيها، وفتكها، وتدميرها... وقد أمهلها الله -عز وجل-؛ لعلها تثوب إلى رشدها، وتعود إلى ربها، فلم ترجع!، بل ازداد غرورها؛ فأرسل لها جندًا صغيرًا -من جنوده الكثيرة جدًّا التي لا يعلم أصنافها، وأنواعها، وأعدادها إلا الله- هذا الجندي هو فيروس كورونا المستجد، صغير جدًّا لا يُرى بالعين المجردة، تسبب في شل حركة الحياة وإيقاف العالم بأسره، بل إنه أوقف الناس حيارى، وأمست البشرية مُرْتَابة، مشدوهة، حائرة، خائفة، مرعوبة... تنتظرُ مصيرًا، قلقًا، غامضًا، مخيفًا، ظلَّ عالقًا في رحم الغيب ولا يزال... ولعل الله -عز وجل- أراد بذلك أن يمتحن المؤمنين، ويخيف الظالمين، ويذيقهم بعضًا مما ذاقه المظلومون، والمشردون، وضحايا الحروب، وآليات الفتك والتدمير والتخريب والتشريد... ويا لها من رسالة جد عظيمة لا يفقهها مَن جثم الشيطان على عقله وقلبه ونفسه وفؤاده! إن هؤلاء وأولئك المغترين في شرق الأرض وغربها، وفي شمالها وجنوبها، وفي طولها وعرضها، في حاجة مُلحة إلى مَن يأخذ بأيدهم رويدًا رويدًا إلى طريق الله تعالى، فهو السبيل الأمثل لإحقاق الحق، وتحقيق العدل، وترسيخ المساواة، وبسط الأمن والسلام، ونجدة المظلومين والمكروبين، ومساعدة الضعفاء والمشردين. فالعالم المعاصر -عزيزي القارئ الكريم- في مسيس الحاجة إلى مَن يضبط له بوصلته صوب الحق سبحانه وتعالى، حيث الخير، والرشاد، والبناء، والصلاح، والفلاح... في حاجة ماسة إلى مَن يُسكن السكينة في قلبه، وعقله، ووجدانه... ويهديه سبيل الفطرة السليمة السوية، ويجنبه الغرور والغطرسة... في حاجة إلى مَن يهديه إلى قيم الحق والعدل والحرية والجمال، ويجنبه براثن الظلم، والكيل بمكاييل الجور والظلام... في حاجة ماسة إلى مَن يهديه إلى السلام النفسي والروحي، والسلام الحقيقي الشامل الذي يذخر به منهج الله؛ ليُسكت في نفسه وقلبه وعقله سعار الأنانية، والشهوات، واستمراء الظلم، فينجم عن ذلك إسكات آلات الدمار والتدمير والتخريب. وهذه الحضارة على شفا جرف هار وستظل إذا استمرت بعيدة عن الله تعالى، ففي كل يوم يمر على البشرية، تزداد حاجتها إلى المنهج الرباني الشامل، فهو الكفيل بإقالتها من عثرتها، وإخراجها من غيها وظلماتها، وهو المنقذ والمسعف لصلاحها وإصلاحها. وقد جرَّب العالم من قبل، عقودًا من الرأسمالية المتوحشة فخسر، وجرَّب الاشتراكية والشيوعية... إلخ، فباء بالخسران المبين...!!. وقد آن الأوان إلى أن ينحو الإنسان صوب خالقه الحكيم جلَّ وعلا، بالصلح معه، وتطبيق منهجه الكفيل بتخليص البشرية من أمراضها وعللها، وإنقاذها من الهوة السحيقة التي تنتظرها؛ إذا استمرت على حالها، واستمرأت البعد عن الله جل وعلا. عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
مشاركة :