اكتساب الخبرة واتخاذ القرارات المهمة يتطلبان وجود مستشارين أمناء، ولاؤهم لمن يعملون معه، وليس لمن وظفهم من الشركات الاستشارية، ولا شيء كخبرة من عركتهم الحياة حين تلتقي مع حماس الشباب وقوته.. مع نفحات نسائم النخيل التي تنشر دفئها على مدن القصيم وصلت إلى عاصمته بريدة، بدعوة كريمة من أميرها صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز، كنت المتحدث في جلسة الاثنين التي تقام كل أسبوعين في قصر الضيافة، ويحضرها عدد كبير من المسؤولين الحاليين والمتقاعدين، ورجال الأعمال والسيدات والشباب، مجلس يتحدث فيه الأمير عن أهم المستجدات والمشاريع، ثم يتحدث الضيف عن موضوع يهم الجميع ويطرح للنقاش والمداخلات، وفي هذا اللقاء تحدث الأمير عن ملتقى الاستثمار بالقصيم بمشاركة عدد من المنشآت الحكومية وصانعي القرار، وأشرفت عليه إمارة القصيم، وامتد لثلاثة أيام وركز على إبراز إمكانات المنطقة وميزتها النسبية. تحدثت في ذلك اللقاء عن الخبرة والمهنة والوظيفة، وركزت في محاضرتي على أهمية وجود مستشارين متميزين لدى كل قائد ومسؤول، وضربت لذلك أمثلة من ثلاث شخصيات مختلفة اشتهروا بطلب المشورة، وأولهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقصته مع الحباب بن المنذر في معركة بدر حين أشار الحباب إلى تغيير مكان جيش المسلمين، وبناء على المشورة حرك الرسول جيشه إلى المكان المقترح. والمثال الثاني هو لأعظم قائد في القرن العشرين، قائد وحد دولة بحجم قارة، كانت تعج بالفوضى والجهل والحروب والمجاعة والأمراض، ليجعل منها دولة مثالية تنعم بالأمن والرخاء والتنمية، ذلك هو الملك عبدالعزيز الذي استقطب المستشارين من الدول العربية وخارجها، ومنهم المستشار والسفير حافظ وهبة، الذي قابله الملك عبدالعزيز في الكويت فاستقطبه ضمن مستشاريه. ليخدمه ثلث قرن، ويقول حافظ في ذلك: أشهد أن الملك عبدالعزيز - رحمه الله - عاملني طوال ثلث قرن كصديق وفيّ. وكثيراً ما اتسع صدره لمناقشتي، وإن كنت أطلت في خدمته، فذلك لأنني أحببته من كل قلبي، فوجدت فيه الرجل العظيم، والحكيم السياسي البارع، والقائد المحنك. أما الشخصية الثالثة فهو المستشار والوزير هنري كيسنجر، فقد كان يعتمد على مستشاريه ومراكز الدراسات في البحث عن أفضل الحلول، حين يطلب منه استشارة أو اتخاذ قرار يعطيه لأكثر من مستشار أو مركز دراسات لإعطائه أفضل الحلول، وقد يعيد الدراسة لهم أكثر من مرة حتى يتوصل للقرار الصحيح. كل ما سبق يبين لنا أنه مهما أوتي القائد من خبرات وتجارب، إلا أن ذلك لا يكفي لاتخاذ القرار الصحيح، بل إن طلب الاستشارة ومناقشة مختلف الحلول دليل على الثقة بالنفس، ومن أهم صفات القائد الناجح. أمير القصيم مثال يحتذى في دماثة الخلق، والتواصل مع الناس وحضور المناسبات، والعمل بكل إخلاص لجذب الاستثمارات والتنمية لمنطقته، وأهل القصيم كغيرهم من مناطق المملكة محبين لمنطقتهم، يسعون جاهدين للاستثمار في جميع المجالات المهمة ومنها التعليم، وإنشاء ودعم الجمعيات الأهلية، والسياحة والزراعة.. وقد خرجت من الزيارة بالتوصيات الآتية: أولاً: تنمية المناطق وجذب الاستثمارات لها من أهم وسائل تحقيق الأمن وخلق الوظائف وضمان العيش الكريم، فأكثر ما يسبب الهجرة من المدن الصغيرة والقرى هو البحث عن التعليم المتميز والصحة والوظائف، ولا شيء كالمشاريع الكبيرة التي تشجع على السياحة وترتقي بجودة الحياة. ثانياً: اكتساب الخبرة واتخاذ القرارات المهمة يتطلب وجود مستشارين أمناء، ولاؤهم لمن يعملون معه وليس لمن وظفهم من الشركات الاستشارية، ولا شيء كخبرة من عركتهم الحياة حين تلتقي مع حماس الشباب وقوتهم. ومن أفضل وأنجح مشاريع ومنشآت المملكة تلك التي بدأت بخبرات أجنبية من دول متقدمة، مثل أرامكو والهيئة الملكية للجبيل وينبع والمستشفيات، والجامعات التي بدأت من حيث انتهى الآخرون، وهذا هو ما يحتاج إليه كل قطاع يقدم الخدمة للمواطنين كالأمن العام والبلديات والصحة والتعليم. ثالثا: المصدر الثالث للخبرة والذي لا غنى عنه للقائد هو القراءة والاطلاع، وهذا هو ما يجب أن يركز عليه التعليم ليخرج قارئين مفكرين، يبحثون عن آخر المستجدات والخبرات بين طيات الكتب والتقارير التي تنشر على مستوى العالم. ويكفينا قناعة بأهمية القراءة أن تكون أول كلمة نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم، وهنا أقترح أن تتولى الجامعات في كل منطقة إقامة معارض للكتاب يدعى إليه المثقفون والفنانون ليكون تظاهرة ثقافية وترفيهية وسياحية. المملكة تعيش حراك تنموي كبير على جميع المستويات، والأهم أنه يركز على تنمية المناطق البعيدة عن العاصمة، وفي كل يوم نسمع بخبر مفرح، كان آخرها اعتماد التوجيه الكريم لإنشاء مؤسسة لتنمية جزيرتي دارين وتاروت على ضفاف الخليج العربي، خليج الخير والعطاء، ليكون المرتكز هو الإنسان وصحته وتأمين الحياة الكريمة له.
مشاركة :