السودان - أنهى الجيش السوداني والقادة المدنيون أزمة سياسية خانقة بتوقيعهم اتفاقا الاثنين يمهد الطريق لتشكيل حكومة مدنية فيما يتطلع السودانيون لترجمة هذا الاتفاق في اقرب فرصة للمرور إلى مرحلة سياسية جديدة. وعاش السودان أزمة سياسية مصحوبة بأخرى اقتصادية منذ انقلاب قائد الجيش عبدالفتاح البرهان على السلطات الانتقالية التي شكلت عقب اطاحة البشير عام 2019. ووقع الاتفاق البرهان وقائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية محمد حمدان دقلو والعديد من القادة المدنيين وخصوصا من قوى الحرية والتغيير وهي الفصيل المدني الرئيسي الذي استُبعد منذ استئثار الجيش بالسلطة إثر انقلاب الخامس والعشرين من تشرين الأول/اكتوبر 2021. وقال ممثل الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرذيس إن توقيع الاتفاق هو "نتاج جهود متواصلة قامت بها الأطراف السودانية على مدى العام المنقضي لايجاد حل للأزمة السياسية والعودة الى النظام الدستوري". وأكد دقلو مجددا الاثنين التزام الجيش بالابتعاد عن الحياة السياسية معتبرا ان هذا "ضروري لبناء نظام ديمقراطي". ومنذ ذلك الحين، تشهد البلاد تظاهرات واحتجاجات شبه أسبوعية فيما تزايدت وتيرة العنف القبلي في مناطق عدة. وفي مشهد دراماتيكي ردد البرهان هتاف "العسكر للثكنات" خلال خطابه أثناء مراسم توقيع الاتفاق الإطاري للانتقال السياسي اليوم الاثنين. واستخدم المحتجون هذا الهتاف للمطالبة بخروج الجيش من المشهد السياسي بعد الانقلاب الاخير. وفي موازاة الاضطرابات السياسية والأمنية، تعمقت الأزمة الاقتصادية في السودان، أحد أفقر بلدان العالم، بعد أن علقت الدول الغربية المساعدات المالية التي تدفقت على هذا البلد عقب اطاحة البشير وتشكيل السلطات الانتقالية واشترطت عودة الحكم المدني لاستئنافها. ويأتي الاتفاق بعد بضعة أشهر من إعلان البرهان أن الجيش سوف يبتعد عن السياسة ويترك المجال للاتفاق على حكومة مدنية فيما يرى مراقبون ان القرار ياتي نتيجة لضغوط غربية اصرار المدنيين على مناهضة سيطرة الجيش على الحكم. وقالت قوى الحرية والتغيير، وهي فصيل مدني رئيسي كان انقلاب البرهان أطاح به، إن الاتفاق الاطاري يمهد الطريق لتشكيل سلطة مدنية انتقالية. وأعلن عن التوصل الى الاتفاق الجمعة بعد اجتماع ضم قوى الحرية والتغيير وفصائل سياسية أخرى مع قادة عسكريين في حضور مسؤولين من الاتحاد الافريقي والأمم المتحدة ومجموعة ايغاد، اضافة الى دبلوماسيين غربيين. والاتفاق هو الشق الأول من عملية سياسية على مرحلتين ترتكز على مسودة الدستور التي أعدتها نقابة المحامين السودانيين أخيرا، بحسب بيان قوى الحرية والتغيير. أما الشق الثاني من الاتفاق ويشمل قضايا عدة من بينها العدالة الانتقالية وإصلاح الجيش فينتظر ان يتم الانتهاء منه "في غضون أسابيع"، وفق البيان. ودعا الناشطون المنادون بالديمقراطية ويرفضون "اي تفاوض وأي شراكة" مع الجيش الى تظاهرات احتجاجا على الاتفاق. وفعلا نزل الالاف الى الشوارع رفضا للاتفاق بدعوة من لجان المقاومة حيث ترفض قوى عديدة أي تدخل للجيش في الحكم. واعترض على الاتفاق كذلك قادة حركات التمرد السابقون الذين وقعوا في 2020 اتفاقا مع الجيش ودعموه عقب انقلاب العام الماضي. وقال محمد زكريا الناطق باسم حركة العدالة والمساواة (متمردون سابقون في دارفور) إن "هذا اتفاق ثنائي وإقصائي" يستبعد أطرافا عدة. مضيفا "ان توقيع هذا الاتفاق ستترتب عليه نتائج سيئة" و"سيؤدي الى مزيد من التعقيد في الساحة السياسية". وانتقد الاتفاق كذلك مني مناوي أحد قادة حركات التمرد السابقة في دارفور واصفا اياه بأنه "أسوأ نموذج لسرقة الارادة الوطنية". واعتبر المحللون الاتفاق "غامضا وفضفاضا" ولا يلبي مطالب العديد من القوى السياسية المؤثرة. وقالت الباحثة السودانية خلود خير من مركز كونفلوانس ادفايزوري "من الصعب معرفة الى أي مدى سيحظى هذا الاتفاق بالشعبية". وأضافت قبل التوقيع على الاتفاق "لا أحد يعرف على وجه الدقة ماذا يتضمن هذا الاتفاق والمسكوت عنه يثير القلق". ورغم الامال المعقودة على الاتفاق لكن المخاوف تبقى قائمة من جانب عدد من القوى المدنية بسبب تاريخ من التدخلات المتكررة للمؤسسة العسكرية للاطاحة بالحكم المدني والانقلاب على الاتفاقيات. ورحبت مصر الإثنين بالتوقيع على الاتفاق السياسي، مؤكدة على أن هذا الاتفاق يعد خطوة هامة ومحورية لإرساء المبادئ المتعلقة بهياكل الحكم في السودان. وعبرت مصر ، في بيان صادر عن وزارة الخارجية اليوم، عن دعمها الكامل للاتفاق، واستعدادها للتعاون مع مختلف الأطراف السودانية في جهودها للبناء عليه وصولاً لاتفاق نهائي يحقق تطلعات الشعب السوداني ، ويعزز من دور السودان الداعم للسلام والاستقرار في المنطقة والقارة الأفريقية. وأعربت مصر عن خالص تمنياتها بأن يمثل الاتفاق بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار للشعب السوداني، في ظل الروابط التاريخية بين البلدين الشقيقين ووحدة مصير شعبي وادي النيل. وطالبت مصر "أطراف المجتمع الدولي إلى توفير كل عناصر الدعم لدولة السودان الشقيقة، وبما يمكنها من عبور المرحلة الانتقالية بكل نجاح، وتحقيق مصلحة الشعب السوداني بكافة أطيافه".
مشاركة :