حتى لا يكون تقييم الأداء الوظيفي مدمرا!

  • 12/7/2022
  • 21:22
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في نهاية كل عام يصاب كثير من المنظمات بأجواء من التوتر، وكثرة القيل والقال، وشيء من الإحباط والاحتدام، إذ ترتكز الأنظار وتنهمك العقول في مجريات تقييم الأداء الوظيفي السنوي، وما يترتب عليه من مكافآت وعلاوات.يعد تقييم الأداء الوظيفي جزءا أساسيا من عمليات أي منظمة، وبدونه قد تضيع البوصلة، لكن نتائجه وأثره يعتمد على كيفية إجرائه، فقد يكون ممكنا للعاملين، ومحفزا للمضي قدما نحو آفاق جديدة من التميز والإبداع، أو يكون محبطا لشغفهم، وهادما لطموحهم، بل وسببا في تسربهم وانتقالهم إلى بيئات عمل أخرى. الأمر لا يتعلق بالمقابل المادي فحسب، بل يتجاوزه إلى الأثر المعنوي والنفسي الذي يحدثه هذا التقييم في نفوس الموظفين، والنفس وما تحمله من شغف وطموح وهمة وعزيمة، هي الباعث الرئيس -بعد توفيق الله- للبذل والعطاء.أشارت تقارير صادرة من جمعية إدارة الموارد البشرية (SHRM)، إلى أن 90٪ من الموظفين يؤمنون بأن نتائج تقييم أدائهم السنوي ليست مثمرة، مع ما تسببه من آلام موجعة. كما كشفت شركة الأبحاث العالمية (CEB) أن 66% من الموظفين الحاصلين على أعلى الدرجات في تقييم الأداء السنوي، ليسوا في الواقع هم الأفضل أداء!.ولذا، لا عجب أن يحدث هذا التقييم إرباكا وزعزعة في بيئة العمل مما يتسبب في حصول المنظمات على نتائج عكسية!، إذ وجدت مجلة الأبحاث العلمية (Psychological Bulletin) أن 30٪ من تقييمات الأداء تتسبب في انخفاض أداء الموظفين، كما أظهرت دراسات نشرها مكتب إحصاءات العمل الأمريكي (U.S. Bureau of Labor Statistics)، أن 25% من الموظفين يستقيلون بسبب إجحاف التقييم، وعدم الشعور بالامتنان والتقدير.وقد يقول قائل: إنه من الطبيعي أن يشعر كثير من الموظفين بالأسى نحو تقييم الأداء، فلا أحد يحب أن يقع تحت وطأة التقييم، ما لم يحقق درجة كاملة، والكمال عزيز!، ويجاب عن هذا بأمرين: أولا، هذه النسب والأرقام المرتفعة أكدتها دراسات موثوقة متفرقة لعينات ممثلة.ثانيا، التحفظات والانتقادات على تقييم الأداء السنوي لا تقتصر فقط على من يقع عليه التقييم، بل تثار أيضا ممن يمارسه ويشرف عليه من القيادات التنفيذية.وجدت شركة الأبحاث العالمية (CEB)، أن 95% من المديرين لا يشعرون بالرضا التام حيال نظامهم لتقييم الأداء السنوي، وأن نحو 90% من قادة الموارد البشرية يؤمنون بأن بيانات ونتائج التقييم غير دقيقة!.وفي دراسة نشرتها مجلة الأبحاث العلمية (Applied Psychology) وجدت أن الميول الفردية والآراء الشخصية للمقيميين تؤثر بنسبة 62% على نتائج التقييم!، حتى إن شركة (Deloitte) العالمية خلصت إلى أن 58% من التنفيذيين يرون أن نظام تقييم الأداء لديهم لا يحقق أي تحسن في الأداء أو الارتباط الوظيفي.والسؤال هنا، ما الذي يجعل تقييم الأداء الوظيفي السنوي مدمرا، بدلا من أن يكون نافعا ومحفزا؟. لعلي هنا ألخص أبرز الأسباب التي جمعتها من الدراسات البحثية والممارسات العملية:- أن يحدث التقييم مرة أو مرتين في السنة، وبالتالي قد يُختزل التقييم في أعمال ومواقف محددة، دون النظر إلى الصورة الشاملة لأداء الموظف، بل ربما وقع المقيم سلبا أو إيجابا في فخ ما يمسى بـ»التأثير اللحظي» (Recency Effect).- أن تسيطر الرؤى الشخصية على نتائج التقييم، دون الالتزام بمعايير موضوعية، ويتفاقم الأمر حين ينفذ التقييم من شخص واحد، والمرء عرضة للخطأ والنسيان.- انحراف التقييم عن هدفه، وتحوله إلى أداة عقاب أو محاباة أو تعويض أو تقليص للمصروفات.- غياب الموازنة بين الأقسام والإدارات، بسبب اختلاف نظرة ودقة المقيمين، فلربما حصل زيد على درجة أقل من عمرو، مع أن أداء زيد أفضل، إلا أن مديره أكثر صرامة في التعامل مع معايير التقييم.- تركيز التقييم على معايير قاصرة أو فضفاضة أو ذات أولوية ثانوية.- استخدام مقياس تفتقر إلى التمييز الموضوعي بين مستويات الأداء.- افتقار التقييم إلى تغذية راجعة نافعة، في حين أن الهدف الرئيس للتقييم هو تحسين أداء الموظف، خلال تعزيز نقاط القوة، وتسليط الضوء على فرص التحسين.- أن يغلب على التقييم النبرة السلبية، ويُغفل فيه عن التقدير والثناء لمكامن القوة.ولتفادي مثل هذه الأسباب، كشفت شركة الأبحاث والاستشارات (Bersin)، أن 70% من المنظمات شرعت في إعادة النظر في نظامهم لتقييم الأداء الوظيفي، في حين أن شركة جارتنر (Gartner) ذكرت أن 81% من قيادات الموارد البشرية قاموا بعمل تعديلات تحسينية على نظامهم لتقييم الأداء الوظيفي.شركات كبرى، مثل: ديلويت (Deloitte)، وأدوبي (Adobe)، وإكسنتشر (Accenture)، وجنرال إلكتريك (GE)، قررت إيقاف العمل بنظام تقييم الأداء التقليدي، واستبداله بنسخة مطورة من النظام، ارتكزت على مناقشة الأهداف وتقييم الأداء خلال ما يسمى بالاجتماعات الفردية (One-on-one meetings)، والذي دعم فكرتها بشدة الرئيس التنفيذي السابق لشركة إنتل، أندرو جروف، في كتابه الشهير(High Output Management)، فكيف عالج هذا النظام عيوب النظام السابق؟.تهدف الاجتماعات الفردية المتكررة إلى تعزيز التواصل الفعال بين المدير وموظفه، وتجزئة المهام إلى أهداف مرحلية، ومتابعة الإنجاز بشمولية عن قرب وكثب، ومناقشة أي صعوبات أو تحديات يواجهها الموظف، لمساعدته في تذليلها والتحسين من أدائه، علاوة على إتاحة الفرصة لكل موظف لمشاركة أفكاره ومقترحاته.ووفقا لدراسات حديثة (The State of High Performing Teams in Tech 2022)، فإن التطبيق الأمثل لهذه الاجتماعات أن تتم أسبوعيا بين الموظف ورئيسه، ولـ30 دقيقة، وبطبيعة الحال لكل مقام مقال، ولكل بيئة عمل أو موظف بعينه ما يناسبه.تفعيل مثل هذه الاجتماعات يسهم بشكل فاعل في تقليص مساوئ النظام التقليدي لتقييم الأداء الوظيفي، خلال تعزيز التواصل بالموظف، والتأكد من فهمه لما يُطلب منه، وإعطائه الفرصة الكافية لمعالجة قصوره وتقويم أدائه قبل إصدار النتائج النهائية.كما أن هذه الاجتماعات المتكررة ترصد بشكل أدق منجزات الموظف التراكمية، علاوة على التخلص من الصدمة السلبية التي يعانيها أكثر من 40% من الموظفين نهاية كل عام، وفقا لمجلة (Inside HR)، خلال ردم الفجوة بين توقع الموظف لمستوى أدائه ونتائج تقييمه، ولذا أظهرت دراسة قامت بها شركة الاستشارات العالمية (PwC)، أن 60% من الموظفين يفضلون الحصول على ملاحظات فورية لتقييم إنجازاتهم وأعمالهم، ليتمكنوا من معرفة أخطائهم، ثم معالجتها والتحسين من مستوى أدائهم بشكل مستمر. ويزداد التقييم إحسانا حين يكون مبنيا على معايير موضوعية، لتحقيق أهداف رئيسة، ويختم بمراجعة نهائية للتحقق من موثوقية النتائج واتساقها بين صفوف الموظفين.يرى المختصون في الموارد البشرية، أن تطبيق مثل هذا النظام يرفع من دقة نتائج تقييم الأداء الوظيفي إلى 90%، وفقا لدراسة أجرتها جمعية إدارة الموارد البشرية (SHRM). كما لاحظت الشركات التي نفذت هذا النظام المطور من تقييم الأداء تحسنا ملحوظا في أداء الموظفين، فقد أظهرت دراسة أجرتها شركة غالوب الاستشارية (Gallup)، أن احتمال مشاركة الموظفين في العمل تزيد فاعليته بأربعة أضعاف، إذا تلقوا ملاحظات مفيدة عن أدائهم خلال الأسبوع الماضي. ووجدت الشركة المختصة في تطوير الموارد البشرية (Betterworks) أن إنتاجية الموظفين قفزت من 35% إلى 66٪ بعد تطبيق هذا النظام.كما ذكرت شركة أدوبي (Adobe) أن هذا النظام أسهم في خفض نسبة التسرب الوظيفي إلى 30%، إذ يعزز الصلة والثقة بين الموظف ورئيسه، ويرفع من ولاء الموظف وشغفه لأداء عمله.إن العدل والإحسان في تقييم الأداء الوظيفي مطلب شرعي، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾، وهو أيضا مطلب مؤسسي للاستثمار في رأس المال البشري، خلال تعزيز شغف العاملين وتقويم أدائهم لبذل قصارى جهدهم بإخلاص وإتقان نحو تحقيق أهداف المنظمة، والإبحار برسالتها في رحلة فريدة لا تقهرها طول الطريق، أو تهزمها الأمواج المتلاطمة.[email protected]

مشاركة :