تعود العلاقات العربية-الصينية إلى تاريخ طويل وكان التعاون قائما بين الجانبين منذ أكثر من ألفي عام عبر طريق الحرير، وتطورت العلاقات حتى العصر الحالي عن طريق إقامة علاقات وطيدة بين الصين والدول العربية، ما أنتج نجاحا مثمرا في العديد من المجالات وإبرام علاقات شراكة إستراتيجية بين الصين و12 دولة عربية. كانت العلاقات بين الجانبين في القرن الماضي مبنية على الدعم المتبادل، حيث دعمت الدول العربية الصين في عدة مواقف مهمة، أبرزها التصويت لصالح الصين لاستعادة مقعدها الشرعي في منظمة الأمم المتحدة، كما دعمت الصين الدول العربية في العديد من القضايا العربية وأهمها الموقف الصيني من القضية الفلسطينية وكان أوضح دعم في هذه القضية خلال مؤتمر بادونغ في إندونيسيا في أبريل 1955، وهو أول مؤتمر آسيوي-افريقي حينها شاركت الصين بوفد رفيع المستوى ترأسه تشو آن لاي، رئيس مجلس الدولة الذي كان له أثر كبير في تطوير العلاقات الصينية-العربية، ودعمت الصين الحركات التحررية الوطنية العربية، واحترمت مواقف واختيارات الشعوب العربية. وقد أقامت الصين علاقاتها الدبلوماسية مع كل الدول العربية ما بين عام 1956 و1990، وأخذت هذه العلاقات بالتطور حتى الآن، وتقوم العلاقات بين الطرفين على الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدول الأخرى وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. لم تعد العلاقات العربية-الصينية تقتصر فقط على التبادل التجاري في الصناعات التقليدية مثلما كانت عليه سابقا، بل تطورت إلى حد التعاون في المجالات عالية الجودة من أبرزها التطوير العلمي ومجال الطاقة، وتحولت العلاقات إلى شكل واضح للتعاون المشترك القائم على التنمية الثنائية في العديد من القطاعات. تزامن التعاون الثنائي بين الجانبين مع توجه الشعوب إلى مزيد التعرف على مختلف الحضارات، وهو ما جعل العديد من الطلبة العرب يتوجهون إلى دراسة اللغة الصينية كما تم اعتمادها في أربعة دول عربية كلغة رسمية في النظام التعليمي، وتوجه أيضا المزيد من الطلبة الصينيين إلى دراسة اللغة العربية بكل شغف، وهو ما يسهل على الشعوب فهم بعضها البعض بشكل صحيح. وقد اهتمت الدول العربية والصين بالجانب الثقافي والتبادل العلمي والأكاديمي في السنوات الأخيرة، وإقامة العديد من مراكز الأبحاث المختصة بالشأن العربي-الصيني، وذلك من أجل تعميق العلاقات الثنائية على أسس متينة. خلال أكثر من 65 عاما من التعاون العربي-الصيني، حققت العلاقات بين الجانبين تقدما مستمرا وارتفع التعاون أكثر من خلال بناء "الحزام والطريق" إلى مستويات جديدة، حيث انضمت 20 دولة عربية وجامعة الدول العربية إلى المبادرة، وتمت إقامة أكثر من 200 مشروع تعاون ضخم في مختلف بين الجانبين في إطار المبادرة، كما ارتفع التبادل التجاري بين الصين والدول العربية في عام 2021 إلى 330 مليار دولار أمريكي، بزيادة قدرها 37 في المائة عما كان عليه في عام 2020، وتتصدر الصين المرتبة الأهم بين الشركاء التجاريين للدول العربية. تتميز الدول العربية بأهمية استراتيجية على طول "الحزام والطريق"، حيث تعد مشاركا مهما في هذه المبادرة منذ قديم الزمان، وقد أثبتت العلاقات بين الجانبين أنها تتعزز أكثر فأكثر رغم التحديات التي يشهدها العالم، فمنذ ظهور جائحة كوفيد-19، تعاون الجانبين بطريقة تعود بالنفع على الشعوب، حيث بادرت الدول العربية بمساعدة الصين في أوائل تفشي الجائحة، ثم قامت الصين بمشاركة تجربتها وارسال فرق وخبراء طبيين إلى الدول العربية بالإضافة إلى المستلزمات الطبية واللقاحات وغيرها من المساعدات الأخرى. ومع حضور الرئيس الصيني شي جين بينغ القمة الصينية العربية الأولى وقمة الصين - مجلس التعاون الخليجي في العاصمة السعودية الرياض وذلك من 7 إلى 10 ديسمبر الجاري، ستتعمق العلاقات الثنائية أكثر بين الصين والدول العربية، كما أن هذه الزيارة تؤكد من جديد الدعم الصيني للدول العربية وتوسيع التعاون على شكل أشمل بين الجانبين والابتعاد عن التجاذبات والتمسك بمفهوم التعاون المثمر الذي يبني مستقبلا مشتركا أفضل للشعوب، كما أنها فرصة هامة لمواصلة تعزيز التبادلات الثنائية بين الدول العربية والصين في مختلف القطاعات.
مشاركة :