رائد الحامد / الأناضول مقابل ما يمكن تسميتها إنجازات لحكومة رئيس الوزراء العراقي الجديد محمد شياع السوداني على أكثر من صعيد، تظل أمامها تحديات معظمها داخل المكون الشيعي وموقف التيار الصدري وقوى "انتفاضة تشرين"، بينما لا يوجد ما يثير القلق من المكونات الأخرى سواء العرب السُنة أو الأكراد. وبعد ستة أسابيع على منح مجلس النواب الثقة للحكومة في 27 أكتوبر/ تشرين الأول، لا تزال القوى السياسية تتخوف من أن تعود أجواء التنافس والخلافات بين أكبر قوتين شيعيتين وهما الإطار التنسيقي والتيار الصدري. ومنذ فترة توقف التصعيد بين الطرفين، لكن يظل الوضع رهنا بما ستتخذه الحكومة (مدعومة من قوى الإطار التنسيقي حليفة إيران) من قرارات وخطوات تتعلق بالتيار الصدري أو بحياة المواطنين سواء الخدمات العامة أو مكافحة الفساد أو الأوضاع المعيشية. وثمة مخاوف أخرى مما ستؤول إليه حملة "تطهير" مؤسسات الدولة من نفوذ الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي (مايو/ أيار 2020- أكتوبر/ تشرين الأول 2022) أو نفوذ أتباع التيار الصدري الذي استحوذ على مئات الدرجات الوظيفية الخاصة منذ أن تولى رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي رئاسة الحكومة عام 2018. وبشكل أوسع، تعززت سلطات ونفوذ التيار الصدري برئاسة مقتدى الصدر في عهد حكومة الكاظمي التي يُنظر إليها على أنها حكومة التيار الصدري. وتولى عبد المهدي رئاسة الحكومة في أكتوبر 2018، بالتوافق بين تحالف الإصلاح الذي كان يرأسه الصدر وبالشراكة مع رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي من جهة وتحالف البناء برئاسة هادي العامري الحليف الأوثق لإيران ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي من جهة أخرى. ووفق المحاصصة السياسية التي اعتمدها السوداني، توزعت وزارات المكون الشيعي الـ12 بين تحالف الفتح برئاسة العامري وائتلاف دولة القانون بقيادة المالكي الذي ترى قيادات بالتيار الصدري أنه يقف وراء وصول السوداني لرئاسة الحكومة وستظل قراراته رهن توجهات المالكي الخصم التاريخي للصدر. وللمرة الأولى في تاريخ الحكومات العراقية اختار السوداني قيادات في المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران في حكومته، مثل نعيم العبودي القيادي بـ"عصائب أهل الحق" لوزارة التعليم العالي وأحمد الأسدي قائد "كتائب جند الإمام" لوزارة العمل، ما يعزز النفوذ الإيراني في المؤسسات المدنية للدولة العراقية. ومن المحتمل أن يذهب العراق إلى حالة غير مسبوقة من هيمنة قوى الإطار التنسيقي على القرارين السياسي والأمني بعد حملة "تطهير" شملت نحو 1000 مسؤول سياسي وأمني وعسكري وتعيين محلهم عناصر من الإطار التنسيقي أو مقربين من قياداته. وهذا يجعل حكومة السوداني "حكومة اللون الواحد" حتى على المستوى الشيعي بعد امتناع قوى شيعية أخرى بعضها ضمن الإطار التنسيقي عن المشاركة في الحكومة. والإطار التنسيقي هو أجنحة سياسية لمجموعات شيعية مسلحة، سواء من الحشد الشعبي أو من خارجه، ويدين بعضها بالولاء المطلق لإيران وأبرزها ائتلاف دولة القانون ومنظمة بدر وعصائب أهل الحق. وهذا الوضع قد ينعكس على أداء حكومة السوداني الذي يحاول أن يظهر أمام القوى المحلية والدولية رئيس حكومة قادرة على بناء علاقات متوازنة بين القوى الإقليمية والدولية ومنع تحول العراق إلى ساحة لصراعات بين قوى أجنبية مثل الولايات المتحدة وإيران أو منطلقا للاعتداء على دول أخرى. وبالنسبة للفساد، وهو من أولويات البرنامج الحكومي الذي صادق عليه مجلس النواب، اتخذ السوداني سلسلة قرارات تُعتبر مساعٍ جادة لمكافحة الفساد وفق رؤية متفق عليها ضمنا بين معظم القوى في السلطة أو خارجها. وتأمل هذه القوى أن تُسهم مكافحة الفساد في الحد من تردي الخدمات الأساسية وتراجع المستوى المعيشي عبر استثمار مسؤول لعائدات النفط البالغة نحو 10 مليارات دولار كمعدل شهري لهذا العام، وفق أرقام رسمية تحدثت عن 107 مليارات دولار دخلت خزينة الدولة خلال أحد عشر شهرا من العام الجاري. لكن حتى الآن فإن المتهمين بفساد مالي وصدرت بحقهم مذكرات ضبط أو استدعاء هم في العموم من غير المتنفذين سياسيا ومعظمهم من "صغار الفاسدين"، فيما لا تزال القوى السياسية تترقب أن تكون مكافحة الفساد على أسس مهنية بعيدة عن التسييس. ولاحظ مراقبون أن قلّة ممن شملتهم مذكرات الضبط والاستدعاء هم من "صغار الفاسدين" المقربين من قيادات الإطار التنسيقي أو من أعضاء التيار الصدري. وفي بدايات رئاسته للحكومة، أعلن السوداني استعادة الدولة نحو 182 مليار دينار (124 مليون دولار أمريكي) من متهم بسرقة المال العام من أصل نحو 2.5 مليار دولار ضمن ما تُعرف باسم "سرقة القرن"، والذي أُفرج عنه بكفالة مالية مقابل موافقته على إعادة ما يزيد عن مليار دولار خلال أسابيع. ويبدو أن السوداني يحاول استعادة المزيد بدعوته المتهمين في قضايا فساد إلى إعادة الأموال المسروقة مقابل العمل مع القضاء لمساعدتهم "تحت سقف القانون". والعراق يُصنف ضمن الدول الأكثر فسادا في العالم، إذ احتل المرتبة 157 عالميا ضمن مؤشرات مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية عام 2021. ويرى خبراء أن مكافحة الفساد في بعض جزئياتها تتعارض مع مصالح قوى الإطار التنسيقي وقياداته، وأن هؤلاء سيظلون بعيدا عن المحاسبة طالما أن الحكومة في جوهرها هي حكومة الإطار ورئيسها جزءا منه. كما أن قادة قوى الإطار التنسيقي، وفق الخبراء، يمثلون الكتلة السياسية الأكثر عددا في مجلس النواب والداعمة لحكومة السوداني، وأن تلك القوى بالأساس جزء من منظومة الفساد وساهمت في تفشيه طيلة 20 عاما من سيطرتها على السلطة والثروات في جميع الحكومات بدرجات متفاوتة. ويُعتقد أن ثمة مساعٍ لإفشال توجهات السوداني للانفتاح على دول الجوار العربي وتعزيز الشراكات الاقتصادية التي أرسى أسسها سلفه الكاظمي مع كل من مصر والأردن التي كانت محطة السوداني الخارجية الأولى. من المؤكد أن مساعي السوداني لمواصلة جذب الاستثمارات السعودية ستكون محل اهتمام قوى الإطار التنسيقي التي يبدو أنها ستواصل عرقلة مصادقة مجلس النواب على مشروع قرار يتعلق بالاستثمارات السعودية والربط الكهربائي والبحث عن بدائل سعودية عن الطاقة الإيرانية. حتى الآن ليس من الواضح إذا كان السوداني يمتلك الإرادة لمواجهة الضغوط من أجل الابتعاد عن السعودية والاتجاه نحو إيران وتفعيل التعاون مع الصين وغير ذلك. في الوقت نفسه، فإن إيران التي تعلن رغبتها في استكمال مساعي الوساطة العراقية بينها وبين السعودية لن تضغط على حكومة السوداني للابتعاد عن الرياض ما لم تجد تهديدا جديا لمصالحها الاقتصادية مع العراق، وهو مستبعد حيث يحتل العراق المرتبة الأولى في حجم الواردات من إيران. كما أن إيران لم تعد راغبة في التحريض "علنا" على الوجود العسكري الأمريكي في العراق مع حقيقة دعمها لأي جهود تبذلها الفصائل المسلحة الحليفة لها في إخراج الجنود الأمريكيين من العراق عبر وسائل سياسية وعسكرية دأبت تلك الفصائل على استخدامها باستهداف المرافق الدبلوماسية وقواعد تواجد الجنود الأمريكيين. ومن غير المتوقع أن تستمر الفصائل المسلحة الحليفة لإيران في استهداف المصالح الأمريكية؛ خشية اتخاذ الإدارة الأمريكية إجراءات ضد حكومة السوداني التي هي في واقعها حكومة "الإطار التنسيقي". وتغيب الكتلة الصدرية عن المشهد السياسي فيما امتنعت عن المشاركة في حكومة السوداني قوى فاعلة في الإطار التنسيقي مثل ائتلاف قوى الدولة الوطنية وكتل سياسية تمثل "انتفاضة تشرين" (احتجاجات شعبية) أو قوى مستقلة مثل حركات امتداد والجيل وإشراقة كانون. ومع هذا الوضع فإن أمام السوداني فرصة لقيادة حكومته وفق توجهات قوى الإطار التنسيقي للهيمنة على مراكز القرار الأساسية في الدولة وقيادة العراق بحكومة "اللون الواحد"، مع واقع يشير إلى أنه تعمّد إقصاء كبار مسؤولي حكومة الكاظمي. لكن كل هذا يجعل الحكومة أمام احتمالات "إسقاطها" في حال أنهى الصدر وضع "المراقِب" بالتراجع عن قراره اعتزال العمل السياسي ليعود إلى واجهة المشهد، إضافة إلى احتمالات عودة الحراك الجماهيري لقوى "انتفاضة تشرين" التي ساهمت في إرغام عبد المهدي على الاستقالة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019. الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
مشاركة :