في غضون ثلاثة أشهر سجل رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني سبع زيارات خارجية شملت بلدانا عربية وإقليمية وتخطت ذلك إلى بلدان أوروبية، ذلك ضمن طموح وجرأة سياسية باقتحام الحدود، وبناء علاقات متينة وتذويب جليد الركود الذي يجعل العراق سجينا رغم كل المخزون الهائل من الثروات والطاقات البشرية الكبيرة التي تمتلكها بلاد الرافدين لكونها حاليا معطلة. صفات السوداني ذلك السياسي الطموح، الحريص، العنيد بمواقفه التواقة إلى تسجيل نجاحات في وقت مبكر منذ توليه موقعه رئيسا للسلطة التنفيذية بنهاية 2022، جعلته يبدأ زياراته الخارجية لبلدان عربية ثم لإيران قبل أن يقصد ألمانيا بزيارة مهمة منذ ثلاثة أسابيع، ليعقبها بزيارة أهم منها مؤخرا لباريس، في إطار برنامج يكاد يكون متشابها من حيث طبيعة الملفات الاقتصادية الاستثمارية والأمنية. والعراقيون اليوم يحكمهم تفاؤل بإمكانية نجاح اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية بين العراق وفرنسا وألمانيا، بالاستناد إلى الرغبة الجامحة معهما للبدء بالعمل، فضلا عن خصوصية التطورات الدولية التي رسمت مسارا جديدا للعلاقات بين الدول، ومن ذلك أن بيانات الإعلام العسكري عن أعداد ضحايا الحرب والقصف والأزمات العسكرية انتقلت من العراق في منطقة الشرق الأوسط إلى أوكرانيا في شرق أوروبا، مع بروز طرف دولي قوي يخيف أوروبا اسمه روسيا بقيادة بوتين، فالفرصة تبدو مكسبا كبيرا بيد العراق لاستثمارها والانفتاح بعلاقات سياسية، اقتصادية، تجارية، استثمارية مع بلدان الغرب والشرق، أينما تلوح فرص تحقيق المكاسب لشعب العراق والتنمية المرجوة. لا شك أن برنامج الزيارات الحكومية الخارجية، سجل انطباعا إيجابيا وتحولا ملموسا في مستوى الأداء السياسي الحكومي للعراق بدور السوداني بشكل مبكر، لكن اللاحق هو الأهم وهو ما نتحدث عنه، كونه يمثل عملية تحتاج إلى ترجمة الاتفاقيات ومذكرات التفاهم إلى واقع عملي يظهر ويحدث تغييرا إيجابيا في قطاعات الزراعة والصناعة والثقافة والنقل والطاقة، ويشمل تطوير القطاعات الخدمية في المدن العراقية لخدمة المواطن، كل ذلك لن يحصل ما لم تتفاعل كل القوى السياسية باتجاه إنجاح البرنامج الحكومي والتراجع عن النهج الحزبي السابق الذي يقف طرفا معوقا لأداء الحكومة لسبب مهم هو الخشية من عدم نجاح الحكومة. إن بلدان العالم اليوم هي التي تأتي إلى العراق وتطلب التعاون والشراكة معه، بعد أن تطور العراق من الناحية الأمنية ليصبح أفضل بكثير من بلدان تنعم بالاستقرار، فالعراق يملك مقومات التأثير لكونه يحتل ثاني أكبر مصدر لتصدير البترول في منظمة أوبك، ويحتل موقعا متقدما في الاحتياطي النفطي العالمي، أما المخزون من الغاز فهو بحسب بعض الدراسات يعد الأول بالمنطقة، والتحدي الأمني لم يعد مخيفا مطلقا في وجه طموحات الشركات العالمية في الاستثمار، فالذي ابتكر العنف وشجع عليه، صار اليوم يعارضه لتبدل الظروف، ولدينا 16 مليون خريج جامعي عاطل، وهذه تمثل ثروة بشرية فاعلة في التنمية الوطنية، فأوروبا بدأت تغازلنا محتاجة، والعرب التفتوا إلينا بحنين الأخوة، والجيران سيتفاعلون مع المنظومة الدولية تجاه بلادنا. لذا فالضغوط التي تواجه حكومة السوداني هي داخلية، وبالإمكان التغلب عليها لترجمة كل معطيات الزيارات الخارجية إلى مكاسب تنقل العراق من واقعه الصعب إلى واقع تنموي جديد أفضل. { أكاديمي وإعلامي عراقي faidel.albadrani@gmaol.com
مشاركة :