قال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ د. صالح بن عبد الله بن حميد إن صاحب المسؤولية المخلص صالح في نفسه، مصلح لغيره، يأمر بالصلاح، وينهى عن الفساد، مؤكدًا أن الإسلام قد جعل من الرقابة مسؤولية يتحملها الفرد كما تتحملها الجماعة، وهذا هو الاحتساب في بابه الواسع. وأوضح خلال خطبة الجمعة من الحرم المكي اليوم، أن الاحتساب بسعته وشموله، رقابة ومراقبة يحمي - بإذن الله - الفرد والمجتمع والمنشآت والدولة من الفساد والإفساد. وبين أن وظيفة الاحتساب وظيفة رقابية في ميادين: الأخلاق، والدين، والسياسة، والاجتماع، والإدارة، والاقتصاد، وغيرها، وقد قال أهل العلم: إن الاحتساب هو الأمرُ بالمعروف إذا ظهر تركه، والنهيُ عن المنكر إذا ظهر فعله، تحقيقاً للعدل، ونشراً للفضيلة، ومكافحةً للفساد والرذيلة، وحمايةً للنزاهة والصلاح، وتعزيزاً للرقابة والمتابعة. وقال خطيب الحرم المكي، إن الاحتساب عمل رقابي توجيهي إرشادي لكل نشاط مجتمعي عامٍ أو خاص لتثبيت أصول الدين، وأحكام الشرع، ومعايير الأخلاق، ورفع كفاءة الأداء، كفاءةً واداءً يتحقق به السلوك الرشيد، وتُعظَّم به المصلحة الفردية والاجتماعية في الدنيا والآخرة. وأضاف أن العامل الصالح، والموظف الصالح، والمواطن الصالح بإيمانه بربه، وبوازع من دينه يجتهد في أداء عمله، ويحرص على منع الممارسات الخاطئة، أو يبلغ عنها لمن يستطيع منعها. وأبان أن العامل الصالح عنده من الصدق في دينه، والأمانة في عمله، والولاء لمجتمعه، والحرص على المصلحة العامة ما يدفعه إلى الإحسان، والجد، وحسن الإنتاج، وعدم الرضا بالفساد والانحراف. وأفاد بأن الفساد بكل أنواعه سلوك منحرف في الأفراد والفئات، يرتكب صاحبه مخالفاتٍ من أجل أن يحقق أطماعاً ماليةً غَير شرعية، أو مراتب وظيفيةً غير مستحقة، مما يؤدي إلى الكسب الحرام، وإضعاف كفاءة الأجهزة والمؤسسات والمنشآت. وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن الفساد منهج منحرف، متلون، متفلِّت، مستتر، محاط بالسرية والخوف، يدخل في كل مجال في الدين والسياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والإدارة. وبين: الفساد تواطؤ وابتزاز، وتسهيل لارتكاب المخالفات الممنوعة والممارسات الخاطئة والفساد استغلال مقيت للإمكانات الشخصية والرسمية والاجتماعية يستهدف تحقيق منافع غيرَ مشروعة، ومكاسبَ محرمةً لنفسه ولمن حوله،وهو سوُء استغلالٍ للسلطة والصلاحية، في مخالفة للأحكام الشرعية، والقيم الأخلاقية، والأنظمة المرعية. وقال الشيخ صالح بن حميد: بالفساد تضطرب الأولويات في برامج الدول ومشاريعها، وتُبَدد مواردها، وتُستنزف مصادرها وبالفساد تتدنى مستوى الخدمات العامة، وتتعثر المشاريع، وبسوء التنفيذ، وتضعف الإنتاجية، وتُهدر مصالح الناس، ويضعف الاهتمام بالعمل، وقيمة الوقت، ويضطرب تطبيق الأنظمة. وذكر أن الفساد يؤدي إلى التغاضي عن المخاطر التي تلحق الناس في مآكلهم، ومشاربهم، ومرافقهم الصحية والتعليمية، وفي طرقهم، والحصول على الخدمات العامة. وبين أن الفساد يزعزع القيم الأخلاقية القائمة على الصدق، والأمانة، والعدل، وتكافؤِ الفرص، وعدالةِ التوزيع، وينشر السلبية، وعدمَ الشعور بالمسؤولية، والنوايا السيئة، والشعورَ بالظلم، مما يؤدي إلى حالات من الاحتقان، والحقد، والتوتر، والإحباط، واليأس من الإصلاح. وتابع: الفساد يجعل المصالح الشخصية تتحكم في القرارات، ويضعف الولاء الصادق للحق والأمة والدولة، ويعزز العصبية المذمومة: مذهبية أو قبلية أو مناطقية، فهو يهدد الترابط الأخلاقي، وقيَم المجتمع الحميدةَ المستقرة والفساد يولد مشكلات خطرة على استقرار المجتمعات وأمنها وقيمها الأخلاقية، وسيادة الأنظمة. وكشف فضيلته أن الفساد يتواصل مع أشكال الجريمة المنظمة والجرائم الاقتصادية بما فيها ما يعرف بغسيل الأموال ويعيق تطبيق الخطط الصحيحة، والسياسات الإيجابية، كما يعرقل جهود التغيير نحو الأفضل، بل إنه يقوض الدول والمؤسسات، ويبعثر الثروات، وينخر في الإدارات، ويتناسب طرداً مع الانحرافات والمنكرات والأمراض المجتمعية والأخلاقية. بين إمام وخطيب المسجد الحرام أن للفساد مظاهر كثيرة، وصور عديدة، ومسالك متنوعة منها الاختلاس، والرشوة، وسوءِ استخدام السلطةِ والصلاحيةِ، وإفشاءِ أسرار العمل، أو كتمانِ معلومات حقها أن تكون معلومة معلنة، في الشأن المالي أو الوظيفي، والعبثِ والتزوير بالوثائق والمستندات والقرارات، وعدمِ احترام العمل وأوقات الدوام - حضوراً أو انصرافاً -، وضعفِ الإنجاز، وقال فضيلته إن مما يعين على درء الفساد: تحديد مسؤوليات الموظف، وإصدار الأدلة الإرشادية، والتوعية المنظمة، وتبصير الناس بحقوقهم، وتشجيعهم على المساعدة في كشف المفسدين ومما يعين على ذلك: إصلاح أجهزة الرقابة، وتقويتها، ودعمُها في كفاءاتها، وتبسيطُ أساليب العمل الإداري، وتقوية الرقابة المحاسبية الإدارية والنظامية والمالية، وسنُّ الأنظمة الصارمة في مواجهة الفساد، وتطبيقها بحزم وعدالة وحيادية. وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن للإعلام دوره الفعال في نشر الوعي الصحيح، والمعلومات والحقائق في تثبت، وتحرِ، وحيادية، وعدم التسرع في توجيه الاتهام للأفراد أو الجهات. ختم الشيخ بن حميد خطبته بالقول: ومما يذكر بإجلال وإكبار، ما تقوم به الدولة - حفظها الله وأعزها - من إجراءات حاسمة، وتوجيهات صارمة، ونجاح متميز، في ملاحقة المفسدين في تحر ودقة، والإعلان عن كل مرتكب لمخالفة، أو فساد مالي، أو إداري. وفي المدينة المنورة، قال إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ حسين آل الشيخ إن تجديد التوحيد لله قلباً وقولاً وفعلاً وسلوكاً وتوجهاً هو أعظم مقاصد القرآن وهو الغاية الكبرى لرسالة الأنبياء والمرسلين عليهم أفضل الصلاة والتسليم. وأضاف أن التساهل انتشر في بعض وسائل التواصل في هذا الجانب، بما في ذلك دعوة الناس إلى صرف الخلق مما هو متيقن من نصوص الوحيين ومما هو محكم لا يقبل الشك والاحتمال، إلى بعض المتشابهات المبنية على فلسفة منطقية أو هرطقة فلسفية هي في أصلها منقوضة وفي نتائجها وأهية ضعيفة أو مبنية على الاستدلال بنصوص موضوعة أو ضعيفة أو على تحريف للنصوص المحكمة بتأويلات تعسفية محرفة عن المقاصد الكبرى للشريعة والمعاني المتفقة للغة العربية. وأضاف فضيلته أن الدعاء والسؤال لا يكون إلا لله سبحانه موضحاً فضيلته أن الاستعانة لا تكون إلا بالله جل في علاه فلا أوضح بياناً وأجلى تعليماً من قول خالقنا جل وعلا حينما نادى عباده بقوله: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم". وبين آل الشيخ أن الواجب على المسلم اللجوء إلى الله تعالى في الشدائد والبليات فهو كاشف المهمات وقاضي الحاجات. وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن من لجأ إلى الأموات ونحوهم فقد وقع في الهلاك الأبدي والعذاب السرمدي مستدلاً بما قاله الشيخ صنع الله الحنفي عن المقريزي الشافعي، أن الكتب الإلهية كلها من أولها إلى آخرها تبطل هذا المذهب وترده وتقبح أهله.
مشاركة :