ما الحِكايةُ؟ (تعريفُها وأنواعُها وأهميتُها في أدب الأطفال والشَّباب)

  • 12/13/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الحِكايةُ (ح ك ي): مصدرُ (حَكَى الحَدِيثَ)، يَحْكِيهِ: سَرَدَه، و(العُقدةَ): شَدَّها، و(الشَّيءَ): أَتَى بِمِثْلِه وعلى صِفَتِه، و(فُلانًا): حاكاهُ وشَابَهَه وفَعَلَ فِعلَه، أو قال مِثلَ قَولَه، و(عنه الكَلام): نَقَلَهُ، (أو) اللَّهجةُ.والحِكايةُ: ما يُحْكَى ويُقَصُّ، وَقَعَ أو تُخُيِّلَ. والحِكايةُ (في القَواعِدِ): (أولًا) نقلُ ما قيلَ كما قيلَ، بلا تغييرٍ ولا تبديلٍ؛ فإذا سمعْتَ أحدَهُمْ يلفظ اسمَ سميرٍ- مثلًا- مَرْفُوعا بالضَّمة، فيقول: (سميرٌ)، وأردتَ حكايةَ قولِه، قلْتَ: [سمعتُ: سميرٌ]؛ فتعيد الكَلام بعينِه؛ ولولا أنَّك تحكي ما سمعْتَ لقلتَ: (سمعتُ سميرًا). (ثانيًا) وللحكايةِ لَفْظَتَا استفهامٍ؛ هما: (مَنْ) للعاقلِ، و(أيُّ) للعاقلِ وغيرِ العاقلِ. وحكمُهما أن يَكُون لهما إعراب الاسْم المسؤول عنه وعددُه وجنسُه. (ثالثًا) حكاية المفرد نوعانِ: (أحدهما): بالأداةِ، كما قدّمنا، و(الآخر): بغير أداةٍ؛ نَحْوَ: (دعنا مِنْ كتابانِ) لمن قالَ لكَ: (عندي كتابانِ). (رابعًا) وحكايةُ الجُمْلَة نوعانِ: (أحدهما): حكايةُ ملفوظٍ؛ نَحْوَ: (قالَ: ويلٌ لكَ)، و(الآخر): حكاية مكتوبٍ؛ نَحْوَ: (قرأتُ: فاتحةُ الكِتَاب). والحكاية- السَّردية: فنٌّ في غاية القِدَم، مُرْتكِزٌ على السَّرْد المُباشر المُؤَدّي إلى الإمتاعِ والتَّأْثيرِ في نُفوس السّامعين، يَتَّخذُ مَوْضوعًا له الأَشياءَ الخَيَاليّة والمُغَامَرَات الغريبة، وقد يُعْنَى بالأُمور المُمْكنةِ الوقوعِ أَو الأَحداث الحَقيقية الّتي يُعدل فيها الرّاوي، ويُقْحم فيها أمالي خَياله وإحساسه، ومحصّلاتِ موقفه من الحياةِ. وتقول العرب: هذه حِكايتُنا! وتقول العرَب أيضًا: (الحَكَّاءُ): الكثيرُ الحِكايةِ، (أو) مَن يَقُصُّ الحِكايةَ في جَمْعٍ مِن النَّاس، و(الحَكَواتي): اسْمٌ لمن يحفظُ القصصَ ويرويها أمامَ النَّاس في المقاهي والسَّاحَاتِ والبُيوت. قبل شروعِه في القِصَّة يحكي لهم مقدمَةٌ تُسمى“الدّهليز” فيها نوادرُ ونصائحُ وأحاجٍ. وبعد ذلكَ، يكمِلُ ما كان قدَّمَه لهم في اللَّيْلةِ السَّابقةِ من سِيَرٍ شّعْبِيّة ودينية وتاريخيَّة وقصص اجتماعيَّةٍ ناقدَةٍ. وكان يُلَقَّبُ بعدة ألقاب تتناسبُ والموضوعاتِ التَّي يطرحها. فكان يُدعى“السَّمير”؛ أي: حكواتي السَّهراتِ واللَّيالي، و“المدَّاحَ أو المقلدَ”، وهو الّذي يعتمدُ في قَصَصِه على الإيقاعِ والإنشادِ والحَرَكةِ، و“المحدِّثَ”، الّذي يتناولُ المواعظَ الدّينيَّةَ والأحاديثَ النَّبويَّةَ، و“القصاصَ”، وهو مَنله منبرٌ خاصٌّ في المساجدِ، ويستمدُّ أحاديثَه من القرآنِ الكريمِ، و“المسمر”، واسمه مُستوحى من سَمَرِ اللَّيْلِ، وكان معروفًا قبل الإِسْلام، و“الفداوي”؛ أي: الرّاويفي بلاد المغرب، وكان يستخدمُ أحيانًا المكياجَ والمساحيقَ لتغيير ملامِحِ وجهِه، ويبدلُ لهجاتِ صوتِهِ بما يتناسبُ ودورَ الشَّخْصِيَّة التَّي يروي عنها. وقد ترافقُه الموسيقا (الرَّبابة، والطَّبلة، والفلوت..)، وهو يقوم بدورٍ تثقيفيٍّ مهمٍّ في المجتمعاتِ البسيطةِ، وعليه مسؤوليَّةٌ اجتماعيَّةٌ في بيئةٍ لا تفقه القِرَاءَة والكِتَابَة. برونو بتلهايم (1903 – 1990) ولا يمكن الحديث عن الحكاية من دون التّوقف عند (برونو بتلهايم) وتحليله النّفسي للحكايةفي كتاب (التَّحليل النَّفسي للحِكَايَات الشّعْبِيّة)، فهو لا يحاول أن يساعد الأهل- فقط- في تربية الطِّفْل عن طريق تشريح عالمه ومشاكله وسيروراته الدَّاخليةِ؛ بل يتطرقُ أيضًا إلى وضع الأهل ومشاكلهم النَّفسيَّة والاجْتِمَاعِيّة، ويوضح مدى تأثيرها على الطِّفْل؛ فيشير مثلًا إلى نقطة مهمة في تربية الطِّفْل، هي “وضع الوالدين الثَّقافي والنَّفسي”، ويؤكد أن المشاكل التي يعاني منها الوالدان- كسوء الثَّقَافَة وسوء التَّقدير وعدم اختيار الطُّرق الصَّحيحة أو مشاكل “أوديبية”- لم يتوصَّلا سابقًا إلى حلِّها والتَّخلص منها في صغرهما؛ كل ذلك يمارس فعلًا سيئًا على الطِّفْل، مما يجعل من “المساعدة المرجوَّة” طريقًا لتدميره، ومن الأمل الموضوع فيه يأسًا. و(بتلهايم) الّذي انصرف إلى الدِّراسة والبحث النَّظري والميداني في سبيل مساعدة الأسرة في تربية الطِّفْل، يدافع بشدة عن (الحكاية الشّعْبِيّة) التي أُهْمِلَت حاليًّا واستبعِدَتْ في أحيان كثيرة من تربية الطِّفْل المنزلية، ودفاعُه يستمد قوته من كونه توضيحًا لماهية هذه (الحكاية) ومقدار فعاليتها وجدارتها اليوم كما كانت في قديم الزَّمان، ودحضًا للتَّخوف من خرافيَّتِها وبُعدها عن الواقع، ومطالبة بإعادتها إلى ميدان التَّربية لما تتحلى به من مميزات، فهي تجسد لِلطِّفْلِ المشكلةَ وتصور له أبعادَ الخير والشر، ثم يَظهر دائمًا في نهايتها انتصار الخير وهزيمة الشَّر، تاركة لِلطِّفْلِ أن يختار ويقرر ما يتخذه، في مقارنة بينها وبين القصص الواقعيَّة. ويشير (بتلهايم) إلى فائدة النَّوْعين؛ لكِنَّه يفضل الحكاية الشّعْبِيّة لكونها تمتاز بمخاطبة الطِّفْل بشكل رمزي يترك له حرية التَّحرك والتَّعلم منها بقدر ما يسمح نموُّه، وفي الوقت نفسِهِ، تبقى العناصر الأخرى في اللَّاشعور تعمل عملَها في الخفاء ولا تظهرُ إلا عندما يصبح باستطاعة الطِّفْل هضمها. فـ(الحكايةُ الشّعْبِيّةُ) لا تفرض واقعًا ذا بُعد واحد على الطِّفْل أن يقبل به ويعمل بموجبه؛ بل تدغدغ خيالَه وتنشطه وتترك له حرية الفهم والاختيار. من أَنْوَاعِ الحكاية: النَّوع الأول: (الحِكَايةُ الشّعْبِيّةُ) قصّةٌ نثريّةٌ تقليديّةُ المُحتوى، تنتقلُ من جيلٍ إلى جيلٍ انتقالًا شفهيًّا، من طريق الإنشاد أو الرِّوايةِ، وهي حاصل ضرب عدد كبير من ألوان السَّرْد القصصي الشَّفهي الّذي يتعرض للزّيادة أو النّقصان وفقًا لمزاج “الحَكَوَاتي” وقدرته على الحفظ أو على التَّخيل. وهي تجمع بين تفاصيل الحَيَاة الوَاقِعِيَّة المعقولة واللَّامعقول، وتنتهي نهايات شِعْرِية؛ أي: (انتصار الخير وانهزام الشّر). ويقول (بيرو) عن (الحِكَايَة الشّعْبِيّة): “إن أسلافنا اخترعوها لأولادهم”. ولكي يوضح (بيرو) علاقة الحِكَايَة بالطُّفُولَة، نشرَ (قصص أو حِكَايَات الزَّمَنِ الغابر مع الأخلاقيات) باسْم ابنه (بيير دار منكور)، الّذي كان يبلغ من العمر تسعَ عشرةَ سنةً والّذي تزعم بعض الوثائق أنَّه المؤلف الحقيقي لها. و(الحِكَايَات الشّعْبِيّةُ) قد تشتملُ على عناصرَ أسطوريّةٍ، ولكن هذه العناصر تكونُ خاليةً عادةً من أي مغزًى دينيٍّ. ومع ذلك فإن بعض الباحثين لا يرسمُ خطًّا فاصلًا بين (الأُسْطُورَة) و(الحكاية الشّعْبِيّة). وقد تنتقلُ (الحكايةُ الشّعْبِيّةُ) من أُمّةٍ إلى أخرى، وكثيرًا ما يُعمَدُ إلى تسجيلِها أو تدوينِها خوفًا عليها من الضّياع. ولعلَّ من أفضلِ الأمثلة على (الحكايةِ الشّعْبِيّةِ) في الأدب العَرَبِيّ قصّة (الزِّير سالم)، وقصّة (علي الزّيبق المصري)، وقصة (عنتر). و(الحِكَايَات الشّعْبِيّة)– أو (الفُولْكلُور)– مصدر مهمّ مؤثِّر مِن حيث الشَّكّل أو الموضوعات أو من حيث المحتوى التَّعْليمي أو النُّمُوّ الفكري على الأَدَب الّذي يستوحي مِن (الفُولْكلُور)؛ فقد استقى (آبوليه) أحداث روايته (الحِمَار الذَّهبي) مِن إحدى الحِكَايَات القديمة، وكذلك (هيرودوت) وكتّاب إيطاليا ابتداء مِن القرن الرّابع عشر مثل (بوكاس) في كتابه (الديكاميرون). وتظهر آثار الأساطير القديمة في (الباتنا ميرون)، و(الهيكتا ميرون)، و(حِكَايَات كاتنربري) الَّتي وضعها (شوسير). أناتول فرانس جورج صاند بلزاك وقد استخدمت (الحِكَايَات الشّعْبِيّة) أيضًا مِن قبل: (غوتيه)، و(السّيّدة جينليس)، و(بلزاك)، و(جورج صاند)، و(ألفونس دوديه)، و(كوبيه)، و(لابولاي)، و(أناتول فرانس)، و(كارمن سيلفا)، و(آندرسن)، و(توبيليوس)، و(ديكنز)… وغيرهم. وفي (الاتِّحاد السّوفياتي)، استوحى كبار الكتاب من (الفُولْكلُور)، مثل: (هيمنيتسر)، (جوكوفسكي)، (بوشكين)، (ليون تولستوي (1828-1910)، و(مكسيم غوركي).  وتبدو الحِكَايَات الشّعْبِيّة، عبر العصور والشُّعُوب والحضارات، كأنها أَدَب حقيقي يخاطب الطُّفُولَة. وتلعب معرفةُ (الحِكَايَات الشّعْبِيّة) القديمة الفُولْكلُورية- حسب (غوركي)– دورًا كبيرًا نافعًا جدًّا [عند الكتَّاب النَّاشِئين المبتدئين]، فيقول: جوركي “وقد لاحظ قبلي كثيرون أن معظم أَدَباء اليوم مِن الشّبان حريصون على أَنْ يَكُونَوا أوفياء للواقع، يريدون تصويره في شعرهم وفي نثرهم، لكِنَّهم لا يجدون إلا كَلِمَات باهتة باردة جافة جدًّا، بينما يتطلب عصرنا حواس ومشاعر رفيعة في المزاج وفي السُّخْرِيَة. ويمكن أن تنمي الحِكَايَات الشّعْبِيّة مخيلة هؤلاء الكتاب وأن تقودهم إلى إدراك أهمية الإبداع في الفن وإلى إغناء مفرداتهم”. ويقول (مكسيم غوركي): “أما أنا شخصيًّا، فإنني أعلن صراحة بأن الحِكَايَات القديمة أثّرت تأثيرًا عظيمًا في نموي الفكري حين كانت تُتاح لي الفرصة لسماعها مِن شفتي جدتي ومِن قصّاصينا القرويين. وقد تضاعف احْتِرَامي لهذه الحِكَايَات الشَّفهية أيضًا، عندما عرفت أنها كانت تطبع؛ فحين بلغت سن الثَّانِية عشرة وقعت على طبعة ريفية مِن (الحِكَايَات الجديدة العَرَبِيّة) تعود إلى القرن الثَّامِن عشر”. والاستعانة بالآراء القديمة في كِتَابَة (الحِكَايَة)، تدعونا إلى أن نسير وفق منهجين اثنين: (أحدهما): المُبَالَغَة المفرطة الممنهجة في التَّنمِيق والتَّزيين والزَّخْرَفَة على طريقة السّيّدة (أولنو)، و(الثَّاني)، على العكس من ذلك، تحلية الأمور وتلطيفها واستخْدامها في سبيل غايات تَرْبَوِيّة حصرًا باللُّجُوء إلى بعض العناصر الَّتي تشيد بالأخلاق عند الطِّفْل العاقل وبالمكافأة الَّتي تنتظره، كما هي الحال عند (جان ماسي). وإذا كان كل من (جان ماسي)، والسّيّدة (أولنوا) منسيين اليوم تمامًا؛ فإن منافسِيهما من المحدثين غير مقروئين أبدًا. أما بالنّسبة إلى الجمهور، فلا يمكن اعتبار الأَطْفَال جمهور الحِكَايَة الشّعْبِيّة إلا بعد غربلتها وتمحيصها من قبل أَدَباء الأَطْفَال والتَرْبَوِيّين، وإلا أساءت إلى الطِّفْل بدل أن تفيده. ومن (الحِكَايَات الشّعْبِيّة العَرَبِيّة: ألف ليلة وليلة): وهي مجموعةُ قصصٍ متسلسلة اختلف البَاحِثون في أصلِها وتاريخها. ولها أصلٌ نقل عن الفارسية قبل القرن الرَّابع للهجرةِ عن كتاب (هزار أفسانه). وقد أضافَ العربُ إلى هذه القصص ووسَّعوها وغيَّروا وبدَّلوا فيها حتى صارَت إلى ما صارَت إليه. وهي تمثِّل الآداب الاجْتِمَاعِيّةَ في القرون الإسلاميَّة الوُسْطَى. راوية ألف ليلة وليلة، القاهرة، 1911  وتتميز (الحِكَايَة الشّعْبِيّة العَرَبِيّة: ألف ليلة وليلة) بـ: (أولًا) أماكنها السِّحْرية الغريبة. (ثانيًا): دسائسها السِّرية الخفيفة. (ثالثًا): منطقها الخاصّ الّذي لا يشبه منطِق الحِكَايَات الغربية. (رابعًا): تغيرات شَخْصِيَّاتها العجيبة مما لا نجدُه في الفكر الغربي [الرِّجَال يتحولون إلى بهائم أو كائِنَات غريبة، أو إلى مَرَدة وعفاريت على نسق بداية إحدى الحِكَايَات العَرَبِيّة: “يا أمير الحِكْمَة العظيمة! سوف تعرف أننا ثلاثة أخوة: هذان الكلبان الأسودان اللَّذان تراهما، وأنا ثالثهما!”]. وجَمعُ (الحِكَايَات الشّعْبِيّة) يذكرنا بـ(حِكَايَات أمي الإِوَزَّة)، وهو كتاب جمع فيه (شارل بيرو Charles Perraut(1628- 1703) عددًا من (الحِكَايَات الشّعْبِيّة) في أوروبا؛ منها: (جميلةُ الغابةِ النّائمةُ)، (اللّحيةُ الزَّرقاء)، (سندريللا)، (القِطُّ في الحذاء الطَّويل) الشَّهِيرةِ، مذكرًا بجمال حِكَايَات الزَّمَن الغابر، زمن الجِنِّيَّات والعَفَاريت الخبيئة والغُول المخيف، أو زمن الميثولوجيا الفرنسية الَّتي كانت منسية.  وتعتبر هذه المجموعة أولى مراحل التَّكوين الحقيقي لأَدَب الأَطْفَال والنَّاشِئَة كونها كتبت خصيصًا لهم بهدف التّسلية والتَّرفيه. ومنذ ظهورها أخذ أَدَب الأَطْفَال والنَّاشِئَة يستقل عن أَدَب الكبار ويخرج عن وصايته وينفصل تدريجيًّا عن أحضان الآداب الشّعْبِيّة. وأثرَتْ (روز غرَيِّب) (التُّرَاثَ الفولكلوريَّ اللّبناني)؛ فقامت بدراسة الحِكَايَات الشّعْبِيّة اللُّبْنَانِيَّة، وصاغَتْها بأُسْلُوب يناسب الصِّغَار وقدمتها إليهم من دون أن تنسى التَّعْليق على هذه الحكايات في هوامش القصص الجديدة، أو تهمل ذكر المقارنة بين بعض الحكايات الشّعْبِيّة وغيرها من الأوروبية. شارحةً المرادفاتِ في الهوامش السّفليةِ، إلى جانبِ استخدامِها التَّعليق على هذه القصصِ والمقارنةِ بينها وبينَ الحِكَايَات الشّعْبِيّة الأوروبية؛ كما فعلَت حين أشارت إلى التَّشابُه بين بعضها وبعض الحِكَايَات الغربية؛ كالتَّشابُه بين قصتي: (نادرة والسَّمَكة) اللُّبْنَانِيَّة و(الأمير الضّفْدَع) لـ(الأخوين غريم)، وقصتي: (الرّيحانة) اللُّبْنَانِيَّة و(شجرة العرعر) لـ(لأخوين غريم) أيضًا. وقد وسَّعت القاصَّة الحكايتين ولم تنقلهما كما سمعتهما، وإن استبْقَت “المشاهد العنيفة” في (الرّيحانة) بما لا يتناسب مع عملية التَّحْوير القائمة على إزالة ما لا يناسب جمهور القراء. وقد أضافَ أُسْلُوب الكَاتِبَة المبدع إلى هذه الحِكَايَات ألقًا. ولا يمكن الاقتصار على ذكر اسم حكاية واحدة، أو اثنتين، فهي حكايات كثيرة وجميلة؛ منها: حكاية (المرأة الَّتي تأكل على خرم الإبرة)، وحكاية (المُنَجِّم عصفور)، وحكاية (النَّمْلة والبُرْغوث)، وحكاية (العجوز والذّئب) الشّعْبِيّة، وفي الأولى والثّانية نكتشف نموذجين من النَّاس الكذّابين: امرأة ورجل، وفي الثَّالثة نكتشف أناسًا غوغائيين، بينما نكتشف في الرَّابعة نموجًا من اللّصوص؛ هو (الذّئب)، إذ اكتشفَتِ العَجُوزُ أن الذِّئْبَ هو الّذي يسرقُ الحليبَ من بيتِها فضربَتْه وقطعَتْ ذنَبه وطلبَتْ منه- لقاءَ إعادتِهِ إليه- أن يحضرَ لها سَطْل حليب بدلَ المسروقِ. وبعد تحرُّكٍ مُرهِق استغرقَ وقتًا طويلًا، اسْتَطاعَ أن يحضرَ لها سطْلَ الحليبِ؛ لكِنَّه لم يستطِعْ أن يلزقَ ذنَبَه؛ فتركَهُ ومَشى! قد أرادَت القاصَّة القول إن السَّارِقَ يعاني إلى الأبدِ التَّشَوُّه وذلك من خلل التَّرْكيز على الشَّكْل المشوَّه الّذي يعني- حقيقة- تشوُّهَ السُّمعة الّذي لا يمكن تصحيحُه، تمامًا كما لا يمكن إعادة الذَّنَبِ المقطوعِ، مما يعني الدَّعْوةَ إلى ألا يُرْتَكَب الخطأُ أصلًا وما التَّرْكيز على التزام القيم الإيجابيِّة ونبذ السّلبيَّة إلا غاية من غاياتِ الحِكَايَات الشّعْبِيّة الَّتي يشكِّل الهاجسُ الاجتِماعيُّ فيها هدفًا يُسْعى له. تحويل الحكاية الشّعْبِيّة إلى حِكَايَة مناسبة لِلأَطْفَالِ: (أولًا): الانتقال من اللُّغَة الرَّكِيكة الخشنة الصَّريحة إلى اللُّغَة السَّليمة غير الصَّعْبة. (ثانيًا): تخفيف الأَفْعَال القاسية ومشاهد الرُّعْب. (ثالثًا): إلغاء قصص الفجور والفحش الَّتي تكون موجودة في بعض الحِكَايَات [كما في الحِكَايَة الأصلية لألف ليلة وليلة]، بل تبديلها بقصص خفيفة ظريفة مناسبة لِلأَطْفَالِ والنَّاشِئَة. (رابعًا): عدم إقحام النّظريات السِّياسِيّة في الحِكَايَة خدمةً لرأي صائغها فتسيطر على لب الحِكَايَة وما وضعت من أجله. (خامسًا): عدم اسْتِخْدام الرُّمُوز الَّتي يصعب على الطِّفْل فهمها. (سادسًا): الإبقاء على المعاني الخلقية أو الاجْتِمَاعِيّة الأصلية لهذه الحِكَايَات على أن تصاغ بأُسْلُوب شائق غير مباشر. النَّوع الثّاني: (الحِكايةُ الرَّمزيةُ) حكايةٌ خياليّةٌ قصيرةٌ نثريّةٌ أو شعريّةٌ ذات مغزى أخلاقيّ. شخصياتُها في معظم الأحيانِ حَيَوَاناتٌ، وفي بعضِ الأحيانِ جَمَاداتٌ تفكّرُ مثل تفكيرِ الإنسانِ وتنطقُ بلغتِه (التَّأْنِيس). ولعلَّ أقدمَ الحِكَايَات الرّمزيّة المعروفة الحِكَايَات المَنسوبة إلى (إيسوب)، وحِكَايَات (كليلة ودِمنة).  أمَّا أشهرها على الإطلاقِ، فهي (الحِكَايَات الرّمزيّة) التي صاغَها شعرًا الشّاعر الفرنسيّ (لافونتين) بين عامي 1668 وعام 1694. وهذه الحِكَايَات، التي نُقِلَتْ إلى مُعظَمِ لغاتِ العالمِ الحيّة، لم يبدعْها(لافونتين) إبداعًا؛ بل استمدَّ أكثرَها من (الحِكَايَات الإيسوبيّةِ)، و(الحِكَايَات الشَّرْقيّةِ) الموضوعةِ على ألسنةِ الحَيَوَان، فأخرجَها إخراجًا جديدًا تميّزَ بالظّرفِ والحيويّةِ وبالبراعةِ في السّردِ واستخلاصِ العِبَرِ.  النَّوع الثَّالث: (حِكَايَات الجِنّ، وحِكَايَات الجِنِّيَّات الحديثة) (حِكَايَات الجِنّ): نمط من أنماط الحِكَايَات الشّعْبِيّة تغلب عليه صفة الخوارق، وتقوم بالأحداث فيه شَخْصِيَّاتٌ خارقة أيضًا. وتدور أحداث هذه الحِكَايَات في بلاد بعيدة بعيدة جدًّا، فيُخرجها هذا البعد السَّحيق عن عالم الواقع حيث تقع فيها مُغَامَرَات عجيبة لا حدود لها تقوم بها شَخْصِيَّات لا أَسْماء لها، لأنها نماذج: (كالملك والملكة والوزير والرَّجل العجوز والسَّاحرة…). وقد يُطلق على الأبطال أَسْماء تتسم بالتَّعميم: (الشَّاطر حسن، الشَّاطر محمد….). وهي كلها قصص نثرية تتسم بالسَّذاجة، وعدم الصَّقل، لكِنَّها تحتل مكانة ممتازة من الإبداع الشّعْبِيّ العالمي بصورة عامة، والعَرَبِيّ والإسلامي بصورة خاصة. وتُستخدم في هذه الحِكَايَات عبارات مسجوعة مشهورة تصلح لكل شَخْصِيَّة مشابهة أو موقف مماثل. أما (البطل)، فلا يقوم بالحدث الخارق؛ بل يَعْتَمِد على شَخْصِيَّة خارقة يكسب ودّها بجميل يصنعه لها أو فضيلة تفتنها أو كلام يخلبها. وإذ تتصف هذه الحِكَايَات بقلَّةِ شَخْصِيَّاتها، فهي غالبًا ما تنتهي بخاتمة سعيدة بفضل الشَّخْصِيَّة الخارقة من عالم الجان الّذي يتنوع من خيّر مُعين أو شرير خبيث. وقد أحدثت هذه الحِكَايَات انقسامًا في أوساط المربين؛ فقال بعضهم بأنها يجب أن تُستبعَد؛ لأنها تنشر الخوف في نفوس الأَطْفَال، بينما قال بعضهم الآخر بأنها تساهم في اطّلاع القراء على صعوبات الحَيَاة ومعضلاتها ما يدفعهم إلى التَّفكير عن حلول لها. ومنها (حِكَايَات الجِنِّيَّات الحديثة): حِكَايَات جديدة كتبتها السّيّدة (دو سيغُور) في عام 1857. وقد نجحَت في تناول بعض الأفكار الفُولْكلُورية الكبيرة: الممنوعات والمحن في: (هنري الصَّغِير الطَّيِّب)، الثَّمَرة المحرَّمة والتَّغيّرات في: (بلاندين)، والأُخْت البشعة في: (الأَميرة روزيت)، والجميلة والبهيمة في: (الدُّبِّ الصَّغِير)، فامتلأَت الحِكَايَات بأمور سِحريَّة وأماكن عجيبة وكائِنَات غريبة: جنِّيات طيِّبات أو شريرات، حَيَوَانات ناطقة، مخلوقات وسيطة. وكلها تفرض نفسها على القارئ بقوة إلى درجة تجعل من الصَّعْب الشَّكّ بوجودها؛ فكأنها حقيقة لا تحتاج إلى تفسير أو مُسَلَّمة لا تقبل بمثل هذا التَّفْسير. رسالتها: تشجيع الطِّفْل على النِّضال ضد المصاعب الجسيمة في الحَيَاة وأغلبها جوهري [الموت، الشَّيخوخة، الحَيَاة الأبدية…]، بدلًا من تجاهلها والهروب منها. كذلك تُثري حِكَايَات (الجنِّ والشَّياطينِ والأشباحِ) الخيالَ؛ ولهذا نهلَ (أدباءُ الأطفالِ والنّاشئةُ) من هذا الخيالِ السَّائِد، وإنْ سخروا من مُصدِّقي وجودِها داعيَن إلى تكوينِ فردٍ منطقيٍّ واقعيٍّ في الوقتِ الّذي لم يغلقوا البابَ أمامَ الاستمتاعِ بالجواءِ اللَّامَعْقولةِ الَّتي تتحركُ فيها الكائِنَات الَّتي تذكرُنا بـ(أليس في بلدِ العَجائب)، والَّتي يدل الاستمتاعِ بوجودِها على ثراء الخيال الطُّفولي. وقد استخدمَها أدباءُ الأطفالِ في حِكَايَاتهم وقصصهم، فأشارت (رُوزْ غرَيِّبْ) إلى اعتقاد (جِحا) بوجود الجنِّ والشَّياطينِ والأشباحِ وقتَ عدَّ الحميرَ فوجدَها ناقِصَّة، فظن أنها اختطفت النَّاقص، وأصرَّ أن يأخذ معه ابنَه في المرة القادمة خوفًا من السّرقةِ. وأضافَتها (إملي نصر الله) إلى الجزء الثَّانِي من قصة (أندا الخَوتا) التي تهربُ من واقعِها إلى “عالمِها الآخر الغريبِ”، عالمِ الجنِّ الّذي زينَتْه القاصَّة بألحانٍ وغناء يأتيانِ من “الوادي المسحور”، ودعمَتْه بأسطورةٍ قرويةٍ أو خرافةٍ تقول: “سوف يأتي شخصٌ واحدٌ يَطْلُع من المجهولِ، يوقظُ أشباحَ الوادي لتنشدَ ترانيمَ عالمِها، ترانيم لم يسمعْها أحدٌ من قبل..”. ودعمَتِ القاصَّةُ الأُسْطُورَة باستشارةٍ شَخْصِيَّة غريبةٍ هي شَخْصِيَّة “الدَّحنون”– ربيب البراري والكروم الّذي لا أحد يعرفُ أسرارَ اللَّيالي المقمرةِ سواه- فيعيدُ الأُسْطُورَة ويضيف إليها فلسفةَ (أندا) القائمة على سرها وهو أنها تزور الوادي ” لتلتقي أصدقاء عالمِها الآخر حيث النُّور والفرح والموسيقا، فإذا (أندا الخَوْتا) جنّيَّة أو ساحرةٌ اكتشفَ أهل الضَّيْعة سرها، وسعدوا باكتشافهم هذا. النَّوع الرّابع: (حِكَايَات الألْغاز) قبل أن نتكلم عن (حكايات الألغاز)، نددخل- لغويًّا- إلى مفهوم )الأَلْغَازُ، والأُلْغُوزَةُ، والإلْغَازُ) (ل غ ز): (الأَلْغَازُ): طُرُقٌ تُشْكِلُ على سالكِها، (أو) الأَحَاجِيُّ، و(الأُلْغُوزَةُ): اللَّغْزُ، (أو) ما يُعَمَّى به مِن الكَلام، وجمعُها: أَلاغِيزُ، و(الإلْغَازُ): مَصْدَر أَلْغَزَ، و(إلغازُ الكَلام والإلغازُ في الكَلام): تعميةُ مُرادِهِ وإضمارُهُ على خِلافِ ما أَظْهَرَه، و(الإلغازُ في اليمينِ): التَّدليسُ فيها على المـَحلوفِ له، بالإضافةِ إلى أنها جِحَرَةٌ يُلْغِزُ بها اليَرْبُوعُ في جُحْرِه يَمْنَةً ويَسْرَةً. وتسمى (الألغازُ) عند العرب الحُكَيْكَةُ (ح ك ك): اللُّغْزُ والأُحْجِيَّةُ، وجمعها: حُكَيكاتٌ. وهي (حِكَايَات شّعْبِيّة) تحفل بالألغاز الَّتي هي مسائلُ يطرحها العقل الإِنْسَانِيّ تتطلب حلًّا بالخاطر الذَّكي أو العَمَل الإرادي. ومنها ما هو (تفسيريٌّ) شارح للظواهر كـ(الأُسْطُورَة)، أو (تعليمي) يرسم حقيقة من الحقائق أو معرفة من المعارف، ومنها ما يستَهْدِف الاختبار العَقْلِيّ أو تزجية الفراغ بالرِّياضَة الذِّهْنية: [ألغاز فرعون مصر وملك الحبشة، ألغاز ملك بابل وفرعون، ألغاز الملك سليمان الحكيم وبلقيس ملكة سبأ، أوديب والوحش الخرافي…]. النَّوع الخامس:(الأَسَاطِيرُ) (الأَسَاطِيرُ): الأباطيلُ، والأَحاديثُ العَجيبةُ، الواحدُ: أُسْطُورٌ وأُسْطورَةٌ، وإسْطارٌ وإسْطارَةٌ، وإسطيرٌ وإسطيرَةٌ، (أو) هي القِصَصُ أو الحِكَايَات التي يمتزجُ فيها الخَيَال بالتَّقاليدِ الشّعْبِيّةِ وبِالواقعِ، و(الأُسْطُورُ): ما يُسْطَرُ ويُكْتَبُ، وهو واحدُ الأَساطيرِ، وهي الأَكاذيبُ، و(الأُسْطُورَة): الحديثُ أو الحِكايةُ لا أَصلَ لهُ، وهو سَرْدٌ قَصَصيٌّ مشوَّه للأَحْداثِ التَّاريخيَّةِ تعمدُ إليه المخيلةُ الشّعْبِيّةُ، فتَبْتَدعُ الحِكَايَات الدّينيّةَ والقوميّةَ والفلسفيّةَ، لتُثيرَ بها انْتباهَ الجُمْهورِ. و(الأُسْطُورَة) تَعْتمدُ عادةً تقاليدَ العامّةِ وأَحاديثَهم وحِكَايَاتهم، فتَتّخذ منها عُنصرًا أَوَّليًّا يَنْمو مع الزَّمنِ بإضافاتٍ جديدةٍ، حَسَب الرُّواةِ والبُلْدانِ، فتُصبحُ غَنيّةً بالأَخْيلةِ والأَحداثِ والعُقَدِ، وقد تكونُ (الأُسْطُورَة) من صُنْعِ كاتبٍ أو شاعرٍ معيَّنٍ غاصَ على أحلامِ شَعْبِهِ وأَدْركَ العواملَ المُثِيرةَ له، وتوسَّلَ بأُسْلُوبه الخاصِّ وَضْعَ أُسْطورةٍ ناجحة ما تلبثُ أَنْ تُصبحَ مَعَ مرورِ الزَّمنِ من الفُولْكلُور المَحلّيِّ أَو التُّرَاث الشّعْبِيّ. وقد اشتهرَ مِن (الأَسَاطِير العالميَّة): (الإلياذة)، و(الأوديسة) و(كلكامش)، وجمعُ الأُسْطُورِ والأُسْطُورَة: أَساطِيرُ. (إِيجابيَّاتُ الأُسْطُورَةِ): أنها توسِّع خيالَ الطِّفْل بما تقدِّمُه من حوادثَ وتفسيراتٍ خياليَّة. أما (سلبيَّاتُ الأُسْطُورَةِ): فيرى بعضُ التَّربويين أنَّ هناك سلبيَّات في أثرِ الأُسْطُورَة على الطِّفْل منها: (أولًا) وقوع الطِّفْل في حيرة وعدم وضوح رؤية الأُمور بسبب مَزْجِ الواقع بالخيال. (ثانيًا) كثرة الرُّمُوز والإيحاءات الدَّالة على معانٍ خفيَّةٍ تفوق قدرة الطِّفْل وإمكانياتِه الخياليَّة والفكريَّة. (ثالثًا) احتواء بعض الأسَاطير على أحداثٍ تخيفُه وتزعزعُ ثقتَه بنفسِه وتوقعُه في حيرةٍ وبلبلةٍ فكريَّة. النَّوع السَّادِس: (الخُرَافَةُ) الخُرَافَةُ (خ ر ف): الحديثُ المَكذُوبُ المُسْتَمْلَحُ. وهي حِكايةٌ خياليّةٌ تروي أحداثًا مِن المُحالِ وُقُوعُها، وتتضمَّنُ دلالاتٍ رمزيّةً ودروسًا أخلاقيّةً، وإن لم يكن عنصرُ المُحالِ هو جوهر المعنى. وقد تتضمّن تَقْليدًا قديمًا أَو حكاية عن شَخْصيّات، وأَحداث، وتشيرُ عادةً إلى ظاهرة طبيعيّة أَو إلى مَرْحَلَة تاريخيّة، أَو إلى مَضْمونٍ فلسفيٍّ، أَو خُلقيّ، أَو دِينيّ، وهذا ما يميّز الخُرافة عن الرَّمْز والمَجاز المحدودَي المَدْلول. ويقال إنّ جميع الميثولوجيّات العالميّة ٱنْطلقت من أُسُس خُرافيّة، تَشَعّبت وتلاحمت لدى عَدد من الشُّعُوب فَتُكَوّن مِنْها وَحْدَةٌ مترابطة، وجمعها: خُرافاتٌ.  ومن أشهرها: (أ)(خُرافات إيسوب أو أيزوب Esope):  أجمعَ البَاحِثون على أنه ولد عام 620 ق.م، وتخلَّص من عبوديتِه، وكتب قصصَه وخرافاتِه الَّتي لعبَتْ دورًا مهمًّا في تهدئة الخواطر وإخماد الفتن في بعض المدن اليونانيَّة. واعتُبِرَت خرافاتُه أول لون أَدَبي يوناني قديم أنطقَ فيه الشّاعرُ الطَّيرَ والحَيَوَان بأعمق الحِكَمِ. وقد ترجمَها إلى اللَّاتينيَّةِ (فايدروس) الّذي قلدَهُ كتَّابٌ كثيرون في الغَرْبِ ونقلوا عنه؛ ومنهم الشَّاعر الفرنسي (لافونتين). وينْسَب كتاب (خرافات أيسوب) الإغريقي النَّثْري الحالي إلى راهبٍ عاش في القرن الرّابع عشر الميلادي يُعْرَف باسْم (بلانود). وتُرجم هذا الكتاب إلى اللُّغات العالميَّة، ومنها العَرَبِيّة، وأضيفت إليه- مع الأيام- خرافاتٌ من أصْلٍ شرقيٍّ. (ب)(خُرَاَفاتُ لافُونتين): يدين الفرنسيُّون إلى جان دو لافونتين Jain de la Fontain(1621- 1695) في خَلق البذرةِ الأَوَّلى لأَدَب الأَطْفَال والنَّاشِئَة نظرًا إلى ما كان يملكُه من رهافةٍ ذهنيَّة رفيعةٍ برزَتْ في أساطيرِه- أو خرافاتِه أو أمثالِه- الَّتي نشرها على لسانِ الحَيَوَان في الأعوام: (1668- 1694) وقد كُتِبَتْ للكبارِ أصلًا. (ت)(الخُرافة الحديثة “النَّزوة التَّافِهة”، أو السّخف من أجل السُّخف): إن قِصَّة النَّزوة الخَيَاليّة المرحة لم تمُتْ؛ بل إنها تأخذ من الواقع وتفسره بأُسْلُوبها، وبذلك تخلق قصصًا “ميتولوجية” جذابة وجديدة، فمن أحلام اليقظة حول “طابع البريد”، مثلًا، تولد قصص رائعة. وهناك حِكَايَات ساخرة حول: ولادة السُّكَّر والرّز والبن و… وقد تأخذ هذه النّزوة الخَيَاليّة شَكْلًا رائعًا يشدّ الصِّغَار، لكِنَّها لا تترك أرضنا أبدًا ما دامت موضوعاتها من حياتنا. وفي العَمَل الأَدَبِيّ الّذي يمزج بين الحقيقة والنَّزوة الخَيَاليّة قد تكون للنَّزوة الخَيَاليّة القوة الثَّانِية، وهنا يحدث أن نجد بعض الأمور الثَّانَويّة المألوفة في قصص (الجِنِّيَّات): كالعربة الَّتي تجرها الأفكار الشَّاردة المجنّحة، أو كما يحدث في القِصَّة الَّتي كتبها (ب. لافيرن) تحت عنوان (السَّمكة الذَّهبية)، إذ تظهر الجِنِّيَّة في النَّوم المليء بالأحلام! على أنَّ التَّداخُل بين العجيبِ الغريبِ وبين الواقعي الحقيقي لا يخلو من خطر؛ فالطِّفْل ما يلبث أن يكتشف العالم الّذي يعيش فيه ويدرك الفرق بين الوهميِّ والحقيقي، ما يعيدنا إلى التّركيزِ على فكرةِ “ملاءمة القِرَاءَة مع ذهن كل طفل”. ومن هنا، على كاتب الأطفال أن يترددَ قليلًا قبل إقحام الطِّفْل في دنيا الأعاجيب المشبعة بالمبالغاتِ، والتي قد تجعل الطِّفْل يغفل عن البحث عن جمال الواقعِ وسحره، وعجائب الوقائع الأرضيَّة وتطور عالمنا وأسرار الأكوان في الفضاء، فيسعى الكاتبُ إلى أن يحصل الطِّفْل على ذلك المزيج الخَيَاليّ- الواقعي، فلا يشجعُ الخَيَال على حساب الواقع، ولا الواقع على حساب الخَيَال. ومن هنا أيضًا، لا بد من تخويفِ كاتب الأطفال من المبالغةِ في “زراعةِ” السُّخفِ من أجل السُّخف، أو ما نسميه من أَنْوَاع (الخرافةِ) بالإنكليزية بـ “القِصَّة الَّتي لا معنى لها”، (أو) وما يعرف بالفرنسية بـ “القِصَّة الَّتي لا ذيل لها”، و ما يُعرَفُ باللُّغَة العَرَبِيّة بـ “القِصَّة التي لا رأس لها ولا أساس”، وأحسن مثال على هذا النَّوْع من القصص: (آليس في بلاد العجائب)، فهذه القصص تقوم بتشويه الواقع وتؤدي دور الاستمتاع بالواقعي غير المعروف. وفي هذه الحال، تجد السَّخافة تبريرها في ذاتها: من حادثة تافهة إلى أُخْرى لا معنى لها، من غير الوصول إلى أي مغزى، ويكون الطِّفْل قد قضى زمنًا في قراءة قِصَّة ممتعة أبعدته عن الواقع من دون أن تزيدَ من ثقافته. وإذا كان هذا النَّوْع من الأَدَب يعارض ذوقنا لأننا راشدون، فما ذلك إلا لأنه يعارض طريقتنا العقلانية في النَّظر إلى الأمور ومحاكمتها محاكمة منطقية. ونحن نرى أن الأمورَ العجيبةَ يجب أن تحترم بعض القَواعِد العَقْلِيّة، فإذا ما صادف أن تجاوزنا عتبة الدَّار الَّتي تقودنا بعيدًا، فإن علينا أن نتأكد من أن من الواجب أن يظل الباب مفتوحًا قليلًا. وإذ يُقال إن الطَّرائف القَصِيرة هي الفضلى دائمًا؛ فهذا القول ينطبق أيْضًا على القصص الخفيفة الَّتي لا ترمي إلا إلى المتعة، وعلى هذا النّحو يستطيع الإِنْسَان أن يتساءل عن سر القارئ الصّغير الّذي يلتهم قصةً من ثلاثمائة صفحةٍ: أبسببِ النّزواتِ الخفيفةِ؟ والإجابة ُإنّ هذه النّزواتِ لا تكفي لاصطيادِ القارئ، بل تحتاج الخرافةُ- كما كل قصة توجه لِلأَطْفَالِ والنّاشئة- إلى أُسْلُوب رشيق، خالٍ من التَّعابير المعقدة والكَلِمَات الصَّعْبة والمناقشات غير المفهومة، بالإضافةِ إلى خفة روح الكاتبِ وواقعية الصّورِ. أخيرًا، لا بد من أن نتذكر- كلما تحدثنا عن الحكاية- قَوْل (أندرسن): “من المُحْتَمَل جدًّا أن تطرق الحِكَايَة الباب، لكن إن لم يسمعها أحد، أو إن لم يستقبلها أحد؛ فقد تمضي!”. مكتبة الدراسة: أكرم قانصو: التَّصْوير الشّعْبِيّ العَرَبِيّ. إيمان بقاعي: مُعْجَم أَدَب الأَطْفَال والنَّاشِئَة. جرجي زيدان: تاريخ الآداب العَرَبِيّة، 1/608 – 609. عبد الرَّزاق جعفر في: أدب الأَطْفَال، ص 301ـ 303. عربي العاصي: الحَيَوَان في قصص الأَطْفَال، ص 24. هادي نعمان الهيتي: ثقافة الأَطْفَال، ص 232 – 233. Related Posts

مشاركة :