د. حميد بن مهنا المعمري halmamaree@gmail.com طُلِبَ مني من قِبَلِ معلمات فاضلات للغة العربية في مدرسة هند بنت أُسيد أنْ أُلقي محاضرة في يوم عرس اللغة العربية والذي يوافق الثامن عشر من ديسمبر من كل عام وهو اليوم الذي تم فيه الاعتراف رسميا باللغة العربية الفصحى كلغة عالمية سادسة في منظمة اليونسكو؛ فالتمستُ عذراً يُنجيني من مغبّة هذه الورطة، والهروب من هذه المهمة التي لا أقوى على احتمالها ولا طاقة لي بها لبضاعتي المزجاة التي أكل منها الزمان وشرب. لكن غلبني حُسْن ظنهن بأخيهم والذي يليق بقامات علمية كقامتهن، وبعد فشل محاولة الاعتذار، طلبْنَ مني أنْ أضع عنواناً للمحاضرة؛ فاخترتُ أنْ يكون "اللغة العربية ماضٍ مشرق وحاضر مشرّف"؛ فأخذتُ أُخمّر هذا العنوان، وأضرب أخماسا في أسداس لعل الأفكار تنبجس ثم تتزاحم الكلمات وتتسابق العبارات لتدوينها، ولم يكن من ذلك شيءٌ؛ فالتمست مكتبتي التي تزخر بكتبٍ كثيرة في شتى أصناف المعرفة والتي كانت بواكيرها ديوان عنترة، وكتاب فقه السُّنة للسيد سابق ثم بَدَأَتْ تتكاثر رويدًا رويدًا، وفي فترة تكاثرها، كانت الوالدة- حفظها الله- تعاتبني لاستمراري في شراء الكتب سواء من معرض مسقط الدولي للكتاب -بكسر الراء- أو من خلال رحلاتي للسعودية أو من معارض جامعة السلطان قابوس للكتب المستعملة، نعم كانت تعاتبني لكثرة الكتب مع التزامي بشرائها عند كل محفل، وأخذت الغُرف تضيق بها وتغص منها؛ لعدم وجود مكتبة مستقلة تضمها عن الأعين والتراب، وكانت محقة -حفظها ربي لي وأطال الله في عمرها وهي ترفل في ثوب الصحة والعافية- لأنها تراني قليل القراءة؛ فسقطتْ يدي على كتاب "ندوة اللغة العربية لغة البحث العلمي"، فأخذته بقوة لضيق الوقت، ورجفان القلب وكثرة خفقانه وقرأتُ منه ما استطعت إليه سبيلا! وبين اليوم والأمس ساعات، وبين الماضي والحاضر أعوام وسنوات، واللغة العربية في ماضيها استوعبت جميع المعارف والعلوم والأخبار حتى العلوم التي يمكن أن نسميها المعارف العلمية كعلم الفلك والرياضيات والنبات والحيوان وغيرها الكثير الكثير. وليس من نافلة القول أنّ اللغة التي استطاعت أن تستوعب جميع تلك العلوم والمعارف لثمانية قرون أو تسعة كلغة عالمية للأمم في تلك الحقبة من الزمن، لا ريب أنها قادرة على أنْ تواصل المسير، ولم ولن تتنكب الطريق أو تتخلّف عن ركب الحضارة الإنسانية المتسارعة في احتوائها للمعارف المتفجرة؛ ونقلها للأجيال؛ لأن الله أودع فيها من الإمكانات ما جعلها قادرة على أنْ تكون وعاء صالحاً لاحتضان القرآن الكريم. وسعت كتاب الله لفظاً وغاية // وما ضقت عن آيٍ به وعظات فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة // وتنسيق أسماءٍ لمخترعات هذه اللغة العظيمة بكنوزها الدفينة تصرخ بملء فيها حذارِ من العقوق يا أبناء العربية، وعليكم رد الحقوق والاعتراف بالفضل باستعادة مكانتي وانتزاع أسبقيتي على غيري من اللغات، وليس ذلك ضربا من العصبية بل من باب إنزال الشيء المنزلة التي تليق به.
مشاركة :