ما الذي تريده روسيا؟ - د. زهير الحارثي

  • 1/19/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

من حق روسيا أن تسعى لإيجاد موطئ قدم لها على قمة النظام الدولي الحالي ليصبح متعدد الأقطاب ولكنها بالمقابل عليها مراعاة مصالح الاخرين واحترام المواثيق الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، وإعلان جمهورية روسيا الاتحادية، واستقلال دول الكومنولث الواحدة تلو الأخرى، عاشت روسيا تدهورا في بنيتها الاقتصادية الداخلية وتراجعا ملحوظا في مكانتها الدولية ليُطلق عليها لقب "الرجل المريض" إبان عهد الرئيس الروسي بوريس يلتسن. ولم تمض بضع سنوات حتى تولى بوتين السلطة في أبريل 2000، وهو القادم من جهاز الاستخبارات. شدد بوتين قبضته على أجهزة الدولة وعزز قدراتها الاستراتيجية، وأضعف نفوذ رجال الاعمال الأثرياء والساسة المؤثرين وتمادى في هيمنته لدرجة انه ألغى انتخاب حكام الأقاليم وعين بدلا منهم من يثق في ولائهم وقدراتهم. كان محظوظا بوتين وقتها فقد تزامن كل ذلك مع انتعاش الاقتصاد الروسي بسبب ارتفاع الطلب على النفط والغاز اللذين كانا تحت اشرافه الشخصي ما انعكس على دخل الفرد. هذا بطبيعة الحال ساهم في زيادة شعبيتة داخليا. كانت سياسة بلاده الخارجية تنطلق الى الصعود وبقوة وفق رؤية ترى ان روسيا دولة عظمى ويجب ان تعامل وفق هذا المنطق. واستطاع بوتين فعلا ترجمتها على الأرض مشرعا الباب لعلاقة شراكة مع الصين والهند وأيضا لم يفته استثمار الإرث التاريخي لنفوذ الاتحاد السوفياتي سابقا في كل من دول الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية. كان بوتين يؤمن بالمقولة التي تقول: «إن الشعوب في المنطقة الممتدة من بولندا إلى آسيا الوسطى لطالما كانت مرتبطة ثقافيا بالروس على امتداد التاريخ وينبغي إعادة هذا الارتباط». نستذكر هنا وفي أول زيارة قام بها بعد ضم إقليم القرم إلى روسيا، وصفه لما حدث بانه عيد الانتصار للوطن وان السوفيات هم من أنقذوا أوروبا من العبودية. هذا التصور النرجسي أثار الكثير من الشكوك والقلق لدى جيرانه. وهم محقون في توجسهم فهذا السلوك الروسي القديم/الجديد ينزف من ذاكرتهم مشاهد من الإمبراطورية القيصرية. كان واضحا ان التحولات على المسرح الدولي دفعت الرجل القوي بوتين الى مراجعة ذاتية للسياسة الخارجية وتوصل الى قناعة ان فكرة تخليها عن إفرازات الحرب الباردة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وإلغاء فكرة المواجهة مع الغرب وعدم الاهتمام بالشرق الاوسط لم تكن رؤية سديدة كونها انعكست على مكانة بلاده ودورها الذي كان أقرب الى التهميش. أعاد بوتين صياغة الأهداف الجديدة للسياسة الروسية وفق مسار له طابع قومي يسترد به توهج الحضور والنفوذ والسيطرة التي كان يتمتع بها الاتحاد السوفياتي ابان مرحلة الحرب الباردة بأسلوب يتناغم مع المفهوم العولمي وهذا يعني انهاء القطبية الواحدة للولايات المتحدة الأميركية واحلال التعددية القطبية في النظام الدولي الجديد من اجل موازين القوى. ولعل هذا يفسر معادلة بوتين التي تنطلق من تعزيز علاقات روسيا الاستراتيجية مع الهند والصين وإيران فضلا عن ترسيخ التواجد الروسي في الأماكن التي لها جذور علاقات تاريخية سوفياتية كالجزائر والعراق وفلسطين وسورياة ناهيك عن دعم استقرار آسيا الوسطى والقوقاز اللتين تعتبرهما روسيا مجالا حيويا لها. كان يرى ان الاندماج مع تكتلات أخرى يضاعف من أهمية الحضور الروسي وهو ما حدث فعلا بالانضمام لمجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى، ومنتدى آسيا-باسيفيك للتعاون الاقتصادي، ورابطة الأمم لجنوب شرق آسيا، وغيرها. ظل بوتين مؤمنا بان قدرات موسكو تؤهلها للعب أدوار متعددة.. وحتى يعزز هذا الخيار اصر على إعادة تسليح بلاده وتمسكه بأسلحة الردع الاستراتيجي من سلاح نووي وصواريخ عابرة للقارات وغواصات.. الخ، التي يراها مهمة في مواجهة الولايات المتحدة والناتو. ومازال يعارض تمدد الناتو لحدود بلاده رافضا بناء قواعد للصواريخ في التشيك وبولندا. هناك قراءة تقول إن التعاطي الروسي مع منطقة الشرق الأوسط يستند الى استراتيجية محددة تبدأ بمشاغبة وإنهاك واشنطن بمزاحمتها في المنطقة ليخدمها في إعادة تشكيل موازين القوى العالمية والتركيز على المصالح الاقتصادية لان العنصر الأيديولوجي لم يعد موجودا كما كانت عليه الحال في مرحلة الاتحاد السوفياتي، فطبيعة التعاملات قد تغيرت اضف الى ذلك الاهتمام بالجغرافيا وتوظيفها في تعزيز سياستها.. بعبارة أخرى الاستفادة من المناطق المحسوبة عليها في الشرق الأوسط لأن موسكو تعتقد انه لا يمكن بلورة نظام عالمي بعيدا عن تلك المنطقة التي هي مركز التوازنات الدولية او لنقل قلب العالم. البعض يرى ان روسيا لم تنجر الى حرب في المنطقة ولم تستخدم القوة في المنطقة لأنها لا تتفق مع المشروع الإيراني التوسعي، ولا مع التوجهات الطورانية التركية، وهذا صحيح ولكنه لم يعد كذلك. إن وقوف موسكو الى جانب بشار الاسد في قتل شعبه كان خطأ جسيما. يبدو ان الروس شعروا أنه لم يعد لهم حضور في الساحة وليس بمقدورهم حماية او مساعدة حلفائهم بدءا من حرب الخليج الثانية، ومرورا بضربات حلف الناتو على صربيا وحرب العراق وضرب ليبيا من الناتو ما دفعهم لاتخاذ موقف متشدد. وللأسف ما زالت تقود مسار الأحداث الى التأزيم والتصعيد باستهدافها المعارضة السورية وغض بصرها عن حصار وتجويع الشعب السوري ما قد يجر المنطقة لحروب تهدد العالم بأسره. صفوة القول: من حق روسيا أن تسعى لإيجاد موطئ قدم لها على قمة النظام الدولي الحالي ليصبح متعدد الأقطاب ولكنها بالمقابل عليها مراعاة مصالح الاخرين واحترام المواثيق الدولية والاهم من ذلك كله إبعاد المنطقة عن الصراعات والنزاعات واحتواء الخلافات إن كانت جادة لقبول دورها في المنطقة فعلا! zualharthi@gmail.com

مشاركة :