برميل البارود الذي انفجر! - د.زهير الحارثي

  • 10/14/2014
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

ما لم تتغير العقلية السياسية العربية في تعاطيها مع ملفات الداخل، فإن ذلك يفتح الباب لتكريس الطائفية وشرخ الوحدة الوطنية كما في اليمن والعراق وليبيا وما لم تشرع بإصلاحات جذرية وتعزيز المواطنة، فإن عوامل الانقسام والفوضى والتشظي الداخلي مرشحة بأن تطفو على السطح، ووقتها لا ينفع البكاء على الحليب المسكوب! تشهد دول عربية صراعات واشتباكات داخل نسيجها المجتمعي. وانظر لما يجري في اليمن مرورا بالعراق ولبنان وانتهاء بليبيا، فالمشاهد التي نراها يوميا كافية لندرك مدى انتشار هذا الخطر المريع. كنا نقول ان المنطقة بأسرها ترقد على برميل بارود يوشك ان ينفجر في اية لحظة. ولكن الانفجارات قد بدأت فعلا مهددة السلم الأهلي في تلك الدول وغيرها. صحيح ان بعض تلك الدول التي عاشت أجواء الربيع العربي لم تستطع تجاوز مرحلة ما بعد الثورة، الا ان خصائص كل مجتمع بالتأكيد تلعب دورا مفصليا في مساره الديمقراطي. الحالة الماثلة امامنا أصبحت بالفعل تمثل قلقا غير مسبوق لأنها باتت تمس أمن واستقرار دول ومجتمعات عربية. مرض فتاك بات ينخر الجسد العربي من خلافات ونزاعات واشتباكات قاطعا الصلات ما بين المجتمعات بعضها ببعض بكل مكوناتها العرقية والاثنية والمذهبية بحجج ودعاوى واهية. وتأمل حال هذا الإنسان العربي الذي لم يعد منسجماً مع ذاته، فضلا عن شخصيته المضطربة والمشوشة في ظل تشكل مجتمعات لا زال بعضها يعاني من اضطراب فكري وثقافي لاسيما في وجود ايديولوجيا استخدمت كجسر للحصول على مكاسب، بدليل هاجس الاستيلاء على السلطة الذي كما لاحظنا يمثل المغنم والهدف والطموح لجماعات وأطراف وافراد بصرف النظر عن مشروعية الوسيلة. ومع ذلك نعترف بأن المشكلة لا تكمن في المواطن العربي بل هو ضحية لظروفه والأنظمة التي تحكمه. هذه السلوكيات باتت واقعا ملموساً، كون العلاقة ما بين الدولة والمجتمع في الكثير من دولنا العربية يشوبها الكثير من الريبة والاحتقان والحاجز الذي يتمخض عنه فقدان الثقة ونتوءات عدم الاستقرار. أضف الى ذلك عوامل مساعدة كغياب الوعي المجتمعي الذي يحتاج الى تراكم زمني لبلورة الفكر وحدوث التغيير، ولعل السبب في استمرار التخلف في مجتمعاتنا كما يبدو يعود لوجود ثقافة السكون، والخشية من الجديد بكافة تجلياته ما أعاق التنمية وسبل المعرفة. ولا ننسى أيضا تأثير الثقافة المضادة فقد شكلت نمطا من وعي التخلف في مضامينها من مفاهيم وعادات وممارسات، فسحب مسار التطور الإنساني إلى الوراء، وهو دليل على وجود تخلف فكري ترسخ في الحياة الاجتماعية، ما هيأ له صناعة عاداته السلبية. ولعل أحد أهم صوره تتمثل في تشويه الحقائق وتزييفها، الأحكام الجزافية، المكابرة، تضخم الأنا، سهولة الاستدراج والاقتناع، الثقافة الشفهية والارتجالية، الميل للخرافات، ناهيك عن غياب الرؤية العقلانية. ولعل الانجراف مع تيار الأيديولوجيا كما نعيش الآن وصراعات الطائفية والهوية والمذهبية من أبرز ظواهر التخلف التي تتسم بها بعض مجتمعاتنا، وهي التي تنزع لنمط لا يتناغم مع لغة اليوم. إن العقل الضيق والوقوع ضحية قناعات وأفكار والاستسلام لها يكشف عن الضحالة الفكرية لهذا الفرد او ذاك. ولو سلمنا عبثا بوجود المؤامرات الخارجية ودورها في اختراق المجتمعات العربية وهدف تفتيتها، فالحقيقة المُرة تُخبرنا أيضا انه لو لم تكن هشاً في الداخل وجبهتك الداخلية مهزوزة لما استُهدفت من الخارج ولذا فالملام هو انت في بداية الامر وآخره! وفي هذا السياق، هناك من يرى ان الصراع والنزاع والعنف تأتي من الطبيعة (السلوك البشري) مقابل الفلترة العقلية التي تأتي من القانون (تطبيق النظام). المفكر "جاك دريدا" سبق ان شخّص الدولة كمعادلة بين طرفين، فشبه العلاقة بين القانون والطبيعة بالجسم الميكانيكي، لكون الاول هو نظاما للعيش المشترك، في حين ان العقد الاجتماعي ما هو إلا إجراءات وإرادات فردية. على أي حال، هي مقاربة في مفهوم التعاقد بين القانون كعقل والعقد الاجتماعي من حيث هو رباط نفعي، ليصل الى غاية اسمى هي تحقيق السلم الاهلي في المجتمع، وهو مثار نقاشنا في المقال. هذا الهاجس في الخشية من تفاقم الصراع الطائفي والذي يهدد السلم الأهلي، سيطر على المشهد برمته ما دفع بالكثيرين الى توقع حدوث الأسوأ في القادم من الايام. وهم محقون في ذلك على اعتبار ما نشهده الان من صراع دائر في اليمن وما يفعله الحوثيون من اعمال وممارسات، فضلا عن ملفات قديمة / جديدة، كملف الأقباط في مصر، والتوتر السني - العلوي - الكردي في سورية، والاحتدام السني - الشيعي في العراق، والفرز الطائفي في لبنان، وخلافات الاسلاميين مع بقية قوى المجتمع في ليبيا وتونس ومصر، وتغلغل الجماعات المتطرفة في عالمنا العربي كما تفعل داعش الان، كلها ادلة قاطعة على انقسامات لا تلبث ان تعيق التحول الديمقراطي والتعايش السلمي. هذه المأساة تتطلب تدخلا سريعا بإعادة النظر في العلاقة بين الدولة والمواطن فضلاً عن مراجعة الدساتير بما يحقق تطلعات شعوبها ويعزز وحدتها الوطنية. وان تخلق حالة من التوازن ما بين المصالح العليا للدول والمطالب الشعبية وان تبثّ مفهوم التعايش والتسامح داخل مجتمعاتها فضلا عن الآخر، وان تكرس المساواة والعدل وتحارب الفساد. صفوة القول: ما لم تتغير العقلية السياسية العربية في تعاطيها مع ملفات الداخل، فإن ذلك يفتح الباب لتكريس الطائفية وشرخ الوحدة الوطنية كما في اليمن والعراق وليبيا وما لم تشرع بإصلاحات جذرية وتعزيز المواطنة، فإن عوامل الانقسام والفوضى والتشظي الداخلي مرشحة بأن تطفو على السطح، ووقتها لا ينفع البكاء على الحليب المسكوب!

مشاركة :