تلقت الحكومة الجزائرية صدمة قوية إثر مواصلة سعر النفط تدحرجه ليستقر العداد عند السعر 27 دولارا للبرميل، بعد اعتمادها على سعر37 دولارا كسعر مرجعي في ميزانيتها، ممّا أضرّ باقتصادها، وأدى إلى تهديد الأسعار بالانخفاض، وبالتالي إرباك حسابات حكومة عبد المالك سلال. وحمل الواقع الجديد رئيس الجمهورية للاعتراف شخصيا بالأزمة و قبله كان مدير ديوان الرئاسة احمد اويحي بقبعته الحزبية يصارح نواب حزبه أن أسعار البترول تسير نحو 20 دولارًا، مطالبا مناضليه بمصارحة الشعب، بعدما أجمعت تخمينات الخبراء بأن الحركة التنازلية لأسعار النفط مستمرة وغير قابلة للاستقرار. ومع مرور الأيام، تبين فشل رهان الحكومة في مواجهة الأزمة المالية، بعد الانهيارات المتتالية لأسعار النفط في السوق الدولية، وما صاحبها من هزات مخيفة بنفس درجات الخطورة على الجزائر واقتصادها، فهذه الانهيارات خذلت مخططات الحكومة وجعلتها أمام واقع لا خيار لها فيه سوى إستراتيجية للتقشف. الانخفاض في قيمة مداخيل الجزائر من العملة الصعبة أثر بصفة مباشرة على التوازنات الكبرى للاقتصاد الجزائري، ممّا فرض على الحكومة، في نظر الباحث في الاقتصاد الدكتور بن حمو عبد الله "اتخاذ إجراءات لمواجهة هذه الاختلالات، كان على رأسها الخفض من قيمة الدينار مقابل العملة الصعبة، والزيادة في أسعار بعض الخدمات و المواد الاستهلاكية و فرض رسوم ضريبية جديدة على بعض المواد و زيادة الرسوم الجمركية لإيجاد مصادر جديدة للإيرادات العامة ". ومعلوم أن 98% من مداخيل الجزائر من العملة الصعبة مصدره الجباية البترولية، وبالموازاة مع ذلك فالجزائر تستورد ما يفوق 70% من احتياجات مواطنيها، وبغية استدراك هذا، يقول بن حمو لـ CNN بالعربية: "كان لزاما على الحكومة أن تجد حلا لهاته الاختلالات في ميزان مدفوعاتها، فلجأت لرصيدها من العملة (احتياطي الصرف) لتغطية هذا العجز الذي كان يبلغ حوالي 200 مليار دولار قبل انخفاض أسعار النفط ليصل إلى 156 مليار دولار على حسب تقارير الحكومة مؤخرا". ووفقا لخبراء الاقتصاد، فاحتياطات الصرف أصبحت تتآكل والحكومة صارت تراهن على الحلول البسيطة والسهلة حاملة في يدها عصا الضرائب و رفع الأسعار، وأضحى المواطن البسيط يتذوق مبكرا مرارة انهيار أسعار النفط و تلفحه نيران الزيادات، بعد التدابير الأخيرة التي اتخذتها في قانون المالية الجديد من رفع أسعار الكهرباء والوقود، باحثة عن مداخيل أخرى جديدة من جيب المواطن . ويعتبر الدكتور عدالة العجال مدير مجلة الإستراتيجية والتنمية الدولية، في حديثه لـ CNN بالعربية،أن "التدابير التي اتخذتها الحكومة الجزائرية مجرد حلول ترقيعية مؤقتة على المدى القصير ونتائجها ستكون وخيمة على المدى المتوسط إن لم ترافقها حلول جدية وجذرية". هذه التدابير الجديدة التي أقرها قانون المالية 2016، يقول بشأنها رئيس المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك، مصطفى زبدي: "من المفروض أن تكون محدودة التأثير على القدرة الشرائية للمواطن"، فلهذا "نرى انه لا بد من وضع آليات عاجلة للحد من الارتفاع الجنوني الذي أصبح وباءا ينتشر بسرعة و لا يترك قطاعا إلا و مسه". وأضاف زبدي في حديثه لـ CNN بالعربية "لا يخفى على الجميع أننا عارضنا كل زيادة، ووجهنا مراسلة للبرلمانيين في هذا الاتجاه، ولكن بما أن القانون مرره أولو الأمر، توجه اهتمامنا للحد من انعكاساته التي جاءت قوية و غير مبررة من طرف بعض الانتهازيين الذين جعلوا من الرسوم و الزيادات في المواد الطاقوية غطاءً لزيادة أي شيء". ولم تتوقف الزيادات عند الكهرباء والوقود، بل طالت القطاعات الأخرى، كما حدث مؤخرا في قطاع النقل، حيث أصر الناقلون الخواص على رفع تسعيرة النقل، وبعدها بأيام، تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي أخبارا مفادها أن متعاملي الهاتف النقال قاموا برفع أسعار المحادثات، لتسارع بعدها سلطة ضبط البريد والاتصالات السلكية واللاسلكية لتنفي هذه الشائعات، موضحة في هذا الشأن، انه تم تغيير طريقة فوترة الوحدة الواحدة من ثلاثين ثانية إلى دقيقة واحدة. هذه الزيادات التي عرفتها كل السلع وخاصة الاستهلاكية، دفعت CNN بالعربية، لاستطلاع رأي التجار، وفي هذا الشأن برر الحاج الطاهر بولنوار رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين "قيد التأسيس، هذه الزيادات قائلا "لما ترتفع تكاليف النقل فكل المنتجات المنقولة تعرف زيادة في الأسعار، فلذا يعتبر النقل عامل مهم وأساسي في التحكم في الأسعار وينعكس بالضرورة على أسعار المواد الأخرى، ومن اجل تعويض مصاريف النقل يضطر التاجر للرفع من أسعار المنتجات والمواد قصد تعويض الخسائر". وتراوحت نسبة ارتفاع المواد الاستهلاكية -حسب بولنوار - ما بين 5 و 10 بالمائة، أما في السنة الفارطة ، يضيف محدثنا، فقد شهدت الأسعار المواد الاستهلاكية ارتفاعا وصل إلى غاية 20 بالمائة وكان السبب هو انخفاض قيمة الدينار، أما هذه السنة إذا استمر انخفاض الدينار كما يتوقع الخبراء فإننا نترقب ارتفاعا في الأسعار مرة أخرى". هذا الارتفاع ينعكس سلبا فقط على المواطنين، فحتى التجار تضرروا ودليل ذلك، يقول بولنوار "أن أكثر من 10 آلاف تاجر غيروا نشاطهم سنة 2015 بسبب ارتفاع الأسعار والسوق الموازية، إضافة إلى تكاليف الإيجار التي تشهد ارتفاعا في الآونة الأخيرة، مما يثقل كاهل التاجر دون الحديث عن الضرائب وغيرها وهذا ما يدفعه إلى رفع الأسعار". ومع تواصل ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية خلال الآونة الأخيرة، أثار هذا الأمر سخط المواطنين الذين جعلوا من مواقع التواصل الاجتماعي ملاذا للتنفيس عن غضبهم وشن حملات مقاطعة المنتجات، وفي هذا الصدد يقول الياس حديبي المشرف على إدارة صفحة 123 فيف لا لجيري، (vive l’Algérie 123)، لـ CNN بالعربية " كانت حملاتنا على هذه القوانين بمثابة صوت الشارع، لأننا نعتبر هذه الزيادات ناتجة عن عجز اقتصادي سابق وعدم استغلال الأوضاع بشكل جيد في زمن البحبوحة المالية". هذا الوضع، أثار قلقا شديدا في الشارع الجزائري، بسبب عدم تعاف أسعار النفط كما كان يتوقع الوزير الأول عبد المالك سلال في خطاباته السابقة، ممّا يعني حسب المراقبون، أن الحكومات المتعاقبة فشلت، بعد أكثر من نصف قرن في بناء اقتصاد قوي خارج قطاع المحروقات يجنب البلاد هزات اقتصادية.
مشاركة :