أحــلاس.. ذاكـرة أليـمة المـدى

  • 12/17/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لكل كتاب قصة، تبدأ من فكرة في مخيلة المؤلف وتنتهي على الورق، وعن فكرة رواية «أحلاس، ذاكرة أليمة المدى» الفائزة بجائزة كتارا للرواية العربية 2021م، عن فئة الروايات العربية غير المنشورة، يقول المؤلف يونس أوعلي: صحيح بأنه يصعب تحديد دوافع الكتابة بالنسبة لمن تورطوا فيها، إلا أنني أعتقد بأنها مثلت بالنسبة لي دائما وسيلة لمجابهة بؤس العالم، لا أدري ما كان أول شيء قادني إليها، كان ثمة في رأسي قصص كثيرة، وفي الحياة حزن كبير ومتواليات من الخيبات أعجز عن عدها كلما حاولت، منها ما يتعلق بي، ومنها ما يتعلق بما يعيشه الإنسان في أوطاننا، وفي رصيدي كان هناك عدد لا بأس به من الكتب والروايات والتجارب، فالقراءة كانت بالنسبة لي ملاذا آمنا في نهاية كل يوم، وقبلها كانت حكايات الجدة التي أسمعها كل ليلة تزرع بداخلي شغف الحكي. لم أحلم بأن أكون أي شيء، كنت طفلا بلا أحلام، حتى حين سئلت ذات مرة في المدرسة عما أريد أن أصيره، أجبت بعد صمت طويل، وبخجل شديد: حارس مرمى! لذلك دائما ما أعتبر بأن الكتابة كانت حادثة قدرية أو عارضا جانبيا للقراءة.. لا أعلم متى ولدت فكرة كتابة الرواية في رأسي، لكنها كانت تشبه كرة ثلج، كلما تدحرجت في منحدرات الأيام تكبر، إلى أن صارت مشروعا أقضي في إنجازه كل وقتي، على الرغم من أنني كنت حينها ما أزال طالبا في الجامعة، حتى إن جزءاً كبيرا من التخطيط للرواية حدث في مدرجاتها، ولعل ما دفعني إلى ذلك هو رتابة المحاضرات واعتماد نظام التعليم على التلقين عوض التحفيز على التفكير. لأجدني في مرات كثيرة داخل المدرج أخطط لكيفية ترجمة ما يدور في ذهني إلى كلمات، فرسمت في البداية المعالم الكبرى للرواية: فضاءها المكاني والزماني وشخصياتها الرئيسية وأهم الموضوعات التي أود أن أثيرها، بداية من تأثير الأعطاب النفسية على حياة الإنسان، ثم تاريخ قرية أحولي الواقعة قرب مدينة ميدلت المغربية، وصولا إلى قضايا فرعية طرحت نفسها أثناء التخطيط، ولأنني شخص مهووس بالتقنيات السردية الحديثة، ولا أتصور أنني قد أكتب عملا ببناء تقليدي، كان لا بد من وضع بعض القواعد التي حاولت احترامها في الكتابة. أولها أن يكون بناء الفصل الأول مختلفا عن الثاني، ثم أن أعتمد على السرد المتوازي على لسان بطلَي القصة، وأضيف إليهما شخصا ثالثا كلما استدعت الضرورة ذلك، مع لعبة بسيطة ألعبها في كلا الفصلين مع قارئ مفترض: سأخبرك ماذا جرى، لكن بعد أن تقرأ جزءا آخر، لا أقول هنا إن كل شيء كان مخططاً له من الألف إلى الياء، لأن ثمة تفاصل كثيرة وشخصيات ثانوية فرضت نفسها أثناء الكتابة، لأصل في الأخير إلى قصة تتسع لكل ما كنت أريد قوله حول الحب والحياة والموت والهوية.. ولموضوعات أخرى كنت أحملها بداخلي، في رحلة الكتابة، نجحت في الجمع بين المتعة والجد، رغم الانقطاع المتكرر عنها، إلا أنني كنت في حالة كتابة مستمرة في ذهني، وعشت مع الشخصيات لثلاث سنوات كاملة، إلى أن صرت أراها في منامي، حتى إنني في مجالس كثيرة كنت قاب قوسين أو أدنى من الحديث عنها وعن تجاربها، لو لا أنني أتذكر في آخر لحظة أنهم ليسوا إلا شخصيات ورقية خلقتها .. أنهيتُ الرواية في عز جائحة كورونا، حينذاك كانت حركة النشر في الوطن العربي متوقفة بعد إلغاء المعارض الدولية وإغلاق المكتبات. الأمر الذي جعل من النشر مهمة مستحيلة حينها، وبعد عودة الحياة الثقافية إلى طبيعتها، راسلتُ مجموعة من دور النشر، منها من أجاب بعد أيام معتذرا عن استقبال أي عمل جديد بسبب تداعيات الجائحة، ومنها من استغرق مدة طويلة ليجيب معتذرا عن نشرها دون إعطاء أي تفسير، أما الغالبية فلم تكلف نفسها عناء كتابة أي رد.. ودورٍ أبدت رغبتها في نشر العمل، لكن عدم الاتفاق على بنود العقد حال دون توقيعه، لأنني كنت واضحا في مسألة التعامل مع أي ناشر: لن أدفع المال مقابل النشر مهما كان المبلغ المطلوب مني صغيرا! قبل أن أتلقى خبر التتويج بجائزة كتارا للرواية العربية، كانت مغامرة الكتابة ممتعة، رغم أنني شخص قل ما يكتب، حتى إذا كتبت أربع صفحات في اليوم بعد انقطاع دام لأيام، أعتبر ذلك كثيرا. لأنني لا أسعى لأكتب رواية كل عام أو عامين، بل لا أضع في ذهني مسألة الكم، ولا أسعى للبقاء في الأضواء لأنني لا أحبها، بقدر ما أضع فيه مسألة الإضافة التي سأقدمها للرواية المغربية، وهذا ما يجعلني لا أستعجل الدخول في تجربة جديدة، إلا إذا كنت سأقدم شيئا أفضل مما سبق، والآن بعد أخذ مساحة زمنية عن زمن كتابة «أحلّاس، ذاكرة أليمة المدى»، صار يمكنني أن أنظر إليها بعين أخرى، صحيح أنها فازت بجائزة كتارا للرواية العربية، إلا أن الكاتب في نهاية المطاف لا ينال أبدا الرواية التي يريدها، كل ما يحدث، كما وصفه جيمس بالدوين، هو أن القطار قد توقف وعليه النزول منه، وعليه أن يرضى بما بين يديه، لأنه لن ينال النص الذي أراده أبدا، لهذا قال ويليام فوكنر: لو استطعت إعادة كتابة جميع مؤلفاتي ثانيةً فإني مقتنع بأني سأقوم بذلك بصورة أفضل، لأن الروائي الجيد يجب ألا يرضى عما فعل أبدًا.

مشاركة :