رسائل المحبة بين المسلمين والأقباط لا تكفي لتكريس التسامح بمصر

  • 12/17/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تبعث المؤسسات الدينية في مصر في ما بينها برسائل تعزز من ثقافة التسامح بين الأديان، لكنها رسائل تظل محدودة التأثير وتحتاج دعما من مثقفي البلاد وقادة الرأي، خاصة مع الشكوك التي تجعل المصريين يربطون كل توجه ديني مختلف بالأوامر السياسية الفوقية فيصبح أمرا مشكوكا في نزاهته، ولا يتبعه الشعب بسهولة واقتناع. القاهرة - بدأت مكتبة الإسكندرية تولي اهتماما كبيرا بقضايا التعايش والتسامح وقبول الآخر للتأكيد على مشاركتها في الهم العام، وعقدت مؤتمرا مؤخرا ناقشت فيه الكثير من المعاني والمضامين التي تندرج في هذا الإطار بمشاركة مفكرين ورجال من الدين الإسلامي والدين المسيحي، حاولوا من خلال طروحاتهم المختلفة إعادة إحياء مبادرات سابقة أطلقت لنبذ التعصب والتمييز وكبح صوت التشدد في الديانتين. واقترح مدير مكتبة الإسكندرية أحمد زايد إنشاء ما يسمى بـ”منتدى الإسكندرية للتعايش والتسامح” ككيان موحد يجمع كل المؤسسات والمنظمات المهتمة بموضوع التعايش ليقدم جهدا بحثيا حول تحديات هذه القضية، على أن يعقد لقاءات دورية ويضع خططا قصيرة وأخرى طويلة المدى للتوصل إلى حلول عملية. وأكد أن التعددية والتعايش والسلام مسائل حتمية، من الضروري تكريسها من منظور عصري، مع طرح مقترحات جديدة ومبتكرة لدعم التسامح ونبذ التطرف، حيث استقبل المؤتمر دراسات مهمة، وسوف تترجم توصياته ومقترحاته إلى لغات عدة. وتواجه المؤسسات الدينية معضلة في تكريس التسامح كثقافة مجتمعية يؤمن بها جميع المواطنين لأسباب ترتبط بالرواسب القديمة التي ظهرت بسبب صعود التيارات المتشددة وتأثيرها على الشارع بتبني فتاوى مضلة تحرم التقارب بين أصحاب الديانات وتكرس الفرقة بين المواطنين من المسلمين والأقباط. وشدد محمد مختار جمعة وزير الأوقاف على أهمية تحول التعايش إلى ثقافة شعبية بين الناس، في المدارس والمساجد والكنائس والإعلام والمؤسسات الثقافية، ويتبنى تلك الرسالة علماء الدين والمثقفون والمعلمون، فلا يمكن أن يكون ذلك نظريا فقط. عبدالغني هندي: خطوات المؤسسات الدينية بحاجة لجهود المثقفين والإعلاميين لنشر التسامح عبدالغني هندي: خطوات المؤسسات الدينية بحاجة لجهود المثقفين والإعلاميين لنشر التسامح وتبادل قادة المؤسسة الدينية، الإسلامية والمسيحية، رسائل المحبة في كلماتهم بمؤتمر مكتبة الإسكندرية، لإقناع المجتمع بأن التقارب بين الديانتين عملية إنسانية لا بد من تطبيقها، لكنها بدت غير كافية لنشر ثقافة التسامح وقبول الآخر دون النظر إلى العقيدة. وقال البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية إنه لا بد من إعلاء قيم التسامح والتعايش دون النبش في مسألة العقيدة، ولا يمكن اتخاذ إجراءات في شأن التسامح وقبول الآخر من دون محبة حقيقية، وقد جاءت الشرائع السماوية، على اختلاف الأديان والأعمال، لتنظيم علاقات المجتمع والتقريب بين أفراده. وأكد سلامة داود رئيس جامعة الأزهر الذي شارك نيابة عن أحمد الطيب شيخ الأزهر (لظروف مرضه) أن القرآن الكريم قرر التعايش والتسامح بين الأديان كلها، فكل إنسان حر في أن يختار دينه، ولا يكره أحدهم أحدا على دينه، والله أمر عباده عند الحوار مع الآخر أن يتخيروا أفضل طرق النقاش دون إغلاظ في القول. ولم تكن حرية اختيار الدين حاضرة بقوة في خطاب الأزهر طوال السنوات الماضية، خشية الصدام مع عناصر متشددة داخل المؤسسة الدينية نفسها، لكن يبدو أن هذا التغيير مرتبط بمواءمات سياسية مع الحكومة المصرية التي تسعى لتكريس التعايش ونشر ثقافة المواطنة كجزء من المواجهة الفكرية ضد المتشددين. وتكمن إشكالية تكريس التسامح كثقافة مجتمعية في أن هذا الهدف النبيل لن يحققه الأزهر، والكنيسة التي تمثل الأقباط في ظل تراجع نفوذهما، وتنامي الشعور لدى شريحة من المواطنين أنهما تابعان للحكومة ولا يتحركان باستقلال وحرية. وأصبحت رسائل المحبة بين قادة المؤسسات الدينية، الإسلامية والقبطية، جزءا من حل مشكلة قبول الآخر، لكنّ هناك أطرافا يجب أن تكون حاضرة بقوة حتى لا يتم توصيف القضية باعتبارها دينية بحتة، فأين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية؟ وأوضح عبدالغني هندي مقرر لجنة الحوار والتواصل بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن خصوصية الأزهر والكنيسة عند المصريين تظل رمانة الميزان في نشر وتكريس التعايش والمحبة والتسامح وقبول الآخر، لأن بينهما مشتركات وطنية تاريخية، وكلاهما يقف في وجه المتشددين، لذلك هما أساس المواطنة. التعددية والتعايش والسلام مسائل حتمية التعددية والتعايش والسلام مسائل حتمية وقال لـ”العرب” إن خطوات المؤسسات الدينية لجعل التسامح ثقافة مجتمعية بحاجة لجهود جهات وأطراف أخرى، مثل المفكرين والمبدعين والكتاب والمثقفين والإعلاميين، إضافة إلى دور فاعل للمؤسسات التعليمية في نشر مفاهيم التعايش والمواطنة في المناهج الدراسية لتقديم أجيال لديها مواقف رافضة للتمييز الديني. ولا ينكر كثيرون أن المبادرات المشتركة بين الأزهر والكنسية وغيرهما، تعزز فرص نشر قيم التعايش والتسامح بين الأديان بحكم الأدوار التاريخية في إطفاء العديد من نيران الفتن، إلا أن الأمر لا يزال بحاجة إلى المزيد من قيم التجديد لتعزيز انتماء الأفراد إلى هويتهم الوطنية الجامعة، وهي مصر، بعيدا عن الاختلاف العقائدي. وتبرهن كل فعالية مختصة بنشر ثقافة التسامح أن الدولة المصرية بحاجة إلى سياسة واضحة للتسامح، لأن الخطاب الديني الرامي لتعزيز المواطنة يتفقد الكثير من مقومات التجديد، ويتعامل مع المجتمع بطريقة تقليدية من خلال تصريحات براقة ورسائل مكتوبة ومشاهد شكلية للمحبة والتلاحم بين قادة المؤسسات الإسلامية والقبطية. ولم تشهد القاهرة حتى الآن إستراتيجية واضحة ومحددة للتسامح والتعايش لا تختزل مضامينها في مؤسسات دينية إسلامية وقبطية، بل تنطلق من سن تشريعات صارمة تعاقب التمييز الديني وتكبح الفتاوى المتشددة، وتواجه الخطاب التحريضي بحسم. ◙ القاهرة لم تشهد حتى الآن إستراتيجية واضحة ومحددة للتسامح والتعايش لا تختزل مضامينها في مؤسسات دينية إسلامية وقبطية وإذا أرادت الحكومة جعل التسامح والتشارك والمواطنة جزءا من الثقافة المجتمعية عليها التخلي عن التعامل مع من يتولون المناصب القيادية في الدولة بمنطق “الكوتة” أو الحصة العددية، كما هو حاصل مع الأقباط في البرلمان، وتفتح المجال العام لمشاركة منظمات المجتمع المدني وإتاحة حرية العمل السياسي. ويفضي إلقاء عبء تكريس التسامح على كاهل المؤسسات الدينية وحدها إلى نتائج محدودة، وسوف تظهر هذه التحركات أمام الشارع كأنها منفصلة عن الحالة الاجتماعية، ومطلوب أن تكون هناك مساحة أكبر للتعامل بين الطرفين، المسلم والمسيحي، وفقا للمنطق السياسي والاجتماعي قبل العقائدي. وذكر عبدالغني لـ”العرب” أن المعضلة الأكبر أمام ترسيخ قيم التسامح تتمثل في الفتاوى المتشددة التي تحرم التلاقي بين الديانات، وهو ما يتطلب مواجهة حاسمة مع الأفكار ذات المحتوى السلفي، لافتا إلى أن المجتمع المصري يمكنه التعايش في سلام شريطة أن تتوقف الفتاوى المضللة، ومن المهم تركيز خطاب التسامح على أجيال جديدة تتميز بالانفتاح والتحضر لتعزيز قناعاتها في قبول الأديان للآخر. وتؤمن شريحة كبيرة في المجتمع المصري من الشباب بأن رهن علاقات البشر بفتوى أو وصاية دينية، أيا كان فحواها، ينسف مفهوم الدولة المدنية، وهي فئة مقتنعة بأن العلاقة بين المسلم والمسيحي أكبر من مجرد تبادل لرسائل المحبة بين قادة المؤسسة الدينية، فالمجتمع ليس بحاجة إلى هذه النظرة الضيقة. وتدرك رموز دينية أن هناك شريحة تتعامل مع التقارب بين المؤسسات الإسلامية والقبطية له مآرب سياسية وينطوي على تنفيذ لتوجيهات رسمية، وهذه مشكلة تفرض على الحكومة أن تتخذ خطوات أكثر واقعية إذا أرادت أن تجعل من التسامح والمواطنة ثقافة مجتمعية من دون إقناع الناس بها بوصاية دينية، وتستثمر ما بدأته مكتبة الإسكندرية من دور توعوي والبناء عليه خارج جدرانها.

مشاركة :