نبض: من هنا كانت رسائله.. الفنان النحات خليل الهاشمي يجادل الظل!

  • 12/17/2022
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

واقفٌ‭..‬ يحبُّر‭ ‬الهواء‭ ‬بإزميل‭ ‬الحياة‭..‬ يحاكي‭ ‬المعدن‭ ‬الصلب‭ ‬في‭ ‬قامة‭ ‬الشجر‭..‬ يعيدُ‭ ‬للحياة‭ ‬بهجتها‭.. ‬يجادل‭ ‬الظل‭ ‬في‭ ‬خصام‭ ‬الكلس،‭ ‬ونحو‭ ‬السلام‭ ‬يمدُّ‭ ‬كفيه‭..‬ من‭ ‬هنا‭ ‬كانت‭ ‬رسائله،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬كان‭ ‬البحر‭ ‬اول‭ ‬العارفين‭ ‬بخطوات‭ ‬حلمه‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تنفصل‭ ‬عن‭ ‬بوصلة‭ ‬الوطن‭.‬ في‭ ‬هدوء‭ ‬لا‭ ‬ينشغل‭ ‬بالضوضاء‭ ‬ولا‭ ‬يحاكي‭ ‬ما‭ ‬للظلمة‭ ‬من‭ ‬وحشة،‭ ‬يتقدم‭ ‬ليشدُّ‭ ‬من‭ ‬الهواء‭ ‬لغته‭ ‬ومن‭ ‬الغيم‭ ‬بحرا‭ ‬من‭ ‬الماء،‭ ‬بصيرٌ‭ ‬بضالته‭ ‬فلا‭ ‬يسقطُ‭ ‬في‭ ‬الفراغ‭ ‬دون‭ ‬مسائلة‭ ‬السماء‭ ‬عن‭ ‬ألوان‭ ‬طيفها‭.‬ من‭ ‬المعدن‭ ‬الفضي‭ ‬يغزلُ‭ ‬ثوب‭ ‬سنارة‭ ‬ملائكة‭ ‬تسردُ‭ ‬للأرض‭ ‬سر‭ ‬عنفوانها،‭ ‬في‭ ‬وطن‭ ‬ادرك‭ ‬فيه‭ ‬طفولته‭ ‬وصباه،‭ ‬حتى‭ ‬غدوه‭ ‬نحو‭ ‬مرحلة‭ ‬ولد‭ ‬فيها‭ ‬العمر‭ ‬شمسا‭ ‬لاطف‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬بالأمس‭ ‬يسرده‭ ‬القمر‭ ‬لعشاقه‭.‬ وكنتَ‭ ‬يا‭ ‬‮«‬خليل‮»‬‭ ‬ذلك‭ ‬البيت‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تغلق‭ ‬نوافذه‭ ‬ولم‭ ‬يغادره‭ ‬الزائرون،‭ ‬تداعب‭ ‬نسمات‭ ‬حلمك‭ ‬من‭ ‬دم‭ ‬القلب‭.‬ تقدمتَ‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتقدم‭ ‬الحبرُ،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬تستعجلنا‭ ‬الحياة‭ ‬لنقرأ‭ ‬ما‭ ‬كنتَ‭ ‬بالأمس‭ ‬تجلس‭ ‬على‭ ‬عتباته،‭ ‬تراقبُ‭ ‬المارة‭ ‬في‭ ‬بصيرة‭ (‬النحت‭) ‬وتأمرنا‭ ‬أن‭ ‬نحكي‭ ‬لظلك‭ ‬الواقف‭ ‬حكاية‭ ‬تجعله‭ ‬يبتسم،‭ ‬فنشير‭ ‬لك،‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬ينطق،‭ ‬تبتسم‭ ‬وتقول‭: ‬انظروا‭ ‬إلى‭ ‬فمه‭ ‬وركزوا‭ ‬بصركم‭ ‬بإمعان،‭ ‬سوف‭ ‬ترون‭ ‬ان‭ ‬شفتيه‭ ‬تنطق‭ ‬بما‭ ‬أنت‭ ‬تشعر‭ ‬به‭! ‬ كنتَ‭ ‬واقفاً‭ ‬كالنخل‭ ‬يا‭ ‬خليل‭..‬ في‭ ‬محفل‭ ‬المحبين‭..‬ تسامرهم‭ ‬بالجدل‭ ‬العفيف‭..‬ وبرؤية‭ ‬محكومة‭ ‬بالتجربة‭ ‬ تمدُّ‭ ‬من‭ ‬جسدك‭ ‬جسراً‭ ‬للآخرين‭ ‬ وفي‭ ‬لغة‭ ‬من‭ ‬بقايا‭ ‬المعدن،‭ ‬تتقدم‭ ‬قبل‭ ‬خطواتك‭ ‬ تشيرُ‭ ‬بإصبعك،‭ ‬انه‭ ‬الواقفُ‭ ‬دون‭ ‬خوف‭!‬ كانت‭ ‬البصيرة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليك‭ ‬هي‭ ‬الحياة‭..‬ في‭ ‬كل‭ ‬معترك‭ ‬يشاغلك‭ ‬الصلب‭ ‬من‭ ‬بقايا‭ ‬المادة‭.. ‬جذوع‭ ‬الشجر‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬عرسك،‭ ‬مفتونة‭ ‬بهمسك‭!‬ أيها‭ ‬الواقف‭ ‬في‭ ‬السحر‭ ‬من‭ ‬الحياة،‭ ‬ذهب‭ ‬بك‭ ‬الفقد‭ ‬ولم‭ ‬يذهب‭ ‬بريقك‭! ‬ الا‭ ‬عدتَ‭ ‬لنا‭ ‬عبر‭ ‬سؤال‭ ‬جدلي،‭ ‬لمن‭ ‬يا‭ ‬خليل‭ ‬هذا‭ ‬الفضاء؟ ولمن‭ ‬هذا‭ ‬الصب‭..‬ لن‭ ‬يكسرك‭ ‬الوصب‭ ‬ ولا‭ ‬تهزم‭ ‬لحظة‭ ‬اكتمال‭ ‬العاصفة‭ ‬ امتد‭ ‬بامتداد‭ ‬الضوء‭..‬ وكن‭ ‬الجسد‭ ‬الشديد‭ ‬على‭ ‬الألم‭..‬ تحكي‭ ‬للوطن،‭ ‬سر‭ ‬لغة‭ ‬النوارس‭..‬ وتنفس‭ ‬عبر‭ ‬رئتين،‭ ‬الوطن‭ ‬أولهما‭..‬ والفن‭ ‬في‭ ‬معترك‭ ‬الصراع‭ ‬يأتي‭ ‬بعد‭ ‬الأول‭..‬ يتقدمك‭ ‬الفقد‭ ‬نحو‭ ‬فراغ‭ ‬من‭ ‬الحب‭..‬ بل‭ ‬يتقدمك‭ ‬الفقدُ‭ ‬ليأخذ‭ ‬الحب‭ ‬منا‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬من‭ ‬نحب‭!‬ لا‭.. ‬أيها‭ ‬النداء‭ ‬الكبير‭..‬ أيتها‭ ‬الساحرات‭ ‬في‭ ‬سماوات‭ ‬تغسلك‭ ‬بالنقاء‭..‬ يخيم‭ ‬الصمتُ‭..‬ فانشغلت‭ ‬العيون‭ ‬بالهشة‭ ‬لغيابك‭.‬ في‭ ‬صبيحة‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬التاسع‭ ‬من‭ ‬ديسمبر‭ ‬2022‭ ‬غادرنا‭ ‬إلى‭ ‬الرفيق‭ ‬الأعلى‭ ‬الفنان‭ ‬القدير‭ ‬والنحات‭ ‬المخضرم‭ ‬الصديق‭ ‬خليل‭ ‬الهاشمي‭ ‬الذي‭ ‬تخرج‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الفنون‭ ‬الجميلة‭ ‬في‭ ‬روسيا،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬يدرس‭ ‬الفنون‭ ‬الجميلة‭ ‬كان‭ ‬البحر‭ ‬اولى‭ ‬خطواته‭ ‬نحو‭ ‬معرفة‭ ‬حكاية‭ ‬الفنون‭.‬ ‭ ‬يعد‭ ‬الفنان‭ ‬خليل‭ ‬الهاشمي‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬نحّاتي‭ ‬البحرين‭ ‬ومن‭ ‬الجيل‭ ‬المكافح‭ ‬والصابر‭ ‬على‭ ‬وجع‭ ‬أزمنته‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬عبر‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬من‭ ‬اعمال‭ ‬كان‭ ‬فيها‭ ‬البرونز‭ ‬والحجر‭ ‬والخشب‭ ‬ادوات‭ ‬لمادة‭ ‬عشقه‭. ‬ ‭ ‬حول‭ ‬غير‭ ‬الملموس‭ ‬إلى‭ ‬ملموس‭ ‬متحرك‭ ‬عبر‭ ‬لغة‭ ‬التأمل،‭ ‬وعبر‭ ‬ما‭ ‬اضافه‭ ‬للنحت‭ ‬من‭ ‬سر‭ ‬لم‭ ‬يدركه‭ ‬الفنانون‭ ‬الآخرون‭ ‬الذين‭ ‬سبقوه،‭ ‬وإن‭ ‬تقارب‭ ‬معهم‭ ‬لكنه‭ ‬وضع‭ ‬بصمته‭ ‬التي‭ ‬خالفت‭ ‬بصماتهم‭.‬ اصطبغت‭ ‬اعماله‭ ‬بأفكار‭ ‬قادته‭ ‬إلى‭ ‬التمسك‭ ‬بثيمة‭ ‬ارتبطت‭ ‬به‭ ‬كفنان‭ ‬للنحت،‭ ‬عبر‭ ‬اعماله‭ ‬التجريبية‭ ‬التجريدية‭ ‬البسيطة‭. ‬ كمثال‭: ‬اعماله‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬الطيور‭ ‬التي‭ ‬نفذّها‭ ‬عام‭ ‬2010‭ ‬التي‭ ‬لقيت‭ ‬نجاحاً‭ ‬كبيراً‭ ‬عبر‭ ‬ما‭ ‬ابتكره‭ ‬من‭ ‬تراكيب‭ ‬دقيقة‭ ‬تميز‭ ‬فيها‭ ‬ببراعة‭ ‬التنفيذ‭. ‬ ‭ ‬شارك‭ ‬الهاشمي‭ ‬كفنان‭ ‬للنحت‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المعارض‭ ‬المحلية‭ ‬والخارجية،‭ ‬فعرفت‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وفي‭ ‬اوروبا‭.‬ وعبر‭ ‬تجربته‭ ‬الإبداعية‭ ‬التي‭ ‬شهد‭ ‬لها‭ ‬فنانو‭ ‬عصره،‭ ‬كانت‭ ‬ملامحها‭ ‬بينة‭ ‬عبر‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬في‭ ‬المتحف‭ ‬الوطني‭ ‬وفي‭ ‬جمعية‭ ‬البحرين‭ ‬التشكيلية‭ ‬وفي‭ ‬دار‭ ‬البارح‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مواقع‭ ‬قدم‭ ‬فيها‭ ‬الهاشمي‭ ‬تجربته‭.‬ غادرنا‭ ‬ليترك‭ ‬فضاءه‭ ‬مفتوحاً،‭ ‬عبر‭ ‬اعمال‭ ‬رائدة‭ ‬ومتقدمة،‭ ‬فلن‭ ‬نقول‭ ‬لك‭ ‬يا‭ ‬خليل‭ ‬الهاشمي‭ ‬وداعاً،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬بريق‭ ‬عينيك‭ ‬عبر‭ ‬اعمال‭ ‬الفنية‭ ‬يسامرنا‭ ‬بظلك‭ ‬الواقف،‭ ‬كأنك‭ ‬بيننا‭ ‬عبر‭ ‬قبعتك‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تغادر‭ ‬رأسك‭.‬ وإن‭ ‬افل‭ ‬النجم‭ ‬فالحكايات‭ ‬اكبر‭ ‬من‭ ‬الرحيل،‭ ‬هنا‭ ‬ستشير‭ ‬لنا‭ ‬بوصلة‭ ‬ازميلك‭ ‬إنني‭ ‬معكم‭ ‬اسامر‭ ‬واقع‭ ‬الحياة‭ ‬وأتقدم‭ ‬بوقوفي‭ ‬في‭ ‬العُلا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬لأكون‭ ‬انا‭ ‬الهاشمي‭ ‬الذي‭ ‬ثقب‭ ‬عين‭ ‬الظلمة،‭ ‬ليبقي‭ ‬محبيه‭ ‬في‭ ‬سمر‭ ‬لا‭ ‬ينتهي،‭ ‬لأنه‭ ‬البهجة‭ ‬من‭ ‬ضوء‭ ‬الشمس‭ ‬التي‭ ‬تظل‭ ‬معنا‭ ‬ولا‭ ‬تغيب‭ ‬بغيابنا‭.‬ لروحك‭ ‬اترك‭ ‬نبض‭ ‬قلبي،‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تغيب‭ ‬عن‭ ‬ذاكرتي‭..‬ ‭ ‬بل‭ ‬سأدعك‭ ‬كما‭ ‬أنت‭ ‬جالسٌ‭ ‬تحيك‭ ‬مسألة‭ ‬ذات‭ ‬علاقة‭ ‬لا‭ ‬تنفصل‭..‬ تنظرُ‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬وتراقب‭ ‬حركات‭ ‬السفن‭ ‬في‭ ‬الأزرق‭ ‬البهيج‭...‬ فسارت‭ ‬بك‭ ‬الكواكب‭ ‬مكتملة‭ ‬الزينة،‭ ‬مشغولة‭ ‬بضوء‭ ‬عفيف،‭ ‬يغطي‭ ‬جسدك‭ ‬الأبيض‭ ‬بالهدوء‭..‬ قلنا‭ ‬انه‭ ‬نائم‭.. ‬ ستبصرونه‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بين‭ ‬حوريات‭ ‬يغسلن‭ ‬شعره‭ ‬ويعيدون‭ ‬قبعته‭ ‬لرأسه،‭ ‬يزفون‭ ‬العريس‭ ‬لحلم‭ ‬جنة‭ ‬وخلود‭. ‬ a‭.‬astrawi@gmail‭.‬com

مشاركة :