الصين.. من الكفاح المسلح الى النضال الاقتصادي

  • 12/17/2022
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الرئيس الصيني في الرياض.. وثلاث قمم عقدت هناك، صينية عربية، صينية خليجية، وصينية سعودية. هل يتعرض العرب الى غزو آسيوي بعد قرن تقريبا على الغزو الاوربي للمنطقة؟ ام اننا في واقع دولي جديد علينا ان نتعامل معه بواقعية؟ بعد وصول الشيوعيين الى السلطة في الصين العام 1949، كان طموحهم الأهم هو نشر الشيوعية في جميع انحاء العالم! وقد رفع الزعيم ماو تسي تونغ شعار "الكفاح المسلح" ضد الرأسمالية، مستلهما طروحات تروتسكي المتمثلة بـ"الثورة الدائمة"، أي لا مهادنة مع الرأسمالية وإن اقتضى الأمر استخدام السلاح. الشيء الذي لم يكن يعرفه القادة الصينيون وقتذاك، هو الخطوط الحمر في السياسية الدولية، وعدم اطّلاعهم على تفاهمات رفاقهم السوفييت مع الاميركان والتي رسمت تلك الخطوط، او مناطق النفوذ. لذا اتسمت السياسة الصينية ولأكثر من ربع قرن بالانغلاق والجمود العقائدي الذي عزل هذا البلد الكبير نسبيا عن العالم. بعد رحيل ماو العام 1976 خلفه هوا جيونج فينج الذي اطاح بما عرف بـ"عصابة الأربعة" التي كانت تتحكم بالدولة الصينية، من بينهم زوجة ماو والقيادية في الحزب جيانج كينج. لكن فينج لم يتخلص من النزعة الماوية الراديكالية في قيادة الدولة، فأطاحه دينج شياو بينج، ليبدأ عصر جديد للصين التي لم تتخلص فقط من الحلم الطوباوي المتمثل بنشر الشيوعية، وانما تعاملت مع الثقافة الاقتصادية السائدة بواقعية، فتخلت عن الكثير من الثوابت الاشتراكية في اقتصادها لتمزجه بالاقتصاد العالمي. وهكذا غزت العالم لكن ليس بالسلاح وانما بالسلع المختلفة، وصارت القوة الاقتصادية الثانية في العالم بعد اميركا وهي الان في طريقها لتكون الأولى. لقد تغير العالم حقا، ولم يعد محميات عقائدية، لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية، وتداخل الاقتصاد العالمي، ولم تعد هناك حواجز بين الرؤية الاشتراكية والرؤية الرأسمالية، وانما هناك تكامل تفرضه ضرورات الاقتصاد نفسها، لان النظريتين هما نضح العقل البشري وتهدفان الى اسعاد البشر وان تقديس اي منهما وتكفير الاخرى، بات من مخالفات الماضي التي فرضها التكالب ومحاولات تعميم النموذج الذي يستبطن الرغبة في الاستقواء على الاخر المختلف عقائديا واحراجه اقتصاديا وسياسيا. وهذه الرؤية المتشنجة هي التي استولدت الحلفين العسكريين الكبيرين، (النيتو - وارسو) وتسببت في اهدار تريليونات الدولارات لصالح صناعة السلاح بدلا من التنمية. لم يتخلص العالم من هذه النزعة بعد، ولم يستمر تفاؤل الكثيرين بعد انهيار المعسكر الاشتراكي قبل ثلاثة عقود، لان جوهر الصراع كان وما زال اقتصاديا، وان من يملك القوة الاقتصادية يكون هو الاقوى عالميا. هكذا فهم الصينيون الامر وهكذا راحوا يطرحون نموذجهم المبهر امام العالم، وصاروا ينتزعون الاعتراف بهم من قبل اكثر الدول عداء للشيوعية، لانهم لم يأتوا الى اي بلد بعدة عقائدية ولم يشغلوا انفسهم وغيرهم بهذا الامر، لانهم ايقنوا ان الهدف الذي تبتغيه الشيوعية يمكن الوصول اليه من دون شعارات تخيف المختلفين معها. دول الخليج العربي، كانت وما زالت الاكثر قربا للمعسكر الغربي بقيادة اميركا، لكنها واقعيا تجاوزت مرحلة معاملتها من قبل اميركا بوصفها محميات، فالعالم اليوم بات مختلفا عن عالم الستينيات وحتى التسعينيات القريبة، وان الامن القومي لأية دولة يرتبط بالأمن العالمي وان الارتهان الكامل لأية قوة في العالم لا يعني توفير الامن بل ربما ثلمه بشكل او بآخر، ناهيك عن الاستعلائية التي تتعامل بها اميركا مع العرب بشكل عام والخليج بشكل خاص. وقد بلغت هذه الاستعلائية مرحلة مؤذية نفسيا في عهد الرئيسين الديمقراطيين اوباما ومن ثم بايدن الان، وهو ما لا يمكن الركون اليه في ظل واقع دولي مختلف وامكانية التعامل معه، طالما ان البعد العقائدي ليس هو الحاكم بل المصالح. وعليه فان الانفتاح على الصين يعني فتح صفحة جديدة في علاقات دول الخليج والعرب بشكل عام في علاقاتها الدولية، بعيدا عن الارتهان لاميركا ومن دون الاستغناء عنها (اميركا الدولة) كحليف استراتيجي في مجالات مختلفة، اي ان العلاقة الجيدة مع الصين لا تعني علاقة سيئة بأميركا والغرب، وهو ما تدركه اميركا، لكنها لا تستسيغه تماما، كونها ايقنت ان المنافس الصيني لم يصل الى الخليج بعدته الاقتصادية اعتباطا، بل كمعطى لفواعل داخلية خليجية وسياسات اميركية غير مقبولة، وايضا بعد ان صار تقبل الابتزاز الاميركي من الماضي وهو ما باتت تدركه اميركا او عليها ذلك.

مشاركة :