المنهج المحافظ في منظومة الأصول المشفرة «2 من 2»

  • 12/16/2022
  • 23:18
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

هناك بعض التحديات أمام تحقيق هذه الرؤية أولا، العملات المستقرة ليست كلها مستقرة. فواقع الأمر أن معظم العملات المستقرة تتقلب حول قيمتها المرغوبة ولا تتقيد بها على نحو صارم، بل إن بعضها يمكن أن ينحرف كثيرا عن قيمته المرغوبة. وينطبق هذا تحديدا على العملات المستقرة الخوارزمية، وهي رموز مشفرة تهدف إلى تثبيت قيمتها من خلال خوارزمية تعدل الإصدار تفاعلا مع العرض والطلب وتدعمها في بعض الأحيان أصول رقمية مشفرة غير مدعومة باحتياطيات. غير أن هذه الرموز تكتنفها مخاطر جسيمة. فهي عرضة لفك الارتباط بالاحتياطيات الداعمة لها إذا وقعت صدمة كبيرة تتسم بالاستدامة الذاتية التي تحافظ على استمراريتها بمجرد أن تبدأ، مثلما يتضح من تجربة TerraUSD. فقد عانت هذه العملة المستقرة فشل ارتباطها بالدولار في منتصف 2022 بعد موجات سحب جماعي من جانب المستخدمين شبيهة بموجات السحب الجماعي من البنوك. وأدى انهيار عملة TerraUSD التي كانت ثالث أكبر عملة مستقرة آنذاك، إلى حدوث سلسلة من الآثار المتتابعة ترددت أصداؤها في سوق العملات المشفرة كلها. وفي المستقبل، يمكن أن تمتد حالات عدوى مماثلة إلى أبعد كثيرا من أسواق العملات المشفرة، ذلك أن عديدا من العملات المستقرة تستند إلى احتياطيات مقومة بأدوات مالية تقليدية، كما أن المشاركين في السوق المالية التقليدية ازدادوا تعرضا للأصول المشفرة. ثانيا، لم تخضع تكنولوجيا دفاتر الحسابات الرقمية الموزعة التي ترتكز عليها العملات المستقرة للاختبار على نطاق واسع من منظور الدفع. ومن شأن هذه التكنولوجيات أن تجعل التحويلات العابرة للحدود من العاملين في الخارج ومدفوعات الجملة، أكثر كفاءة إلى حد ما، لكنها قد لا تنطوي على مزايا كبيرة مقارنة بنظم الدفع المحلية، ولا سيما في الاقتصادات المتقدمة. وفي حين أن الشمول المالي كثيرا ما يروج له باعتباره إحدى مزايا العملات المستقرة، فإن معظم المستخدمين متعلمون ومن فئة الشباب نسبيا ولديهم بالفعل حسابات مصرفية. وما لم تتم المعاملات خارج سلسلة الكتل ـ ما يدفع بالعملات المستقرة مسافة أبعد عن المثل التقليدية للعملات المشفرة القائمة على الشفافية واللامركزية ـ فمن الممكن أن تتجاوز تكلفتها في بعض الأحيان تكلفة بدائل مثل النقود المتداولة عبر الأجهزة المحمولة أو النقود الإلكترونية. وقد أدت هذه البدائل غير المشفرة إلى زيادة الشمول المالي في كينيا من 14 إلى 83 في المائة في الفترة بين 2006 و2019. أخيرا، قد تنشأ حواجز تنظيمية في هذا الصدد. فالهيئات المنظمة لأنظمة الدفع المحلية قد تحظر استخدام العملات المستقرة كأداة دفع لشراء السلع والخدمات ولا تسمح بدمجها في أنظمة الدفع المحلية. وإضافة إلى ذلك، فإن العملات المستقرة "والمنظومة المشفرة الأوسع نطاقا" لا تزال غير خاضعة للتنظيم السلوكي والاحترازي في عديد من الدول. وعلى الرغم من أن بعض قواعد مكافحة غسل الأموال قد تطبق، فإن المستخدمين لا تشملهم الحماية إذا حدث خطأ ما، فعلى سبيل المثال، يمكن أن يواجه المستخدمون خسائر كبيرة دون أن يكون لهم حق الرجوع بالتعويض إذا أصدرت عملات مستقرة مزيفة، وادعى المصدرون عن غير حق أن عملاتهم المستقرة مدعومة باحتياطيات، أو إذا سرقت هذه العملات أو لم يتمكن المستخدمون من الوصول إلى عملاتهم المستقرة أو استردادها بسعر الإصدار. ونظرا إلى المخاطر التي تنشئها العملات المستقرة، فقد نظرت بعض السلطات في تنظيمها على غرار ما تقوم به المؤسسات المالية التقليدية، مع تطبيق قواعد مختلفة وفقا لنماذج أعمالها، وبما يتناسب مع مخاطرها الاقتصادية ووظائفها الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، في حالة إصدار العملات المستقرة من جهات غير البنوك واستخدامها لأداء المدفوعات على نطاق محدود، قد تخضع جهات الإصدار لقواعد تنظيمية معدلة بشأن الدفع. وإذا كانت العملات المستقرة مدعومة بأصول احتياطية أقل سيولة ويتم استخدامها لأغراض الاستثمار، فقد تخضع جهات الإصدار لمتطلبات مماثلة لتلك المطبقة على الأوراق المالية. ومن بين المقترحات المطروحة من جانب سلطات عديدة أن تطبق على العملات المستقرة قواعد تنظيمية شبيهة بما تطبقه البنوك، خاصة إذا اتسع نطاق استخدامها في أداء المدفوعات. وإذا حدث ذلك، ستصبح العملات المستقرة ذاتها هي البنوك التي كان من المستهدف أن تحل الأصول المشفرة محلها. إن أي ابتكار يوفر للناس مزيدا من الخيارات، ويحد من سطوة المؤسسات التي توصف بأنها أكبر من أن تفشل، ويزيد من فرص الحصول على الخدمات المالية، ينبغي أن يتم النظر فيه. وفي ظل تطبيق التنظيم السليم، يمكن أن تحقق العملات المستقرة نموا يمكنها من أداء دور مؤثر في تحقيق هذه المزايا، لكنها لن تتمكن من القيام بهذا الدور وحدها. والواقع أنها بعيدة عن الرؤية الثورية التي تبناها مبتكرو الأصول المشفرة في الأساس.

مشاركة :