الرياض وبكين إحياء لطريق الحرير بعلاقات متينة

  • 1/20/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

زيارة الرئيس شي جين بينغ رئيس جمهورية الصين الشعبية إلى الرياض والتي يلتقي خلالها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- على الرغم من كونها تندرج في اطار الزيارات المتبادلة بين الدول، لكنها تحمل في طياتها الكثير من المعاني لاعتبارات عدة، لعل ابرزها انها تمثل صورة ومؤشرا للعلاقات المتينة التي تربط بين بلدين كبيرين بدورهما وتأثيرهما على المسرح الإقليمي والدولي، ما يعطي هذه الزيارة بعدا استراتيجياً مهماً. فكما هو معروف، للصين حضور دولي كبير، يعززه اقتصاد صاعد ومتين، مما يجعلها أحد الاقطاب الدولية المهمة، ناهيك عن دورها السياسي، بالاضافة الى انها كانت على مر التاريخ طرفا من أطراف طريق الحرير ذائع الصيت، الذي رسم الكثير من العلاقات بين دول المنطقة، وأثر في الثقافات ايضا. اما المملكة العربية السعودية، فكما هو معروف، فانها تمثل الحاضنة الأساسية للفكر الاسلامي، والحامي المحصن للدين الاسلامي الحنيف، ناهيك عن ثقلها العربي المهم، كأكبر دولة عربية، كان وما يزال لها الدور الاهم في الكثير من القضايا العربية والإسلامية والعالمية، خاصة في ظل التوجهات الحكيمة التي تتسم بها القيادة السياسية الرشيدة للمملكة، والتي تحرص كل الحرص على تعزيز التعاون الدولي، والعمل من اجل ترسيخ السلم السلام العادل عالميًا، ما أهّلها لأن تكون قبلة الباحثين عن حلول للكثير من المشكلات في منطقتنا والعالم. فخلال زلزال سيشوان عام 2008 كانت المملكة العربية السعودية أكبر مانح للمساعدات للصين، حيث قدمت أكثر من 40,000,000 يورو مساعدات مالية و 8,000,000 يورو للمساعدات الغذائية، تقديرا لمواقف الصين والشعب الصيني الصديق. ورغم اهمية العلاقات السياسية بين بكين والرياض، الا انه بمراجعة الجانب الاقتصادي لهذه العلاقات، نرى ان هناك ايضا تطوراً كبيراً في علاقات التعاون وتعمقها بين البلدين، على المستوى الاقتصادي والاستراتيجي. لعل الجانب الأبرز لهذه العلاقات الاقتصادية بين الدولتين هو تطور التبادل التجاري الذي وصل مجموعة في نهاية عام 2014 قرابة 74 مليار دولار، واختارت المملكة الصين كأهم الشركاء الاستراتيجيين في العالم، وذلك في نظرة سعودية إلى شرق آسيا كحليف استراتيجي جديد على مستويات عدة أهمها الجانب الاقتصادي، كما أن الصين تتخذ من المملكة خيارها الاقتصادي الأول في نواحٍ متعددة أبرزها جانب استيراد النفط. ففي يوليو الماضي، بلغت صادرات السعودية النفطية إلى الصين 993 ألف برميل في اليوم، بزيادة 12 في المئة على صادراتها في يونيو. وحافظت المملكة على موقعها في صدارة الدول المصدرة للنفط إلى الصين نحو عشر سنوات متواصلة. وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن مشتريات الصين النفطية من الشرق الأوسط ستتضاعف مرتين تقريبًا بحلول 2035، ومع تناقص الطلب على النفط السعودي في الولايات المتحدة بسبب امدادات النفط الصخري المنتج محليًا، ازدادت جاذبية السوق الآسيوية، وفي حين أن الولايات المتحدة ما زالت سوقًا كبيرة للنفط السعودي، فإن الصين واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها من البلدان الآسيوية تشكل نحو 70 في المئة من صادرات السعودية النفطية. لكن العلاقات السعودية الصينية تذهب أبعد من تجارة النفط، وتشمل استثمارات سعودية كبيرة في مصافٍ وشركات صينية تساعد في تطوير مصافي السعودية وحقولها الغازية. وحققت المملكة تقدمًا كبيرًا في توسيع طاقة مصافيها لتلبية الطلب الداخلي المتزايد على المشتقات النفطية. من هنا يمكن ان نفهم الأبعاد الكبيرة والأهمية لزيارة الرئيس الصيني الى الرياض، التي اثبتت دائما حرصها على تعزيز التعاون مع بكين، كواحدة من عواصم القرار والأقطاب المؤثرة عالميًا في صنع القرار الدولي التي كان وما زال لها مواقف مميزة وعادلة وواضحة من القضايا العربية المصيرية. وعلى صعيد متصل وفي 15 يناير 2012، وقعت الصين والمملكة العربية السعودية على صفقة زيادة التعاون النووي. حيث أن الهدف من ذلك هو "لتعزيز التعاون بين البلدين في مجال تطوير واستخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية" والاتفاق يمهد الطريق لتعزيز التعاون العلمي والتكنولوجي، والاقتصادي بين جمهورية الصين الشعبية والمملكة العربية السعودية، مع التركيز على مجالات مثل صيانة وتطوير محطات الطاقة النووية ومفاعلات الأبحاث، وكذلك تجهيز مكونات الوقود النووي. وهكذا ينظر الكثير من المراقبين الى هذه الزيارة باعتبارها نقطة مهمة ليس في ملف العلاقات بين البلدين، وانما لاثرها المؤكد على الكثير من مناحي السياسة والاقتصاد في المنطقة. ناهيك عن ان العلاقات بين البلدين تمثل شكلا من اشكال حوار الحضارات باعتبار إن الصين والسعودية ممثلين لكل من الحضارة الصينية والحضارة الإسلامية، وستعملان على بناء علاقات نموذجية تدفع الحوار والتكامل بين الحضارات، بالإضافة إلى العلاقات الاستراتيجية بعيدة المدى لمصلحة شعوب هاتين الدولتين المؤثرتين في العالم، وصناعة القرار الدولي لما يخدم مصلحة البلدين وشعبيهما.

مشاركة :