باريس - سلط تفكيك الأمن الفرنسي لخلية من اليمين المتطرف كانت تخطط لمواجهة مع مشجعي المنتخب المغربي في فرنسا خلال دوري النصف النهائي الذي فازت فيه فرنسا على المغرب (2-0) وكذلك التخطيط للأمر ذاته خلال دوري الترتيب بين المنتخبين المغربي والكرواتي، الضوء على عودة اليمين المتطرف للواجهة وإشهار العنف سبيلا للتموقع السياسي ليس في الساحة الفرنسية لوحدها بل في عموم أوروبا. وكان يمكن النظر لتلك الحادثة على أنها واقعة معزولة، لكن أمرا مشابها وأشد خطورة عاشته ألمانيا في الفترة الأخيرة مع تفكيك مخطط انقلابي بقوة السلاح على نظام الحكم أبطاله من اليمين المتطرف أعدوا العدة للضرب بقوة من ذلك هجوم مسلح على البرلمان وخطف واغتيال شخصيات سياسية. ويأخذ التطرف في أوروبا أكثر من عنوان وإن كان قد تم تصدير فكرة التطرف الديني الإسلامي على ضوء حوادث إرهابية سابقة، بينما ظل اليمين المتطرف بعيدا نسبيا عن دائرة الضوء تخطيطا وتحركا إلى أن كشفت ألمانيا عن أحدث وأخطر مخطط لجماعات يمينية متشددة بعد أعوام من كشف السلطات الأوروبية عن شبكة واسعة لعناصر يمينية خطيرة متورطة في تجارة السلاح والتحضير لعمليات إرهابية واسعة. وتعيش أوروبا حالة من التشنج السياسي بفعل وضع عام ناجم عن الاضطرابات الجيوسياسية الناشئة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا والتي بدأت تكبر ككرة النار في كل أنحاء العالم وترسم صورة قاتمة لمستقبل العلاقات الدولية. وتستغل الجماعات اليمينية المتطرفة كما الجماعات الدينية المتشددة الثغرات الناجمة عن حالة التشتت والفوضى السياسية والاقتصادية المتناثرة لإيجاد موطئ قدم لها وهو الحال في فرنسا كما في ألمانيا وربما في مناطق أخرى من القارة العجوز التي تكابد في مواجهة أسوأ وضع في تاريخها المعاصر. قبل فترة من تفكيك السلطات الألمانية لمجموعة يمينية متطرفة معروفة كانت تعمل على مخطط تخريبي واسع، كانت السلطات ذاتها تتعقب شبكة معقدة لجماعة الإخوان المسلمين ولجماعات سلفية متشددة تعمل على التسلل إلى النسيج المجتمعي الأوروبي لأغراض سياسية وتخريبية. ولم تكن تلك التطورات استثناء في سياقاتها فقد سبق أن اشتغلت السلطات الفرنسية والبلجيكية على تفكيك خلايا متطرفة دينيا. وفي المقابل أعاد اعتقال الأمن الفرنسي لعناصر من مجموعات يمينية متطرفة وعنيفة إحياء المخاوف من صعود اليمين المتطرف. وأرجأت محكمة في باريس السبت محاكمة سبعة شبان على صلة باليمين المتطرف يشتبه في تخطيطهم لمواجهة مشجعي المنتخب المغربي في أعقاب مباراة نصف نهائي كأس العالم في كرة القدم بين المغرب وفرنسا. واعتقلت الشرطة الشبان مع عشرات آخرين الأربعاء في حانة في الدائرة 17 بالعاصمة الفرنسية بعد المباراة التي فازت فيها فرنسا على المغرب بهدفين نظيفين. وبينما تم الإفراج عن الموقوفين الآخرين دون توجيه تهم إليهم، أفاد مصدر في الشرطة بأن هناك شبهات في تخطيط هؤلاء الشبان السبعة للتوجه إلى الشانزليزيه لمواجهة مشجعي المغرب هناك. ومن بين الشبان مارك دو كاكراي فالومنييه البالغ 24 عاما والذي يشتبه في أنه زعيم جماعة 'زواف باريس' اليمينية المتطرفة التي حظرتها السلطات في يناير/كانون الثاني. وقال الادعاء العام إنه يشتبه في أن فالومنييه يقف وراء الدعوة للتجمع في الحانة "للدفاع عن العلم ضد المغاربة". وأُفرج عن جميع المتهمين بكفالة وتم تحديد 13 يناير/كانون الثاني 2023 لعقد جلسة استماع لهم في المحكمة. واعتقلت الشرطة نحو 115 شخصا في باريس بعد مباراة المنتخب الفرنسي أمام المغرب، كما وقعت اشتباكات السبت الماضي بعد فوز فرنسا على إنكلترا في الدور ربع النهائي. وانتشرت الشرطة بشكل كثيف السبت قبل مباراة المركز الثالث بين المغرب وكرواتيا والتي فازت فيها كرواتيا بهدفين مقابل هدف. وسيتم نشر نحو 14 ألف شرطي في جميع أنحاء فرنسا الأحد لضمان الأمن بعد المواجهة بين فرنسا والأرجنتين في نهائي كأس العالم. وتتحرك مجموعات يمينية متطرفة مستغلة الحدث الكروي للظهور تتقدمها مجموعة صغيرة تدعى 'زواف باريس' التي تأسست عام 2018 وتم حلها مطلع 2022 بمرسوم حكومي وهي مجموعة ولدت من رحم مجموعة 'اتحاد الدفاع' المنظمة الطلابية اليمينية المتطرفة الناشطة منذ سبعينات القرن الماضي ويدعى زعيمها السابق مارك دي كاكيراي فالمنييه هو من مجموعة من 47 تم اعتقالهم في باريس منتصف الشهر الحالي بعد لقاء فرنسا والمغرب واستخدموا أسلحة بيضاء وقنابل دخان. كان مارك دي كاكيراي فالمينييه قد حُكم عليه بالسجن لمدة عام عندما تم حل المجموعة ولكن تم الإفراج عنه في مارس/اذار 2022. واعتقلت السلطات الفرنسية أيضا عناصر من مجموعة 'المعقل الاجتماعي' (Social Bastion) والتي تأسست في العام 2017 وتم حلها بقرار رسمي في 2019 قبل أن تتجدد في شكل مجموعات محلية تتمركز الرئيسية منها في محيط مدينة ليون. من بين المعتقلين الآخرين، هناك أيضاً أعضاء من "المعقل الاجتماعي" ، الذي تم إنشاؤه في عام 2017، والذي تم حله من قبل السلطات في عام 2019 قبل أن يولد من جديد عبر العديد من المنظمات المحلية، تتمركز هذه المجموعة حول مدينة ليون. ومن بين المجموعات اليمينية المتطرفة مجموعة 'غيد' التي تأسست في 1968 وتم حلها لتعود لنشاطها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وقد تم حظرها، فيما يلقب أفرادها بـ"الجرذان السوداء" واعتقل عدد من عناصرها في منتصف الشهر الماضي بعد مباراة المغرب وفرنسا. وعادت كذلك حركة 'جيل الهوية' الشهيرة التي تم حلها في العام الماضي للظهور تحت اسم آخر هو 'أرغوس' وفق ما أكدت صحيفة 'ليبراسيون' التي أشارت إلى أنها نظمت حدثا في 10 ديسمبر/كانون الأول الحالي في باريس. ومن بين العناصر المتطرفة الذين اعتقلوا بول أكسيس، وكان هو وآخرين جزء من هذه المجموعة وحُكم على بعض أعضائها بالسجن مع وقف التنفيذ أو عقوبة صارمة بعد اقتحام مقر 'اس اوس ميديتيراني' في مرسيليا. وفي وقت سابق من الشهر الحالي فككت الأجهزة الأمنية الألمانية ما قالت إنها خلية من 25 شخصا من أعضاء ومناصري جماعة يمينية متطرفة كانت تخطط لقلب نظام الحكم باستخدام العنف وتحضير بعض من أفرادها لهجوم مسلح على البرلمان. ونجحت ألمانيا في السنوات الأخيرة في إحباط مخططات إرهابية لجماعات يمينية متطرفة وأخرى إسلامية لكنها المرة الأولى التي تعلن فيها إحباط مخطط لقلب نظام الحكم بالقوة. وقال المدعون إن المجموعة استلهمت أفكارها من نظريتي مؤامرة الدولة العميقة 'كيو أنون' وحركة 'رايخ برجر' أو 'مواطنو الرايخ'، اللتين لا تعترفان بشرعية ألمانيا الحديثة. وتصر المجموعة على أن الرايخ الألماني "الإمبراطورية الألمانية" لا تزال قائمة على الرغم من هزيمة النازيين في الحرب العالمية الثانية. وقال مكتب الادعاء العام إن المؤامرة كانت تهدف لتنصيب عضو سابق في عائلة ملكية ألمانية يُعرف باسم هاينريخ الثالت عشر بي.آر، زعيما للدولة المستقبلية ومشتبها به آخر يُدعى روديجر في.بي قائدا للذراع العسكرية للدولة. الإخوان على خط المنافسة وفي الفترة الماضية بينما كان العمل منصب على خلايا اليمين المتطرف، أحيا حزب البديل الألماني المتطرف المخاوف من تنامي نشاط جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية المتشددة التي تستفيد من نظام قانوني تحت مسمى حماية الحرية الدينية. ولا تخفي مراكز الأبحاث المعنية بمتابعة شؤون جماعات الإسلام السياسي في أوروبا، مخاوفها من أنشطة تقودها أساسا جماعة الإخوان المسلمين للتوسع والتأثير بما يفكك النسيج الاجتماعي الأوروبي وهي قضية لم تهدأ بعد اكتشاف شبكات واسعة ومترابطة تابعة للإخوان في أكثر من دولة أوروبية. ويقول 'المركز الأوروبي لدراسة مكافحة الإرهاب والاستخبارات في تقرير صدر العام الماضي، إن منظمة 'رؤيا' تضم عددا كبيرا من قيادات الإخوان المسلمين في ألمانيا، موضحا أن التقديرات تشير إلى أن عدد الأعضاء يصل إلى 40 ألفا وأن هذه المنظمة تعتبر الأكبر منظمة تابعة للإخوان المسلمين متواجدة في ألمانيا. وبعيدا عن موقف حزب البديل الألماني، تقول مصادر إن التفاتة ألمانيا لجماعات الإسلام السياسي على أراضيها ممثلة أساسا في جماعة الإخوان تعتبر متأخرة مقارنة بالنفوذ الذي باتت تتتمتع به هذه الجماعات وشبكاتها السرية والعلنية إضافة إلى الجمعيات التي أنشأتها والتي تشكل واجهة لأعمال خيرية وإنسانية ودعوية بينما تتمدد في عموم أوروبا داخل النسيج المجتمعي. ولم تكن الالتفاتة الألمانية استثناء في خضم تنسيق بين الحكومات الأوروبية في السنوات الأخيرة التي رصدت فيه أجهزتها تناميا ملحوظا لأنشطة مريبة مقترنة بحوادث إرهابية متناثرة في أكثر من منطقة. وشكل الفضاء الافتراضي على الانترنت وسيلة للتوسع واختراقا للحدود بين دول أوروبا وهي مهم أخرى بات ملحة في ملاحقة أذرع التطرف الافتراضية والتي أسست بدورها لمنافذ واسعة اخترقت من خلالها المجتمعات الأوروبية. وكان المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والاستخبارات قد لفت في تقرير سابق إلى تبني جماعة الإخوان وفروعها وهيئاتها في ألمانيا إستراتيجية تعتمد على اختراق بطيء للمجتمع بينما تتولى قيادات من النخبة مدربة تدريبا جيدة وتعمل ضمن خلايا سرية هذه المهمة. وبين الجماعات الإسلامية المتطرفة والجماعات اليمينية المتشددة تجد دول أوروبية نفسها عالقة في متاهة خطاب الكراهية والعنصرية والتشدد الديني، فشلت الحملات الأمنية إلى حدّ الآن في تطويق خطره وإن كبحت إلى حدّ ما أنشطة خطيرة للطرفين.
مشاركة :