قصص الزعتري لا تنتهي، وما عليك إلا أن تزور خيمة جديدة لتستمع إلى قصة لا تقل إيلاما عن تلك التي سمعتها في الخيمة السابقة. من «حران العواميد» في ريف دمشق الشمالي جاء إلى مخيم «الزعتري» مثقلا بالمرض وهموم الأبناء والأحفاد الذين تركهم وراءه وهم اليوم في المجهول «لا علم ولا خبر» كما يقول «محمد يوسف» ــ أبو وليد العجوز الثمانيني من داخل خيمته وغربته الثقيلة. تقول «أم علي» ابنته إنها تقضي يومها في رعايته حيث يعاني من عدة أمراض تفاقمت منذ أن خرجوا من قريتهم مكرهين، فهو اليوم أسير أمراض القلب والسكر، ويعاني مرضا في الأطراف يمنعه عن الحركة ويمضي نهاره وليله داخل الخيمة. سألنا أبو وليد عن حاله فأجاب: ها أنا أعد الليالي والأيام، يجافيني النوم ويهدني المرض.. ويتابع العجوز بحرقة وصوت متهدج: لولا وجود ابنتي معي لكان الوضع أصعب وما كنت أعرف ما الذي يمكن أن أفعله وأنا عاجز عن الحركة.. يتمتم «أبو وليد» دون أن نفهم ما يقول فنسأله أن يعيد علينا وإذ به يحشرج حزناً ليخبرنا أنه يفكر كل لحظة في أولاده الثمانية وأحفاده الخمسين الذين شردهم النظام ولم يعد يعلم عنهم شيئاً. يقول العجوز إنهم خرجوا من بيوتهم بعد قصف شديد وحملة اقتحام مدعمة بالدبابات تعرضت لها قريتهم. عرفنا أن أهالي القرية خرجوا يهيمون على وجوههم، وبينهم عائلة «أبي وليد» كل ذهب في طريق، وكان العجوز وابنته من حصة «الزعتري» بعد رحلة مريرة استمرت لأسابيع. تخبرنا «أم علي» الخمسينية أنها وصلت مع والدها إلى مخيم الزعتري قبل أكثر من شهر، وهما الآن يسكنان داخل هذه الخيمة حيث يدخل فصل الشتاء القارس، مشيرة إلى أن المطر اقتحم خيمتهما، وهي تشتكي سوء الحال وتعبر من خوفها من أن يقضي الوالد العجوز من البرد، وتختم قائلة: أدعو الله أن يهدي إدارة المخيم لتسلمنا «كرفان» قبل أن نموت في هذا المكان فالخيمة لا تحمينا ولا ترد البرد عنا كما أن ظروف والدي الصحية تزيد من مأساتنا.
مشاركة :