إحياء شخصية عبدالكريم المغيلي يعيد الجدل حول تاريخ اليهود في الجزائر | صابر بليدي

  • 12/22/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

جاء ملتقى عبدالكريم المغيلي الذي نظمته السلطات الجزائرية ليسلط الضوء على توجهاتها في الفترة المقبلة التي ستسير على نهج العلامة الصوفي، والتي تجدد تأكيد موقف الجزائر الرافض للتطبيع، لكنها تعيد الجدل حول تاريخ يهود الجزائر الذين هجّرهم المغيلي بقوة السلاح في القرن الخامس عشر، وهو تاريخ يرغب يهود إسرائيل في البحث فيه وإعادة قراءته. الجزائر - أولت السلطات الجزائرية اهتماما كبيرا لملتقى “عبدالكريم المغيلي..الحوكمة واستقرار المجتمعات الأفريقية ووحدتها” بشكل أوحى بوجود نوايا رسمية لاستغلال أبعاد شخصية الرجل في بعث دبلوماسية دينية عبر إحياء الامتداد الصوفي في عمق أفريقيا، وتبني أفكاره ومواقفه تجاه المكون اليهودي، في سياق الموقف الرسمي للدولة الجزائرية الرافض لخيار التطبيع مع إسرائيل. أحيا الحديث عن شخصية عبدالكريم المغيلي التلمساني الحديث عن وضع وتاريخ المكون اليهودي في الجزائر، وإمكانية استنباط موقف سياسي معيّن منه، على اعتبار تبني السلطة الجزائرية لموقف رافض للتطبيع العربي – الإسرائيلي، وهو ما يتطابق مع خوض الرجل لحرب أنهت الوجود اليهودي في جنوب الجزائر منذ القرن الخامس عشر. وتذكر روايات تاريخية أن منطقة أدرار (1400 كلم جنوبي العاصمة) شكلت حاضنة لليهود منذ القرن الأول ميلادي، وتعززت أكثر مع سقوط الأندلس حيث قصدتها قوافل يهودية، وكانت تعتبر محطة كبرى على طريق الملح الذي كانت تتحرك فيه قوافل تجارية بين مدن وحواضر جنوب الجزائر ومناطق الساحل والصحراء. لكن من جانب آخر تتباين تلك الروايات بشأن التعايش الاجتماعي في المنطقة بين مختلف المكونات العرقية والإثنية آنذاك، بين قائل بالتسامح والتضامن، وبين قائل بهيمنة اليهود بسبب احتكارهم للنشاط التجاري والاقتصادي، وهو الشعار الذي يرفعه أنصار عبدالكريم المغيلي في تبرير حربه عليهم وإنهاء وجودهم في المنطقة. السلطة تريد توظيف المرجعية الصوفية كدبلوماسية ناعمة، قياسا بمكانة الجانب الروحي في تعزيز الامتداد الأفقي السلطة تريد توظيف المرجعية الصوفية كدبلوماسية ناعمة، قياسا بمكانة الجانب الروحي في تعزيز الامتداد الأفقي وألقت الجزائر بثقل كبير في فعاليات ملتقى “عبدالكريم المغيلي.. الحوكمة واستقرار المجتمعات الأفريقية ووحدتها”، من خلال الحضور الرسمي والنوعي لرموز السلطة، والاستقبال الذي حظي به العديد من وجوه التيار الصوفي المشاركة في الملتقى، مما أعطى الانطباع بأن السلطة تريد توظيف المرجعية الصوفية كدبلوماسية ناعمة، قياسا بمكانة الجانب الروحي في تعزيز الامتداد الأفقي بالمنطقة. وأشاد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في الرسالة التي قرأها بالنيابة عنه وزير الشؤون الدينية والأوقاف يوسف بلمهدي، بـ”مآثر العلامة والإمام المغيلي الذي سجل اسمه في التاريخ كأحد العلماء الأجلاء بما قام به من أدوار بارزة في المجالات العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وفي نشر الوعي والهداية خلال القرن الخامس عشر الميلادي في أفريقيا”. ويعتبر عبدالكريم المغيلي، رغم مرجعيته الصوفية، رمزا من رموز الإسلام السياسي آنذاك، فقد تنقل بين مختلف المدن والحواضر الأفريقية، وكان قريبا من بعض الحكام في المنطقة، فوجه السياسات الرسمية المنتهجة والأنظمة الاجتماعية نحو عقيدته الإسلامية الصوفية، على غرار ضرورة نسب الأبناء إلى آبائهم في المجتمع التارقي، حيث كانت المرأة تهيمن على كل شيء بما فيه نسب الأبناء. وعكف الملتقى على دراسة الجوانب الفكرية والسياسية والعلمية للإمام محمد بن عبدالكريم المغيلي التلمساني (1425 – 1504) وهو أحد كبار العلماء الجزائريين في القرن الخامس عشر الميلادي والمكانة المرموقة التي كان يحظى بها داخل الوطن وخارجه في تلك الفترة خصوصا ببعض بلدان القارة الأفريقية مثل مالي والنيجر ونيجيريا، وبعض مواقفه التاريخية الشجاعة تجاه قضايا مهمة برؤيته الإصلاحية الوسطية. وتركزت المداخلات التي قدمتها العديد من الوجوه الصوفية في الجزائر وفي بعض الدول الأفريقية والإسلامية على عدة محاور كـ”الإمام محمد بن عبدالكريم المغيلي: السيرة والمسيرة”، و”البعد الإصلاحي التحرري في الفكر المغيلي وامتداداته الإقليمية والدولية”، و”الفكر السياسي لدى الإمام المغيلي: مشروع رائد في بناء الدولة وإرساء لأولى ركائز الحكم الراشد”، و”مقاربة المغيلي للوحدة والسلام في أفريقيا.. رسائل هادفة ونصائح خيرة في خدمة الإنسانية”. وذكرت وثائق من الملتقى أن “المؤتمر الذي نظمته وزارتا التعليم العالي والبحث العلمي والشؤون الدينية والأوقاف في إطار الاحتفالات المخلّدة للذكرى الستين لعيد الاستقلال جاء لإحياء مسار ودور الشيخ المغيلي في نشر الإسلام في أفريقيا وإبراز قيم الحوار والتسامح التي ميزت الخطاب الديني الوسطي لهذا العالم الجزائري الذي اشتهر بالمناظرات العلمية وبالترحال في بلدان العالم الاسلامي وما وراء الصحراء الأفريقية ناشرا للإسلام “. عبدالكريم المغيلي إمام صوفي من الطريقة القادرية، ولد بتلمسان أواخر القرن الرابع عشر، درس ببجاية ثم بمدينة الجزائر حيث تتلمذ على يد عبدالرحمن الثعالبي الذي كلفه بنشر الطريقة القادرية في جنوب بلدان المغرب العربي، وبعد رحلة كبيرة امتدت بين الجزائر والمشرق العربي ثم الساحل والصحراء الأفريقية، وافته المنية في عام 1504 بمدينة أدرار ودفن بزاوية “كونتة ” تاركا وراءه أكثر من 24 مؤلفا ورسالة. غغ ويذكر المؤرخ أحمد جعفري أنه “لا زال اليهود إلى الوقت الحالي مندهشين من طريقة طردهم من الجنوب الجزائري خاصة بمنطقة تمنطيط في أدرار، رغم أنهم أسسوا شبه دولة هناك وبنوا القصور ودور العبادة”، وأوضحت دراسة إسرائيلية حديثة أن معظم الأكاديميين في الجامعات الإسرائيلية منشغلون بشخصية العالم والزاهد عبدالكريم المغيلي التلمساني الذي طردهم بحد السيف من مناطق توات، ويعمل فريقٌ إسرائيلي متخصص حاليا على معرفة الكثير حول هذا الجانب وعن آثار اليهود في هذه المناطق ومحاولة وضع مخطط لمسح هذه الجهات ودراسة الآثار التي تركوها هناك، لاسيما نظام صرف المياه والقصور القديمة التي أنجزوها، وتتميز هذه الأبحاث حسب مواقع إسرائيلية بالدقة والبحث المعمق في هذا الجانب الذي ينعته بعض الحاخامات بـ”الهام”، بل ويصفه البعض بـ”الكنوز التاريخية لليهود عبر العالم”. اقرأ أيضا: معاداة السامية المدعاة للراحة وظل الموقف متباينا من المكون اليهودي في المنطقة، حيث تزامنت حرب المغيلي على اليهود مع تيار معتدل يدعو إلى التعايش والتسامح بين مختلف الإثنيات العرقية والدينية، وهو ما يذكره المؤرخ أحمد جعفري بالقول “وإذا كان العلامة المغيلي قد تشدد مع اليهود وطردهم بعد تكوين جيش قوي، فإن رفيقه الشيخ العصموني عاملهم بالحسنى واحترم دينهم وتعايش معهم”. ورغم تركيز الملتقى على مختلف الجوانب الروحية والاجتماعية والعقائدية في شخصية الرجل، إلا أن ذلك لا يحجب التوجه البارز فيها وهو موقفه من المكون اليهودي، والذي يعتبر المعلم الأول والأبرز في الجدل القائم حول تاريخ الأقلية اليهودية في الجزائر، لاسيما في ظل التطورات السياسية والمواقف الرسمية للبلاد من موجة التطبيع. وفي هذا الشأن، كان الأديب والروائي أمين الزاوي قد ألف رواية “آخر يهود تمنطيط ” في العام 2012، في إشارة إلى حقبة المغيلي، استعرض فيها انهيار حضارة إنسانية عريقة في المنطقة، وصعود موجة التطرف التي هدمت علاقات التسامح والتعايش. وهو ما رد عليه الأديب ميلود خيزار بالقول “يهود تمنطيط كانوا آنذاك أكبر قوة اقتصادية في المنطقة وكانوا يتحكمون في التجارة، وأهم عنصر حيوي وهو المياه ويرتكبون تجاوزات خطيرة في حق أهالي المنطقة”.

مشاركة :