الحرب الروسية الاوكرانية الى اين؟

  • 12/23/2022
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

ونحن في الشهر العاشر، منز بدء الغزو الروسي الى أوكرانيا، في يوم 24 فبراير والكل يتسائل، الى اين تقودنا هذه الحروب؟ وهل هناك نهاية لهذا النفق المظلم الذي دخلته هذه الحرب؟ واصبح يؤثر على العالم كله. وهناك من يتساءل هل يعيد التاريخ نفسه؟ ففي عام 1962، قامت ثورة بدولة كوبا، وهي الجزيرة الملاصقة للولايات المتحدة الأمريكية، ضد حاكم اسمه باتيستا، ونتج عنها قيام الحكم الشيوعي، برئاسة الزعيم كاسترو، ومعه جيفارا، وتماشياً مع أحداث تلك الحقبة التاريخية، وقعت كوبا، برئاسة كاسترو، اتفاقية تعاون مع الاتحاد السوفيتي، رمز الشيوعية في ذلك الوقت. ففوجئت الولايات المتحدة، برئاسة جون كينيدي، حينها، بوجود صواريخ نووية، سوفيتية، على الأراضي الكوبية، الملاصقة لحدودها، وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة، تهديداً مباشراً لأمنها القومي؛ فوجود صواريخ نووية لدولة أجنبية على أرض ملاصقة، أو قريبة، يعتبر تهديداً لأمن دول الجوار، وفقاً لمفاهيم الأمن القومي وقواعد العلوم العسكرية. وأمام ذلك التهديد، الصريح، أصدر كينيدي أوامره بالاستعداد لإطلاق الصواريخ النووية الأمريكية، تجاه كوبا، ومحوها من الوجود، تماماً. استمرت تلك الأزمة لمدة 14 يوماً، وانتهت بسحب الاتحاد السوفيتي لصواريخه النووية من كوبا، مع قيام الولايات المتحدة بسحب بطارية صواريخ نووية لها من الأراضي الحدودية. وعرفت هذه الأزمة باسم “أزمة الصواريخ الكوبية”، وكانت سبباً في ظهور علم إدارة الأزمات، الذي صار مادة أساسية في كل معاهد وكليات العلوم الاستراتيجية والأمن القومي في العالم. واليوم، وبعد ستون عاماً، يتكرر نفس المشهد، على المسرح الأوروبي، مع تبديل الأدوار؛ فها هي روسيا، رمز بقايا الاتحاد السوفيتي المنهار في عام 1991، تجد دولة جوار، مستقلة، كانت يوماً ضمن اتحادها السوفيتي، وهي أوكرانيا، تطالب بالانضمام لحلف الناتو، بما سيسمح لوجود قواته الأمريكية أو البريطانية أو الفرنسية، على أرضها. فتكرر المشهد، الذي دار منذ ستين عاماً، ولكن في هذه المرة أصبحت روسيا هي من ترفض وجود قوات أجنبية على أراضي دولة مجاورة، وطلبت من الولايات المتحدة ودول حلف الناتو، التعهد، كتابياً، بعدم ضم أوكرانيا لحلف الناتو. وأمام ما واجهته روسيا من رفض الولايات المتحدة، ودول حلف الناتو، لطلبها، ما كان منها إلا أن بدأت في حشد قواتها العسكرية على حدود أوكرانيا. وبدراسة هذه الحشود وحجمها ونوعيتها وأسلوب تمركزها، يتضح أنها تجميع قتالي، يهدف للقيام بعمليات هجومية، لاختراق أوكرانيا. وبالطبع، أعلنت الولايات المتحدة، ودول حلف الناتو، عدم تدخلهم في العمليات العسكرية، حال نفذتها روسيا، ولكن هددوا بفرض عقوبات اقتصادية رادعة على روسيا في حالة غزوها لأوكرانيا عسكرياً. ومما لا شك فيه، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد اجتمع بمجلس دفاعه، في موسكو، لدراسة كافة الجوانب المتعلقة بالموقف، ويبدوا أن مستشاريه الاقتصاديين، أكدوا له قدرة الاقتصاد الروسي على تحمل العقوبات المنتظرة عليه من الولايات المتحدة، والدول الأوروبية، ولا شك أن مستشاريه العسكريين شددوا على قوة روسيا العسكرية في مهاجمة أوكرانيا والانتصار عليها. وهنا اتخذ بوتين قراره بمهاجمة أوكرانيا، وفرض إرادته عليها، إما بإجبار حكومتها الحالية، على توقيع تعهد بعدم الانضمام لحلف الناتو، وعدم السماح لأي قوات عسكرية أجنبية بالتواجد على أراضيها، وإما تغيير الإدارة الأوكرانية الحالية، واستبدالها بحكومة عسكرية تابعة، تدين بالولاء لروسيا، مثلما كان الحال قبل الانتخابات الأوكرانية الأخيرة في 2019. وانطلاقاً من هدفها في الوصول لأحد تلك البدائل، شنت روسيا الهجوم على أوكرانيا، في عمليات تعرف في مفاهيم العلم العسكري باسم “حرب تقليدية محدودة”، ويرجع تعريفها “بالتقليدية”، لأنها ليست حرب نووية، في ظل عدم امتلاك أوكرانيا للسلاح النووي، أما مصطلح “محدودة” فيرجع لأنها بين دولتين، فقط، هما روسيا وأوكرانيا، بعدما أعلنت الولايات المتحدة وحلف الناتو، عدم اشتراكهما في هذه الحرب. وبدأت العمليات العسكرية بقيام روسيا بتنفيذ ضربة صاروخية ضد البنية التحتية العسكرية الأوكرانية بالصواريخ البلاسيتية عالية الدقة وصواريخ الكروز، بالتزامن مع ضربة سيبرانية إلكترونية. وجاءت الضربة الصاروخية، بديلاً لما كان يتم من قبل، في مختلف الحروب التقليدية، من توجيه ضربة جوية، وأظن أن ذلك الفكر الروسي، الجديد، سوف يُعتمد كمنهج في الحروب المستقبلية، نظراً لارتفاع تكلفة الضربات الجوية، إذ يصل ثمن الطائرات الحديثة مثل F16 وسوخوي، إلى 100 مليون دولار، مقارنة بالصاروخ، الذي لا يزيد عن بضعة آلاف من الدولارات، وينفذ نفس المهمة. وانطلقت الضربة الصاروخية، ومعها الهجمة السيبرانية، ضد قواعد الصواريخ الأوكرانية والرادارات ومراكز القيادة والسيطرة ومخازن الصواريخ والمصانع الحربية والتجميعات القتالية والقواعد الجوية والمطارات الحربية الأوكرانية، وتمكنت هذه الضربات الروسية القوية من تدمير حوالي 70% من البنية الأساسية العسكرية الأوكرانية، خلال 5 ساعات. و اليوم و بعد مرور عشرة اشهر على هذه الحرب، الكل يتساءل، هل هناك بارقة أمل ونحن ندخل بعد ايام في العام الجديد هل من الممكن أن تنتهي هذه الحرب؟ وهل سيعود السلام؟ والواقع أن كل التحليلات تشير إلى أنه من المنتظر أن تظهر بوادر حل هذه الحرب مع نهاية هذا الشتاء، عندما تظهر نتائج حرب الغاز، التي تشنها روسيا مع بداية الشتاء ضد أوكرانيا وضد دول الاتحاد الأوروبي، وهل سيؤثر ذلك في المواطن الأوروبي الذي سيدفع حكوماته بالتخلي عن دعم أوكرانيا في سبيل أنه ذاق الأمرين في الشتاء القارس وبعضهم لم يحصل على التدفئة الكافية مع ارتفاع الأسعار، والتضخم، والبطالة، كل ذلك بسبب هذه الحرب. وهناك تساؤل أيضا بعد فوز الجمهوريين بالأغلبية في الكونغرس الأمريكي، حيث من المحتمل تقليل الدعم العسكري والمادي الذي كان يقدمه جو بايدن إلى الرئيس الأوكراني، هل سيقبل الرئيس الأوكراني قبول الجلوس على طاولة المفاوضات مع الرئيس بوتن للوصول إلى حل سياسي سلمي؟ وما هو الحل المقترح بعد أن تعقدت الأمور للوصول إلى تسوية سياسية بإعلان الرئيس بوتن ضم الجمهوريات الأربعة لوهانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا، حيث سترفض روسيا أي مساس بهذه الجمهوريات، وكذلك شبه جزيرة القرم التي تطالب روسيا بها منذ بدء الحرب وأن تعترف أوكرانيا بأنها جزء من روسيا الاتحادية، كل ذلك بالطبع سيعقد الدخول إلى تسوية سلمية. وعموما فإن أوكرانيا أعلنت منذ البداية انه لا مانع لديها بقبولها المبدئي بعدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلنطي، واعترافها بعدم الحصول على سلاح نووي مستقبلا، لكن ستظل هذه الجمهوريات الأربعة وشبه جزيرة القرم هي العقبة للتوصل إلى أي حل سياسي مستقبلا. كذلك أعتقد أن انخفاض الدعم الأمريكي إلى أوكرانيا مستقبلا، واحتمالات ضغط الشعوب الأوروبية، قد يدفع الرئيس الأوكراني إلى قبول الدخول في مفاوضات سلمية، خاصة ان هناك 10 ملايين أسرة أكرانية، تعيش الان بلا كهرباء، خاصة أن الرئيس بوتن أعلن أنه مستعد للتفاوض فورا للوصول إلى حل سلمي. على أي حال فإن نتائج أحداث للشهرين القادمين سيكون لهما دلائل على الوصول إلى حل سلمي قريب لهذه الحرب.

مشاركة :