هل تحتاج تونس إلى حوار وطني يعيد عقارب الساعة إلى الوراء

  • 12/24/2022
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

هل تحتاج تونس إلى حوار وطني يعيد عقارب الساعة إلى الوراء من الطبيعي أن يستفيد الاتحاد من نتائج الانتخابات التي سلبت من قيس سعيد أهم أوراقه الدفاعية وجر الطبقة السياسية الموالية للمنظمة النقابية إلى مربع الحوار والمطالبة بخارطة طريق لـ"إنقاذ البلاد". ورقة ضغط لدى أحزاب المعارضة بدأت أطراف عديدة، بينها اتحاد الشغل، بالاستعداد لاستثمار نتائج الانتخابات التشريعية في تونس وتحويلها إلى ورقة ضغط وابتزاز للرئيس التونسي قيس سعيد من أجل ضبط ملامح المرحلة القادمة. يريد الاتحاد استنساخ الحوار الوطني الذي جرى في 2013 وبوّأه دور الحكيم الذي يقود تونس إلى بر الأمان، وفي نفس الوقت يجعل صوته فوق الجميع، وليس فقط مجرد ضامن للانتقال السياسي من وضع إلى وضع. ليس هناك شك في أن نتائج الانتخابات قد أظهرت أن قيس سعيد في وضع ضعيف، وأن الشعبية التي بنى عليها خطواته منذ 25 يوليو 2021 في انحدار واضح لأسباب منها ما يعود إلى شخصه كرجل يريد جمع كل الصلاحيات دون توظيفها، ومنها ما يعود إلى عجز حكومته عن التعاطي الموضوعي مع ما يجري. كان قيس سعيد منذ انتخابه قبل ثلاث سنوات يواجه ضغوط الداخل والخارج بورقة قوية بين يديه، وهي أن قرابة ثلاثة ملايين شخص قد انتخبوه، وهذا تفويض كاف ليفعل ما يريد، ويغير القوانين والسياسات. الآن وجد نفسه في وضع مناقض تماما لما كان عليه. قد يكون بالغ في تقدير شعبيته، ولم يفهم رسالة التونسيين من وراء انتخابه بالرغم من وجود قائمة من الأسماء المعروفة في دنيا الأحزاب، فيما هو شخص قادم من خارج السياسة والأحزاب. عرض الحوار الوطني في صورته القديمة سيزيد من توسيع الأزمة التي تعيشها البلاد ويثقلها بالأعباء المالية في وقت تبحث فيه عن تأمين الرواتب لأشهر قليلة يكمن سوء التقدير في أن الرئيس سعيد فهم رسالة الناخبين على أنها انحياز له كشخص ليتجه بعد فوزه إلى تثبت رؤيته السياسية، ولم يفهم ما جرى على أنه تصويت عقابي ضد السياسيين. تصويت ضد الفساد والمحسوبية وركوب الدولة لتحقيق الأجندات الخاصة والأجندات الحزبية والأجندات الخارجية. لكن الفرق بين قيس سعيد ومن سبقوه أن الوقت ما يزال في صالحه، ويمكن أن يغير أسلوبه في التعاطي مع الواقع وينتقل من الملعب السياسي السهل، والمفضل لدى جميع السياسيين إلى الملعب الصعب، ملعب خدمة الناس بإنقاذ الاقتصاد وتوفير فرص العمل وتحسين القدرة الشرائية. من الطبيعي أن يستفيد الاتحاد من نتائج الانتخابات التي سلبت من قيس سعيد أهم أوراقه الدفاعية، أي الشعبية، ويطالب بحوار وطني أو خارطة طريق لـ”إنقاذ البلاد” كما حصل في 2013، حين قاد الاتحاد حوارا لدفع النهضة إلى تسليم السلطة ونقلها إلى حكومة وحدة وطنية. صحيح أن الظروف تختلف، وأن المقارنة صعبة، لكن النتيجة أن الاتحاد يريد أن يلعب نفس الدور الذي يمكّنه من نقل السلطة من قيس سعيد إلى “شخصية وطنية” أو إلى “حكومة سياسة” يشتركان في نقطة محددة، أي الشعور بالفضل والمنة لاتحاد الشغل، ومراعاة هذا الجميل من خلال اتفاقيات جديدة تقوم على الزيادة في الرواتب وإشهار فيتو في وجه أيّ إصلاحات قد تطال المؤسسات العمومية التي هي نقطة قوة المنظمة النقابية ومصدر رئيسي لعائداتها من مقتطعات المنتسبين. لا شك أن اتحاد الشغل التقط الإشارات الخارجية وهو يسعى لتحويلها إلى ورقة بيده للضغط على قيس سعيد وجر الطبقة السياسية الموالية للمنظمة النقابية إلى مربع الحوار. ولعل أبلغ تلك الإشارات تلك التي صدرت عن الولايات المتحدة، من خلال بيان يعتبر أن “الإقبال المنخفض للناخبين يعزز الحاجة إلى زيادة توسيع المشاركة السياسية خلال الأشهر المقبلة”، وهي صيغة فضفاضة يفهم منها الموقف ونقيضه. تضاف إلى ذلك تسريبات وأحاديث صالونات عن تحضير سفارات خارجية لمرحلة ما بعد قيس سيعد. ودعا اتحاد الشغل على لسانه أمينه العام الأربعاء إلى وضع خارطة طريق لـ”إنقاذ” البلاد من الأزمة. وأكد “تحمّل مسؤوليته الوطنية والمساهمة مع القوى الوطنية في إنقاذ البلاد وفق أهداف وطنية واضحة وخارطة طريق مضبوطة”. وقبلها بيوم دعا الأمين العام لاتحاد الشغل الرئاسة التونسية إلى إطلاق حوار وطني لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. منتهى ما ستقدمه مبادرة الاتحاد أنها ستعيد الأحزاب القريبة منه إلى الحكومة، بمعنى أنها ستحدث انفراجة بين الأحزاب وقيس سعيد الذي لا يؤمن بدورها ولكن كيف سيكون هذا الحوار، وما هي أهدافه المباشرة والمخفية؟ من الصعب على الاتحاد أن يدعو إلى تنحي الرئيس سعيد، وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة كما تدعو جبهة “الخلاص الوطني” التي تمثل مقاربة حركة النهضة وحلفائها. والأقرب أن يميل الاتحاد إلى عرض مبادرة تقوم على تشكيل “حكومة سياسية” في وجود قيس سعيد، لكن على أن تكون الحكومة هي صاحبة القرار. ويراهن الاتحاد على أن قيس سعيد سيجد نفسه مجبرا على القبول بهذه الصيغة ليس فقط بسبب نتائج الانتخابات، ولكن في غياب أيّ دعم مالي خارجي يساعده على ضخ جرعة من الأمل في حكمه. وهذا الاستنتاج مرده سحب صندوق النقد لملف تونس من قائمة الملفات المعنية بالاتفاقات، ولو مؤقتا، وتصريحات قيس سعيد التي هاجم فيها الصندوق و”الجهات الخارجية” التي تريد فرض أجندتها على تونس. يضاف إلى ذلك غياب أيّ بديل واضح يمكن لقيس سعيد الاعتماد عليه للتغطية ولو مؤقتا على التوتر مع الصندوق. وتدعو أوساط محسوبة على مسار 25 يوليو إلى تشكيل حكومة جديدة بدل الحكومة الحالية برئاسة نجلاء بودن، أو على الأقل إدخال تغييرات كبيرة عليها، وهو الموقف الذي عبر عنه زهير المغزاوي رئيس حركة الشعب القومية الناصرية بعد لقائه الثلاثاء بالرئيس سعيد. وطالبت حركة “شباب تونس الوطني” الموالية للرئيس سعيد، الأربعاء، بتأليف “حكومة سياسية” تشارك فيها الحركة خاصة أنها تعد نفسها كأفضل من حقق نتائج إيجابية في الدور الأول من الانتخابات. ما يهم هنا ليس الدعوات الصادرة عن هذه الأجسام الصغيرة المحسوبة على الرئيس سعيد، ولكن أيضا قربها من اتحاد الشغل، وليس مستبعدا أن تصب هذه “المبادرات” بشكل منظم في صالح الدعوة إلى تشكيل حكومة تضم الاتحاد وحلفاءه السياسيين والمجموعات المشاركة في الانتخابات تحت جبة جبهة 25 يوليو. سيكون الهدف الأول لمبادرة الاتحاد هو النأي بالنفس عن حركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني، والسبب واضح وهو تأمين جبهة متماسكة وراءه في مسار “الإنقاذ”. وهو وضع لا يزعج النهضة التي باتت تقر بأن وجودها في أيّ مبادرة أو تحرك سيعني الفشل مسبقا، كما أنه سيحرر الاتحاد وقد يفتح الباب أمام حوار لاحق تكون الحركة جزءا منه ولو بشكل غير مباشر تحت يافطة جبهة الخلاص. على الأغلب ستكون جبهة الحوار الوطني المفترضة متكونة من أنصار قيس سعيد الذين هم في نفس الوقت أنصار فكرة أن يكون الاتحاد شريكا  فعّالا في المرحلة المقبلة، وهي مجموعات صغيرة ومحدودة التأثير شعبيا، وهو ما يفسر عجزها عن تأمين حزام شعبي للانتخابات، ودعمها لمسار قيس سعيد خطوة براغماتية لاستثمار غياب المعارضة التقليدية، ومحاولة التأثير في قيس سعيد خاصة أنه لا يمتلك حزبا وسيجد نفسه مضطرا للاعتماد على هذه المجموعات في مواقع القرار المختلفة مثلما أشار إلى ذلك أمين عام حركة الشعب. يمكن للاتحاد كذلك أن يراهن على “الأحزاب الديمقراطية”، وخاصة التيار الديمقراطي الذي كان يصنف نفسه قبل 25 يوليو ضمن حزام الرئيس سعيد، وهو من حثه على تفعيل الفصل 80 الذي قاده إلى الإمساك بالسلطة. لا شك أن اتحاد الشغل التقط الإشارات الخارجية وهو يسعى لتحويلها إلى ورقة بيده للضغط على قيس سعيد وجر الطبقة السياسية الموالية للمنظمة النقابية إلى مربع الحوار لكن التيار يعيش أزمة كبيرة وخلافات حادة عكستها استقالة أمينه العام غازي الشواشي وأحد وجوهه البارزة محمد الحامدي. وسبب هذه الخلافات أن هناك شقين، شقّ يريد التحالف مع النهضة وجبهة الخلاص ضد قيس سعيد، وشقّ آخر يسيطر الغموض على موقفه، وهو ضد التنسيق مع النهضة، لكنه يختار التصعيد مع قيس سعيد. منتهى ما ستقدمه مبادرة الاتحاد أنها ستعيد الأحزاب القريبة منه إلى الحكومة، بمعنى أنها ستحدث انفراجة بين الأحزاب وقيس سعيد الذي لا يؤمن بدورها، ويتعامل مع ممثليها كأفراد لا كقادة أحزاب. لكن أيّ محتوى سيحمله “الحوار الوطني” في الملفات التي عجز عن إدارتها قيس سعيد ومن قبله من السياسيين؟ كيف ستدير الملف الاقتصادي، كيف ستوفر الأموال التي تحتاجها الدولة في حل أزماتها الخانقة، ما دور الشركاء الاقتصاديين، أين موقع رجال الأعمال في هذا الحوار، هل سيتم تهميش دورهم وجرهم إلى شعبوية جديدة؟ بالتأكيد، فإن حوارا يقوده اتحاد الشغل سيكون من أول أهدافه وقف الاتفاق الحاصل مع صندوق النقد الدولي، وحث الدولة على منع أيّ إصلاحات تقود إلى تقليص الدعم على المحروقات والمواد الأساسية، والتخفيف من الضرائب والتراجع عن الزيادات في أسعار الماء والكهرباء، وكذلك إصلاح المؤسسات الحكومية الفاشلة والتي تغرق في الديون. وليس من المستبعد أن يدعو الحوار “الحكومة السياسية” إلى اتخاذ إجراءات لتنقية الأجواء، والمقصود طبعا، زيادة الإنفاق من المال العمومي لترضية الاتحاد ومنتسبيه وترضية الشارع. ومن الطبيعي أن يكون الاتحاد غير معني بالطريقة التي ستحصل بها الدولة على الأموال لإدارة المرحلة الجديدة التي يراد بها العودة إلى الوراء، إلى تجربة 2013 حين كان الوضع مختلفا بكل تفاصيله، وخاصة الوضع المالي للبلاد. والنتيجة، فإن عرض الحوار الوطني في صورته القديمة سيزيد من توسيع الأزمة التي تعيشها البلاد ويثقلها بالأعباء المالية في وقت تبحث فيه عن تأمين الرواتب لأشهر قليلة، بدل أن تفكر في مقاربة للخروج من الأزمة. مختار الدبابي كاتب وصحافي تونسي

مشاركة :