كلمة السر «مهسا أميني».. ثورة الحجاب في إيران

  • 12/24/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أحداث متلاحقة شهدتها إيران على مدى الأشهر القليلة الماضية، بعد سلسلة من المظاهرات والاحتجاجات، التي انهالت كالسيل فوق رؤوس قادة ورموز النظام في طهران، لأسباب ودوافع شعبية عدة، لعل أبرزها ما وصفته وسائل إعلام بـ«ثورة الحجاب». فالنظام الحاكم الذي يعزز صورته كممثل للإسلام ويزعم الدفاع عن الشريعة وتطبيق حدود الله، أبى إلا أن يودع عام 2022 وقد تخضبت الشوارع بالدماء، في مسعى بات مألوفا في استخدام القوة المفرطة لمواجهة معارضيه وإسكات أي صوت ينادي بالتحرر. وفاة مهسا أميني لم تكن مهسا أميني، ذات الـ22 عاما، تعلم أنها ستكون رمزا فيما بعد لثورة إيرانية تقدمتها النساء، حين خرجت من بيتها، لتقع في براثن ما يعرف في إيران باسم «شرطة الأخلاق»، التي تواجه اتهامات بقتل الفتاة العشرينية، وكتابة الفصل الأخير من حياتها. أثار نبأ مقتل أميني موجة من الغضب الذي تفجر في جميع أنحاء إيران، فكيف لفتاة عشرينية أن تخرج برفقة أخيها، في رحلة عائلية، أن ينتهي بها المطاف ميتة، في أثناء احتجازها داخل مركز شرطة الأخلاق؟ عقارب الساعة تشير إلى السادسة من مساء يوم الجمعة 16 سبتمبر/أيلول 2022، وعلى مقربة من محطة مترو الشهيد حقاني بالعاصمة طهران، اعترضت دورية تابعة لشرطة الأخلاق الشابة الكردية مهسا أميني، واقتادتها إلى مركز الشرطة، تحت مزاعم عدم الالتزام بقواعد اللباس الصارمة التي تفرضها إيران. وخلال الفترة منذ أن تم اعتقالها وإيداعها سيارة الشرطة، وحتى وصولها إلى المركز، تعرضت مهسا أميني للضرب، وفق ما أفاد به شهود العيان، وما إن وصلت الفتاة إلى مركز الاحتجاز حتى تعرضت لأزمة صحية، نقلت على إثرها شبه ميتة إلى مستشفى قصري في طهران، وقيل آنذاك إنها دخلت في غيبوبة، حتى أعلن نبأ وفاتها. هل تعرضت مهسا أميني للضرب؟ السلطات الإيرانية لم تنفِ ما حدث لأميني، حين أعلنت أنها توفيت أثناء احتجازها، لكنها وفي محاولة لامتصاص الغضب وتهدئة الوضع المتأزم، أعلنت أنها عانت من قصور مفاجئ في القلب، في أثناء انتظارها مع نساء أخريات داخل المركز، انتظارا لتثقيفها بشأن قواعد الحجاب، مؤكدة أن الفتاة لم تتعرض للضرب. وفي سبيل إثبات ذلك، نشرت الشرطة الإيرانية لقطات مصورة مأخوذة من كاميرات المراقبة، تظهر خلالها مهسا أميني وهي تتحدث مع شرطية، ثم تمشي قليلا قبل أن تقع على الأرض، لكن الأمور لم تنته بعد، لا سيما بعدما لوحظ حذف توقيت تسجيل الفيديو وتاريخه. والد الفتاة كان له رأي آخر، حين خرج في يوم الأحد 18 سبتمبر/أيلول، أي بعد يومين من مقتل ابنته، ليؤكد أن الفتاة كانت تتمتع بلياقة بدنية جيدة، ولم تكن تعاني من أي مشاكل صحية، مثلما ادعت السلطات. وواصل والد الفتاة الإيرانية هجومه على السلطات، كاشفا عن أن كدمات شوهدت في ساقيها، ما يعد دليلا على تعرضها للضرب، كما أن لقطات الفيديو التي نشرتها الشرطة خضعت لعملية مونتاج. المظاهرات تجتاح الشارع الإيراني على إثر إعلان وفاة مهسا أميني، تفجرت موجات من الغضب، بدأت عبر منصات التواصل الاجتماعي، ثم بعد ذلك اجتاحت شوارع إيران بشكل كامل الكامل، ليجد النظام الإيراني نفسه أمام ورطة كبرى. لم تُجدِ محاولات الشرطة نفعا حين أُزيح النقاب عن الفيديو الأخير للفتاة داخل مقر احتجازها، ورغم الأمر الذي صدر من الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، لوزير الداخلية بمتابعة التحقيق فيما حدث، ورغم إعلان السلطات القضائية عن تشكيل فريق عمل خاص للتحقيق، إلا أن وتيرة الغضب لم تهدأ، بل ازدادت الأحوال سوءا، وكانت الأمور أكثر تعقيدا أمام النظام. انطلقت المظاهرات المناوئة للنظام الإيراني، من الجامعات، فتصدر الطلاب المشهد باحتجاجات واسعة خرجت من جامعتى طهران وأصفهان، وتلتهما الكثير من الجامعات الإيرانية، قبل أن تتصاعد وتيرة الغضب أكثر فأكثر، وبات النظام الإيراني على شفا الانهيار أمام الحشود التي باتت مسيطرة على الشوارع. قمع معتاد كعادته، لم يجد النظام الإيراني حلا لتلك المعضلة سوى القمع الذي اتخذه منهجا منذ سنوات طوال. فالشرطة بعتادها، والحرس الثوري بآلياته الثقيلة، كان في مواجهة مباشرة مع المتظاهرين، لتبدأ الحلقة الأعنف من القصة، في ظل إراقة دماء المحتجين، إذ دفع المئات حياتهم ثمنا لهذا القمع، لكن ذلك لم يكن ليثني من نجوا عن استكمال ما بدأوه، وهكذا وقف المتظاهرون – وما زالوا – في وجه النظام. الإعدام.. سلاح السلطة في مواجهة الاحتجاجات وفي مشهد قمعي أكثر عنفا، عمدت السلطات الإيرانية إلى محاولة ترهيب المتظاهرين، لكنها في هذه المرة استخدمت عقوبة الإعدام. ففي صبيحة يوم الخميس، 8 ديسمبر/كانون الأول 2022، نفذت السلطات حكم الإعدام بحق محسن شكاري، بعد إدانته بإغلاق شارع في طهران خلال شهر سبتمبر، وجرحه أحد رجال الأمن. ثم بعد ذلك بأيام، نفذت السلطات الإيرانية ثاني عملية إعدام على ارتباط بحركة الاحتجاجات المتواصلة في البلاد، إذ أُعدم مجيد رضا رهناورد في مدينة مشهد، بعدما أدين بقتل عنصرين من القوى الأمنية. لم يكتف النظام بهذا، وإنما أمعن في استخدام عقوبة الإعدام، لترهيب المتظاهرين، فأصدرت السلطات حُكما بالإعدام شنقا على الفتاة صوفيا شريف، ذات الـ16عاما، بسبب مشاركتها في المظاهرات. تنفيذ عقوبة الإعدام جاء في وقت يواجه معتقلون آخرون احتمالات توقيع نفس العقوبة عليهم لمشاركتهم في الاحتجاجات، والتي بدأت كاحتجاج ضد شرطة الأخلاق وأصبحت أحد أكبر الاحتجاجات التي تواجه البلاد منذ ثورة عام 1979.. لكن هل اندلعت كل هذه الاحتجاجات بسبب مقتل مهسا أميني فحسب؟ خطايا النظام الإيراني لا خلاف على أن الأحداث التي شهدتها إيران، جاءت في أعقاب مقتل مهسا أميني، وكرد فعل على تلك الواقعة، لكن هناك دوافع أخرى كانت تضع إيران على شفا حفرة من نيران الغضب، فخطايا النظام الإيراني لم تكن تخفى على الشعب المحتقن، الذي ما إن جاءته الفرصة حتى خرج إلى الشوارع والميادين للمطالبة بإسقاط النظام. على مدى عقود، يسير النظام الإيراني بخطى ثابتة لتحقيق مآرب خارجية، على حساب الداخل المحتقن، وبالمخالفة للقوانين والمواثيق الدولية، من خلال دعمه اللا محدود لأذرعه المنتشرة في البلدان العربية، من أمثال حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والتيارات الشيعية في العراق. يأتي هذا الدعم في وقت لا يزال فيه المواطن الإيراني يمكث تحت وطأة تردي الأوضاع الاقتصادية، نتيجة للسياسة الخارجية الخاطئة، وتدخلات طهران في شؤون دول المنطقة، وهو ما أيقنه الإيرانيون منذ سنوات، حينما هتفوا ضد تدخلات بلادهم في شؤون الدول، التي تلتهم جزءا كبيرا من ميزانية الدولة. ونحن على أعتاب عام جديد، ومع استمرار الاحتجاجات التي تواجه بالقمع في إيران، يأتي السؤال الأبرز.. هل تطيح «ثورة الحجاب» بالنظام الحاكم في إيران؟

مشاركة :