أعلنت مصر مؤخرا إعادة تعيين حدودها البحرية مع ليبيا من طرف واحد، في قرار قوبل بانتقادات ليبية حادة من حكومتي البلد الجار المنقسم على نفسه. فما خلفيات القرار المصري؟ وما مغزى توقيته؟ وكيف تقرأه الأطياف السياسية الليبية؟ كانت مصر إلى وقت قريب تدعم أحد أطراف الصراع في ليبيا ممثلا برجل شرق ليبيا خليفة حفتر، لكن يبدو أن الحسابات تغيرت (أرشيف) يلوح توتر سياسي في الأفق بين مصر وليبيا بعدما أعلنت وزارة الخارجية والتعاون الدولي بحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس قبل أيام عن رفضها قرار مصر المتعلق بترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وحثت القاهرة على النظر في إطلاق محادثات بهذا الخصوص. القرار رفضته أيضاً الحكومة الليبية التي عينها برلمان طبرق. كانت مصر قد أصدرت قراراً رئاسياً في الحادي عشر من كانون الأول/ ديسمبر الحالي يحدد من طرف واحد حدودها البحرية الغربية والمشتركة مع ليبيا. ونشرت الجريدة الرسمية قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي- والذي حمل رقم 595 لسنة 2022 - بشأن تحديد الحدود البحرية الغربية لمصر في البحر المتوسط . وتضمن القرار في مادته الأولى أن تبدأ الحدود البحرية الإقليمية لمصر من نقطة الحدود البرية المصرية الليبية، كما نص على إخطار الأمم المتحدة بالتعديل . وترفض السلطات المصرية الاعتراف بحكومة طرابلس ، وتعتبرها "منتهية الولاية"، وتدعم الحكومة المكلفة من مجلس النواب، التي لم تتمكن من استلام مهامها بعاصمة البلاد، منذ شباط/ فبراير الماضي. ممارسة حق سيادي أم استغلال للحالة الليبية؟ في هذا السياق، يعتقد إبراهيم الدريسي عضو مجلس النواب الليبي أن القرار المصري جاء "في غالب الظن تحت الضغط التركي والنزاعات الدولية على غاز المتوسط وتحت الضغط اليوناني وفي كل هذا كانت ليبيا هي الطرف الأضعف والخاسر، لذلك فإن الشعب الليبي بكل تنويعاته السياسية مستاء للغاية من هذا القرار ". وأضاف النائب الليبي في حواره مع DW عربية أن "القرار المصري جعل الحكومات في ليبيا شرقاً وغرباً تتفق على رفضه، كما أن البرلمان الليبي ومجلس الدولة اتفقا على إدانة التصرف المصري". وتابع: "نحن ندين هذا التصرف الذي جاء في وقت غير مناسب، خاصة أنه جاء من مصر الشقيقة الكبرى والجارة التي بيننا وبينها علاقات تاريخية وأسرية ومصيرية، وهي في ذلك القرار لم تراعي الحالة الليبية واستغلت ضعف الجانب الليبي بسبب الصراع السياسي وعدم وجود حكومة مركزية واحدة " . لكن عبد الستار حتيته المحلل السياسي المصري والخبير في الشأن الليبي يرى أن "القرار المصري جاء في إطار محاولات الدولة المصرية لمواجهات المشكلات الاقتصادية، حيث تحاول الحكومة العمل بجدية من أجل تحقيق دخل للمصرف المركزي"، مضيفاً أن "مصر بإعادة ترسيمها للحدود تحاول أن تضمن لشركات التنقيب الأجنبية أن هذه المناطق البحرية والاقتصادية تخصها وأنها تتمتع بالسيادة المصرية ". وأضاف الخبير المصري أن "مصر اتخذت قرارها على أساس الاتفاقيات والمبادرات التي وقعتها مع دول أخرى وهي في ذلك لا تعتد بمذكرة التفاهم بين حكومة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان والحكومة الليبية رغم أن اتفاقية مصر لا تمس الاتفاقية التركية الليبية لكنه نوع من ممارسة السيادة الوطنية"، مضيفاً أن "القرار المصري لم يمس الخط البحري التركي الليبي، وكل ما حدث هو أن مصر سعت لحماية حدودها وترسيخ وجودها البحري على مناطقها الخالصة وفق اتفاقيات دولية سابقة مع اليونان وقبرص مودعة لدي الأمم المتحدة". تحركات سياسية ليبية مرتقبة من جانبها، اعتبرت وزارة خارجية حكومة طرابلس ما قامت به مصر "إخلالاً بمبادئ حسن النية، ومخالفة لما تدعيه مصر باحترام السيادة الليبية ووحدة أراضيها، وانتهاكا للمياه الإقليمية والجرف القاري لليبيا، وترسيماً غير عادل بموجب القانون الدولي، لإعلانه من جانب واحد". وأضافت الخارجية الليبية في بيانها أن "ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا ومصر يجب أن يتم عبر مفاوضات تضمن مصالح الطرفين ومبدأ المساواة ". كما نبهت الوزارة إلى إمكانية إحالة هذا النزاع إلى الوسائل السلمية للتسوية، بموجب المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك محكمة العدل الدولية، على أن يتم الاتفاق على ذلك أثناء المفاوضات التي دعت لها . ويرى إبراهيم الدريسي عضو مجلس النواب الليبي أن القرار المصري سترتب عليه تبعات كبيرة وخطيرة، مشيراً إلى أن الكثير من الجهات داخل ليبيا تراه قراراً متسرعاً وغير مسؤول . وقال الدريسي في حوار مع DW عربية: "نحن كبرلمان ليبي سنقوم بإرسال شكوى رسمية الى الأمم المتحدة ومجلس الأمن والرد سيكون قوي ومباشر، فترسيم الحدود لابد وأن يتم بتوافق بين الدول فهناك حدود دولية وجغرافية وقبلية وأسرية متداخلة بشدة بين البلدين ولا يمكن للحكومة المصرية أن تغفل كل هذا وتتجاوزه وتقوم بترسيم الحدود من جانبها فقط ". وأضاف النائب الليبي أن "تبعات هذا القرار ستكون شعبية وسياسية، فهناك أكثر من 3 ملايين مصري يعملون في ليبيا وفق الأرقام الرسمية وهناك عدد آخر كبير يدخل بشكل غير قانوني، فليبيا تعتبر متنفس كبير لمصر ". يقول النائب في البرلمان الليبي إن ليبيا يعمل بها أكثر من 3 ملايين مصري وفق الأرقام الرسمية وأعاد الدريسي التذكير بنتيجة "الخلافات الحدودية بين البلدين في عهدي السادات والقذافي وكيف تصاعد التوتر بين البلدين بشدة. وأضاف أن "الحالة السياسية بين شرق ليبيا والحكومة المصرية كانت ممتازة لكن بهذا القرار المصري المنفرد والمتسرع ستتوتر العلاقات بين الجانبين ". من جانبه، يرى عبد الستار حتيته المحلل السياسي المصري أنه نظراً لتعقيد وحساسية الملف الليبي فإنه يجب النظر إلى ردود أفعال الأطراف المختلفة المتصلة به بدقة، "فحكومة الدبيبة منتهية الولاية رسمياً ولديها موقف معادٍ لمصر أما حكومة باشاغا فهي وإن كانت حكومة معينة من قبل البرلمان إلا أنها غير قادرة على العمل ولا تضع يدها على أي شيء في الدولة الليبية وبالتالي فإن رفض الحكومتين لا يؤخر ولا يقدم كثيراً في هذا الموقف، وما حدث من تصريحات بشأن رفض القرار المصري يأتي من باب التنافس بينهما فقط ." "طعن في الاتفاقية الليبية - التركية" وترى الحكومة الليبية في طرابلس أن إعادة ترسيم الحدود بين البلدين انطلق من نقطة أساس بحرية غير عادلة لليبيا، وأنه يهدف للالتفاف على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا. الأمر نفسه أكده النائب الليبي الدريسي الذي قال إن "المقصود بالقرار المصري هو الطعن في اتفاقية ترسيم الحدود بين حكومة السراج السابقة والحكومة التركية، فالكل يريد نصيباً من كعكة الغاز في شرق المتوسط وكلنا نشاهد طبيعة العلاقات المحتدمة بين تركيا واليونان في هذا الشأن". من جانبه، يرى الخبير المصري في الشؤون الليبية عبد الستار حتيته أن هناك طريقتان للعمل في السياسة الخارجية لدى كل من مصر وتركيا، "فالسياسة الخارجية المصرية تعتمد إلى حد كبير على الاستناد إلى المواثيق الدولية والتعاون مع التكتلات الاقتصادية الكبرى كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتكتلات الدول الآسيوية، أما السياسة الخارجية التركية فهي تضع مصالحها العليا في المقدمة حتى وإن تصادمت مع المواثيق والاتفاقيات الدولية وهو ما حدث عدة مرات حيث شهدنا صدامات بين تركيا والاتحاد الأوروبي مثلاً وكذلك مع الولايات المتحدة ". ويضيف حتيته قائلاً: "يبدو أن المشكلة تكمن في أن تركيا تريد فرض سياسة الأمر الواقع خاصة فيما يتعلق بالحدود البحرية، فيما تحاول مصر عمل توازن بين مصالحها السياسية والاقتصادية وبين الاتفاقيات الدولية، ولذلك فهي تتعاون مع الجميع في هذا الشأن بما في ذلك اليونان وقبرص ". وكانت حكومة الوحدة في طرابلس قد وقعت في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي مع تركيا على مذكرة تفاهم تتيح للأخيرة البدء في أعمال الاستكشاف والتنقيب في منطقة الحدود البحرية بين البلدين، والمرسومة ضمن الاتفاق المبرم بين البلدين نهاية 2019 . وكان وزير الخارجية المصري، سامح شكري ونظيره اليوناني ونيكوس ديندياس، قد أعلنا عقب ذلك رفض بلديهما ترسيم الحدود الليبية التركية، ومذكرة التفاهم الموقعة بين الطرفين، واحتجتا بأن المذكرة وقعتها حكومة الوحدة الوطنية "منتهية الولاية ولا يحق لها إبرام العقود والاتفاقيات ذات الأثر الدولي ". وكان البرلمان الأوروبي قد حث السلطات الليبية على إلغاء مذكرة التفاهم مع تركيا، واتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين، وقال إن "مذكرة التفاهم التركية الليبية لعام 2019 تنتهك الحقوق السيادية للدول الأخرى، ولا تمتثل لقانون البحار ". ودعا البرلمان في سلسلة توصيات أصدرها نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي الأطراف المعنية إلى عدم تنفيذ أي بند مدرج في مذكرة التفاهم مع تركيا، واعتبرها "من أعمال التنقيب غير القانونية في المناطق الاقتصادية الخالصة لدول أخرى من بينها قبرص واليونان". ووجه توصياته إلى المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومفوض السياسة الخارجية الأوروبية . عماد حسن
مشاركة :