سوق الجمال في الجيزة.. تاريخ على أسنمة الإبل

  • 1/22/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يظل سوق الجمال بمنطقة برقاش بالجيزة، أحد أشهر الأسواق المصرية قاطبة، ولعله يكون الأشهر في المنطقة، إذ يمتد تاريخه إلى ما يزيد على 100 عام، شهد خلالها العديد من الأحداث الكبرى، وعكس خلالها أيضاً طبيعة العلاقات المصرية بدول حوض النيل، والقرن الإفريقي، خاصة الصومال وجيبوتي والسودان. ويمتد سوق برقاش على مساحة تصل إلى 25 ألف فدان، تمتلئ عن آخرها في أيام معلومة كل أسبوع، بالآلاف من رؤوس الجمال القادمة من مختلف المحافظات، حيث يعد السوق الملتقى الأكبر لتلك التجارة التي تضرب بجذورها في عمق التاريخ. أنشئ سوق برقاش في بادئ الأمر في منطقة البراجيل التابعة لحي إمبابة الشهير، واستمر فيها حتى بدايات العام 1995، قبل أن ينتقل إلى موقعه الحالي، حيث تجرى عمليات البيع والشراء في كل أيام الأسبوع، وإن ظل يوما الجمعة والأحد، يمثلان يومي الذروة من كل أسبوع، حيث يتغير فيهما نظام البيع من الممارسة إلى المزايدة، بعدما شهد السوق خلال السنوات الأخيرة، رواجاً غير مسبوق بفضل ارتفاع سعر اللحوم البتلو والضأن في مصر، ليقبل المواطنون على شراء اللحم الجملي باعتباره الأرخص في الأسعار، إذ ساهمت أزمة أسعار اللحوم في زيادة الإقبال على السوق، حيث إن سعر كيلو اللحم الجملي لا يتجاوز 40 جنيهاً، في حين يتجاوز سعر اللحوم الأخرى حاجز ال 100 جنيه، إضافة إلى ظهور أمراض الحمى القلاعية، وإنفلونزا الطيور، وهي أمراض وأوبئة بعيدة عن الجمال، التي تتربى بطرق طبيعية، وفي بيئة نظيفة تجعلها بعيدة تماماً عن التعرض لمثل هذه الأوبئة، وهو ما زاد من ثقة الناس وإقبالهم على اللحم الجملي. ويضم السوق أيضاً جمال السباق والحمولة، وهي جمال لا تشترى بغرض الذبح، إذ تستخدم في سباقات الهجن، أو العمل في الحقول، وأسعارها مرتفعة مقارنة بالجمال المخصصة للذبح، التي يتراوح سعر الجمل فيها من 7 إلى 9 آلاف جنيه، حسب الحجم والوزن والعمر، فيما يفضل البدو شراء الجمال الصغيرة لتربيتها بأنفسهم واستخدامها في أغراض النقل والسفر عبر الصحراء، ويشترون أيضاً جمالاً يستخدمونها في سباق الهجن الأكبر والأشهر في مصر والمنطقة العربية، والذي يقام كل عام في نويبع جنوب البحر الأحمر، ويشارك فيه مصريون وعرب، بجمال معدة خصيصاً لهذا الغرض، ويتجاوز سعرها حاجز ال 10 آلاف جنيه، كل حسب عمره وقوته وسرعته في العدو. وتتراوح الجمال المعروضة في السوق ما بين الجمال البلدي أو المستوردة، التي يتم جلبها عادة من السودان والصومال وجيبوتي، ويستطيع صاحب الخبرة التفريق والتمييز بين كل جمل بمجرد رؤيته، بخلاف الاطلاع على البطاقة الخاصة بكل واحد، والمدون عليها سلالته ومكان نشأته، ولا يحتاج التاجر سوى الى خبرة بسيطة للتعرف إلى الجمل ومواصفاته، إذا كان كاسر جوز أي لديه سنتان مكسورتان، فهو الأصغر سناً، أو لحمه تفاح أي طري جداً، أما لو كان كاسر أربعة فهو أكبر سناً قليلاً، ولحمه طري أيضاً، فيما تتنوع أسماء الجمال في السوق حسب العمر، حيث تتم التسمية والتصنيف حسب العمر والنوع، ذكراً كان أو أنثى، لكن أشهرها هو البكرة والأعود، وهما النوعان المطلوبان لمآدب الأفراح لوفرة لحمهما. وتلتئم على هامش سوق برقاش، أسواق أخرى صغيرة، فهذه مخصصة لباعة السكاكين والأدوات المستخدمة في الذبح والسلخ، وهذه لباعة الأقمشة التي تصلح لتفصيل الجلاليب، وتلك مخصصة لأصحاب فرشات الشاي والساندوتشات، وعربات تصنيع الجيلاتي. ويتم إجراء مزاد علني لتأجير السوق كل ثلاث سنوات، وعلى من يحظى بحق الانتفاع والإدارة، أن يلتزم بالشروط التي يتم تحديدها، وتنفيذها من قبل الوحدة المحلية ببرقاش ورئاسة مجلس مدينة منشأة القناطر. وفي الفترة الحالية يتم سداد نحو 4 ملايين جنيه كل 3 سنوات نظير تأجير هذه المساحة من القرية، تسدد على أقساط كل 3 شهور، ويتم توريد المبلغ بالكامل إلى حساب الموازنة العامة للدولة، وفي المقابل تقوم رئاسة المدينة برصف جميع الطرق المؤدية إليه، مع الأعمال الخاصة بالسوق من إنارة وصيانة المنشآت، وجميع الأعمال المتعلقة بالسوق والمترددين عليه وتوفير الحماية والخدمات المدنية. ويسيطر أصحاب المكاتب على حركة البيع والشراء في السوق، ويضم السوق أكثر من ثلاثين مكتباً، لعائلات توارثت المهنة، وإن ظلت على مدار عقود حكراً على أبناء الصعيد، خاصة الأسوانيين الذين تمتد جذورهم إلى السودان، حيث كانت الجمال تأتي إلى مصر عبر طريق درب الأربعين الشهير، الذي كان حتى وقت قريب مخصصاً لقوافل الإبل القادمة إلى البلاد، حيث تعد أسوان هي المحطة الأولى لراحة هذه القوافل، وهو ما دفع تجارها إلى العمل في تلك التجارة المربحة، بإنشاء معالف لتربية الجمال، وتوريدها فيما بعد إلى السوق في القاهرة. وتبدأ رحلة الجمال المستوردة من السودان، وتنتهي بوصولها إلى منطقة دراو في أسوان، لتبقى هناك مدة تتراوح بين 3 و4 شهور، يعكف خلالها كبار المربين على إطعامها بهدف تغيير مذاق اللحم بما يناسب الذائقة المصرية، وذلك حسبما يقول أحد تجار السوق، تبعاً للعلف والطعام المقدم لها.

مشاركة :