«سوق برقاش».. تاريخ على ظهور الإبل

  • 9/23/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: هيثم عبد الشافي تاجر يقف يتوكأ على عصاه، ويده الأخرى على رقبة ناقته يحدو لها: يا شمس غيبي يا سفاين حلي.. بلدي بعيدة وخاطري في محلي، أما زميله في الناحية المقابلة فكان يصنف بضاعته من الجمال قبل عرضها على الزبائن، وعلى بعد أمتار قليلة يقف تاجر ثالث يشرب الشاي ويدخن السجائر، بعد أن أناخ جملاً زين ظهره باللون الأخضر. هذه بعض المشاهد التي يمكن لزائر سوق برقاش للجمال أن يراها، وهي أكبر سوق من نوعها في الشرق الأوسط، تضم شهرياً نحو 12 ألفاً من الإبل، التي تستقر هناك بعد أن تقطع رحلة تمتد لأكثر من 1500 كم عبر رمال الصحراء. في قرية برقاش التابعة لمحافظة الجيزة في دلتا مصر، تقع أكبر سوق للجمال والإبل في الشرق الأوسط، إذ تمتد هذه السوق على مساحة 25 فداناً، وتُعرض على امتداد هذه المساحة أنواع البيشاري والدنقلاوي والزمكلي والألعناني والعنافي، وغيرها من أنواع الجمال التي تُباع فيها وتشترى، والآتية من شمال السودان بعد رحلة طويلة تمتد إلى أكثر من 1500 كيلو عبر رمال الصحراء، سالكة نفس الطريق التي سلكتها القوافل منذ مئات السنين، لتحط رحالها في سوق برقاش. تستقبل قرية برقاش وسوقها شهرياً، بين 10 آلاف إلى 12 ألفاً من الجمال والنوق، يتم استيراد 90 % من السودان، والنسبة الباقية من دول أخرى مثل الصومال وإثيوبيا والمغرب وجيبوتي. وقد تأسست السوق في شكلها الجديد منذ نحو 20 عاماً، بعد أن نقلت من موقعها القديم سوق البراجيل في إمبابة. وتشهد ذروة نشاطها في يومي الجمعة والأحد، وفيهما يتغير نظام البيع من الممارسة إلى المزايدة. وفي السنوات الأخيرة، شهدت برقاش رواجاً غير مسبوق، بعد ارتفاع أسعار لحوم الأبقار والضأن في مصر، بسبب إقبال المواطنين على شراء لحوم الجمال، باعتبارها أقل سعراً، إذ لا يتجاوز سعر كيلو اللحم الجملي 40 جنيهاً، في حين يتجاوز سحر اللحوم الأخرى 100 جنيه. إضافة إلى ظهور أمراض مثل الحمى القلاعية وإنفلونزا الطيور، وهي أمراض بعيدة عن الجمال التي تربى بطرق طبيعية وفي بيئة نظيفة، تجعلها بعيدة عن التعرض إلى مثل هذه الأوبئة، وهو ما زاد من ثقة الناس وإقبالها على لحومها. تضم السوق أيضاً جمال السباق والحمولة، ويبلغ سعر الجمال المعدة للذبح بين 7000 - 9000 جنيه، حسب الحجم والوزن والعمر. ويفضل بدو مصر خصوصاً شراء الجمال الصغيرة لتربيتها بأنفسهم، واستخدامها في أغراض النقل والسفر عبر الصحراء، كما يشترون أيضاً التي يستخدمونها في السباقات، مثل سباق الهجن الذي يقام كل عام في نويبع جنوب البحر الأحمر، ويعد الأكبر والأشهر في مصر والمنطقة العربية، ويشارك فيه مشاركون من داخل مصر وخارجها. يستطيع صاحب الخبرة التفريق والتمييز بين الجمال بمجرد رؤيتها، وإضافة إلى الاطلاع على البطاقة الخاصة بكل جمل والمدون عليها سلالته ومكان نشأته، لا يحتاج التاجر المتمرس سوى وقت قصير للتعرف إلى الجمل ومواصفاته، فمن خلال خبرته يعرف إذا كان الجمل كاسر جوز أي عمره أكثر من عامين، فيكون بذلك لحمه تفاح، أي طري جداً، أما إذا كان كاسر أربعة، فهذا يعني أنه أكبر سناً، وإن كان لحمه جيد أيضاً. وتتنوع التسمية والتصنيف حسب العمر والنوع، ذكراً أو أنثى، ولكن أشهرها هو البكرة والأعود، وهما النوعان المطلوبان لمآدب الأفراح لوفرة لحومهما. تقام على هامش سوق برقاش عدة أسواق صغيرة، فهناك باعة للسكاكين والأدوات المستخدمة في الذبح والسلخ، وباعة للأقمشة التي يستخدمها سكان الصعيد والأرياف في صنع ثيابهم، بخلاف أصحاب فرشات بيع الشاي والأطعمة. كل ثلاثة أعوام، يجرى مزاد علني لتأجير السوق، وعلى من يحظى بحق الانتفاع والإدارة أن يلتزم بالشروط التي يتم تحديدها وتنفيذها من قبل الوحدة المحلية لقرية برقاش، ورئاسة مجلس مدينة منشأة القناطر. وحالياً يتم سداد نحو أربعة ملايين جنيه كل ثلاث سنوات، نظير تأجير هذه المساحة من القرية، تسدد على أقساط كل ثلاثة أشهر. وفي المقابل تقوم رئاسة المدينة برصف جميع الطرق المؤدية إلى السوق، مع الأعمال الأخرى الخاصة بها من إنارة وصيانة المنشآت، وتوفير الحماية والخدمات المدنية.

مشاركة :