تونس – وجه الرئيس التونسي قيس سعيّد الاثنين رسائل جديدة شديدة اللهجة إلى المعارضة التي تتزعمها حركة النهضة الإسلامية، قائلا "من يلعب دور الضحية ساهم في ضرب الدولة وحاول تفكيك مؤسساتها"، وذلك بعد حملة الانتقادات التي وجهتها "جبهة الخلاص" للانتخابات التشريعية التي جرت في السابع عشر من ديسمبر الحالي، في محاولة منها للعودة إلى السلطة عبر البرلمان المحلول. تلك الرسائل أطلقها الرئيس التونسي خلال لقائه الثلاثاء بقصر قرطاج رئيسة الحكومة نجلاء بودن، لبحث جدول مجلس الوزراء القادم والوضع العام في البلاد. وقال الرئيس سعيّد، في بيان نشرته الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية على فيسبوك، إن "من يلعب دور الضحية اليوم هو الذي كان ساهم في ضرب الدولة وحاول بكل الطرق تفكيك مؤسساتها"، في إشارة إلى حركة النهضة التي حكمت البلاد طيلة العشر سنوات الماضية، والتي وصفها محللون بـ"العشرية السوداء". وأشار إلى أن "من يلعب دور الضحية لا يمكن أن يقدم نفسه منقذا ويتلوّن كل يوم بلون جديد، وكأن الشعب التونسي نسي ما كانوا يصنعون ومع من كانوا متحالفين، ومع من يتحالفون اليوم في الداخل والخارج على السواء". وكانت جبهة الخلاص الوطني بقيادة أحمد نجيب الشابي، التي يعتبرها سياسيون واجهة سياسية لحركة النهضة الإسلامية قالت عقب صدور نتائج الانتخابات التشريعية "إن الإقبال المنخفض للغاية يعني أن قيس سعيّد فقد الشرعية وعليه أن يترك منصبه"، ودعا إلى احتجاجات واعتصامات حاشدة. وأعلنت السلطات في تونس أن 8.8 في المئة فقط من الناخبين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية، بعد أن قاطعت معظم الأحزاب السياسية الاقتراع ووصفته بأنه مهزلة تهدف إلى تدعيم سلطات الرئيس قيس سعيّد. وحذّر سعيّد من التطاول على الدولة التونسية وعلى رموزها، معتبرا ذلك ليس من قبيل حرية التعبير، بل يرتقي إلى مستوى المسّ بأمنها والضرب لوحدتها. وفي أكتوبر الماضي أكد سعيّد أنّ هناك من يسعى لضرب الدولة في وجودها من خلال التطاول على رموزها، فضلا عن الارتماء في أحضان قوى أجنبية تتباهى بالتدخل في شؤون تونس والتعدي على سيادتها. وأكد الرئيس سعيّد أنّ الحريات مضمونة، ولكن لا مجال للتآمر على أمن الدولة، مشيرا إلى أنّ النيابة العامة عليها القيام بدورها وأن المحاكم عليها تطبيق القانون، فلا يمكن أن يشفع لأحد لا الاستقواء بالخارج ولا موقع يتهيّأ له أنّه يمكنه من حصانة خاصة أو يتيح له الإفلات من العقاب. ومحاولات الارتماء في أحضان القوى الأجنبية تحدّث عنها سعيّد مرارا، وحذّر من الخيانة والاستقواء بالخارج والإضرار بالسيادة الوطنية، التي أكد أنّها ملك للشعب التونسي وحده دون سواه. ولا تخفي حركة النهضة الإسلامية، التي مسكت زمام الأمور في تونس بعد الثورة، رغبتها في حدوث نوع من الضغط الخارجي، الذي يوقف الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد في الخامس والعشرين من يوليو 2021، أو تعطيل الانتخابات التي جرت من دونها لأول مرّة منذ 2011. بل إنّ محاولات استمالة قوى أجنبية لدعمها ضد خصومها قد تكرّرت خلال العامين الماضيين، بعد أن أدخلت البلد في سياسة المحاور، وهي غير مجدية بالنسبة إلى بلد يعاني أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية. وفي أبريل الماضي شجبت حركة "تونس إلى الأمام" لجوء حركة النهضة ومن تحالف معها إلى الاستقواء بالأجنبي، في ضرب واضح لكلّ مقوّمات استقلالية الموقف وسيادة القرار. ونبّهت إلى مخاطر الاستجابة "لاستنطاقات" بعض القوى الخارجية، التي من بينها الاتحاد الأوروبي، لبعض الأحزاب والمنظمات في بلادنا، حول شؤون داخلية لشعبنا وحده حقّ اختيار الآليات الملائمة للبتّ فيها في إطار نهج تصحيح المسار. وقد ساهمت الإجراءات التي اتخذها الرئيس سعيّد في تحجيم نفوذ حركة النهضة، حين جمّد البرلمان الذي كانت تفرض سطوتها عليه، وأقال الحكومة برئاسة المشيشي الذي كان حليفا للحركة الإسلامية، ورفع الحصانة عن النواب البرلمانيين تمهيدا لمحاكمة بعضهم، وذلك تطبيقا للفصل 80 من الدستور التونسي. وشدد الرئيس التونسي خلال لقائه برئيسة الحكومة على أنه لا مجال للتفريط في المؤسسات والمنشآت العمومية، عكس ما يثار من شائعات. وقبل أيام قال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية) نورالدين الطبوبي، في تصريح لوكالة الأنباء التونسية الرسمية، إن "القانون الذي قدمته الحكومة للاتحاد بخصوص المساهمات العمومية والمؤسسات والمنشآت العمومية يتضمن مطبات وحيلا من أجل التفويت (بيع للقطاع الخاص) في القطاع العام بطرق ملتوية". وأضاف "إذا اتخذت الحكومة قرارا أحاديا (بشأن مصير القطاع العام) فعليها أن تتحمل مسؤوليتها أمام الرأي العام وأمام ما سيترتب على هذا القرار من نضالات بكل الأشكال المتاحة في القطاع العام". وتشهد تونس أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية، جراء الحرب الروسية - الأوكرانية المستمرة منذ الرابع والعشرين من فبراير الماضي.
مشاركة :