شهدت الإمارات في عام 2022 العديد من الأنشطة الثقافية والفعاليات الفنية المعنية بتطوير مفهوم الصناعة المعرفية وتعزيز القوة الناعمة من خلال الربط بين الإنتاج الثقافي والتنمية الاقتصادية، وبذلت الدولة في سبيل تحقيق هذا الهدف الكثير من الجهود النوعية وخصوصاً ما يتعلق بتنويع الوجهات السياحية في مجالات الفلكلور المحلي الثري والمواقع التاريخية العريقة، واهتمت الدولة كذلك من خلال أنشطتها الثقافية هذا العام برعاية المواهب الشابة والأصوات الواعدة في مجالات مختلفة مثل الكتابة الإبداعية بتنوعاتها وتفرعاتها المجسّدة في الشعر والنثر والقصة القصيرة والرواية والنقد والبحوث وغيرها، وكذلك ما يتعلق بالفن التشكيلي والآثار والتراث والمسرح والدراما والسينما وغيرها من الفنون الأدائية والتعبيرية والبصرية. ويعتبر عام 2022 إحدى العلامات الفارقة في مسيرة النهضة الثقافية بالإمارات، حيث استقطبت إمارات ومناطق متعددة في الدولة زخماً مكثفاً من البرامج والفعاليات المساهمة في صنع مناخ إبداعي مستدام ومستجيب لأسئلة وتحديات المستقبل، من أجل تحقيق أرضية فكرية قوية وصلبة للأجيال الحالية والأجيال القادمة، وحتى تظل الدولة في مجال مواكبة مستمرة وتعاون مع الثقافات الإنسانية الأخرى القريبة والبعيدة على حدّ سواء. ولدولة الإمارات أجندة ثقافية غنية من الفعاليات المتنوعة في مختلف القطاعات الحيوية، وتستقبل آلاف الزوار على مدار العام، حيث تلبي الفعاليات التي تقام في الدولة احتياجات جميع الفئات العمرية، كما تعد دولة الإمارات مركزاً إقليمياً ووجهة رئيسية للفعاليات الثقافية، إضافة إلى أنها تعتبر واحدة من أفضل الوجهات عالمياً لفعاليات الأعمال والمؤتمرات. وتقام الفعاليات المختلفة في كافة إمارات الدولة على مدار العام. وقد احتوت خريطة الفعاليات الثقافية الإماراتية لعام 2022 على بانوراما واسعة النطاق، جمعت في شبكتها الممتدة دوائر متداخلة منال أنشطة ذات أهداف محدّدة، وأخرى تنطوي على أهداف استراتيجية وتنموية شاملة وبعيدة المدى. وتأتي هذه الجهود الثقافية الكبيرة من منبع تنويري أصيل أسس لبداياته وملامحه المبكرة، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي اهتم منذ بدايات قيام دولة الاتحاد بالتركيز على بناء الإنسان وتنمية وعيه وثقافته من أجل خلق مستقبل مشرق ومضيء لكل المواطنين والمقيمين بأرض الدولة. وعلى هذا النهج المستنير لزايد مضت القيادة الرشيدة في تحويل الأحلام إلى استراتيجيات وخطط ورؤى قابلة للتنفيذ، وكذلك تحويل الأمنيات إلى إنجازات ملموسة في الواقع، مترجمة في الصروح الثقافية الكبيرة والوسائل التطبيقية المُمّهِدة لظهور أجيال من المبدعين الفاعلين في الحقول الثقافية المختلفة، وفي تأكيد المحتوى المعرفي والنوعي بأطيافه المتعدّدة التي يحفل بها المشهد الثقافي والإبداعي الوطني اليوم. شهدت مناطق الدولة المختلفة في عام 2022 الكثير من الفعاليات الثقافية والمبادرات الإبداعية والمؤسسات الابتكارية الجديدة، نشير في الأسطر التالية إلى نموذج منها، على سبيل المثال، هو مهرجان الشيخ زايد: حيث كان مهرجان الشيخ زايد الذي انطلق تحت شعار: «الإمارات ملتقى الحضارات» حافلاً بالأنشطة المعززة للسياحة الداخلية مع مجموعة من الفعاليات تزيد على الـ4000 فعالية، إضافة إلى نحو 750 عرضاً جماهيرياً على مدار 120 يوماً من التشويق. وواصل المهرجان في نسخة 2022 التركيز على تقديم رسالته الرئيسة المتمثلة في الحفاظ على التراث الوطني، وتأكيد عمق وعراقة الحضارة الإماراتية، ونقلها للأجيال القادمة فضلاً عن دوره في تعزيز مكانة أبوظبي كوجهة سياحية وثقافية رائدة على مستوى المنطقة والعالم. وحظيت هذه النسخة الجديدة من مهرجان الشيخ زايد بقائمة ثرية من الفعاليات والعروض الترفيهية الكبرى التي تتنوع بين العروض التراثيّة والثقافية والرياضية، كما تضمنت فعاليات المهرجان أيضاً مسيرة الاتحاد واحتفالات اليوم الوطني، واحتفالات رأس السنة، إلى جانب المسيرات العالمية، ومنافسات «الوثبة كاستم شو»، وغيرها من الفعاليات المبهرة التي تناسب كافة أفراد العائلة. ويؤكد القائمون على مهرجان الشيخ زايد حرصه منذ انطلاقته على نقل الموروث الفكري والثقافي للإمارات، وإظهار ثراء تقاليدها، وإبراز مدى تنوعها من خلال تنظيم حدث ثقافي عالمي المقاييس قادر على استقطاب مواطني الدولة ودول العالم والمقيمين والسياح والزائرين من كل الثقافات والبلدان. واستمتع زوار المهرجان ببرنامج يومي حافل بألوان الإبداع والترفيه والثقافة والتراث المعبر عن الإرث الحضاري العريق للإمارات والعديد من شعوب العالم وثقافاته، من خلال حضور واسع من العارضين حول العالم، الذين قدموا نماذج من إبداعاتهم الثقافية والتراثية والاجتماعية، إلى جانب الظواهر اللافتة من التراث والفولكلور الشعبي الإماراتي، وفعاليات ترفيهية وعائلية يتم تقديمها إلى الجماهير من كل الجنسيات على مدى أيام المهرجان. المكتبات.. منصات للعلم والمعرفة عملت المكتبات الكبرى والرسمية بالدولة في عام 2022 على استقطاب القرّاء بمختلف شرائحهم ومرجعياتهم، وخلق فضاء المشاركة الوجدانية مع الكتاب في رحلة تأمل عميقة وسط الكلمات والعبارات والمفردات المشكّلة لإيقاع التفكر والتخييل، المساهمان بقوة في تطور الحضارة البشرية ونقلها إلى الثورة المدنية والصناعية، ونذكر من المكتبات الجديدة: مكتبة محمد بن راشد في دبي التي تختزل تاريخاً عريقاً من الثقافات والحضارات، وتشكّل صرحاً ثقافياً متميّزاً تتداخل فيه الحركة التعليمية والثقافية والسياحية، حيث تجسد المكتبة واجهة دبي الثقافية. أخبار ذات صلة «مليحة».. في حضرة التاريخ «الثقافة والسياحة» تطلق جولات لاستكشاف المعالم الثقافية عودة المسرح الخالد على صعيد النشاط المسرحي، تجاوز المسرحيون الانقطاعات المربكة لأعمالهم الإبداعية خلال فترة جائحة كورونا، فانطلق الموسم المسرحي في العام 2022 فتيّاً وبهيّاً من خلال الحدث الأضخم لعشاق الخشبة، وهو مهرجان أيام الشارقة المسرحية، حيث استضافت «الأيام» مسرحيين مفكرين ومؤلفين إضافة لكبار الممثلين (رواد، ونجوم) من مختلف البلدان العربية والأجنبية لمواكبة العروض المسرحية والمشاركة في الندوات التطبيقية والفكرية المصاحبة واللقاءات والحوارات المفتوحة. وذلك لتوفير بيئة تفاعلية تحقق الفائدة للمسرحيين الإماراتيين. وأتت دورة 2022 من أيام الشارقة المسرحية ثمرة لرؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، المتمثلة في أن الثقافة بكافة أشكالها من مسرح وفنون وشعر وقصة ورواية وآداب، وعلوم ومعارف، تشكّل أداةً راسخة لحماية المجتمعات ثقافياً وفكرياً وتحقيق الطمأنينة لها من كل ما قد يواجهها من تحديات مختلفة. معارض الكتب جسور التواصل اكتسبت معارض الكتب التي أقيمت بالدولة في عام 2002 أهمية ثقافية كبرى، لأنها تنبع من القيمة المعرفية بالغة الأثر والأهمية لمدلول «القراءة» ولبعدها التنويري بامتياز، فعندما تحلّق الكتب بغلافين من نور في فضاءات الحلم والخيال والروح، فهي تحقق للإنسان غاية ملحّة في اقتحام المجهول، والبحث عن أسرار الكينونة والذات والأشياء، وبالتالي تحويل الأفكار إلى وقائع، والإلهامات إلى تجسيدات، وتمكين الوعي السوي من اختبار أدواته في الحياة اليومية لنقلها إلى ما هو أفضل وأكثر اكتمالاً وبهاءً وإشراقاً. حيث اكتسب معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورة عام 2022 صيتاً عالمياً بعد استناده في البدايات على هويته وخصوصيته المحلية باعتباره مركزاً ثقافياً وأدبياً في المنطقة، ومدخلاً للجماهير ممن يحبون الكلمة المكتوبة. وحملت دورة 2022 من المعرض شعار: «انشر كلمة للعالم» كنموذج حيوي وحضاري للتواصل المعرفي من أجل تسليط الضوء على المشروع الثقافي الطموح للإمارة، ورفع وعي المجتمع بقوة الكلمة وتأثيرها التوعوي الواسع، وأهميتها في بناء مستقبل مشرق ومستدام، حيث يدعو شعار الحدث شعوب العالم إلى الإيمان بقوة الكلمات في بناء جسور التواصل الثقافي على أساس القيم الإنسانية النبيلة. وجاءت فعاليات المعرض بزخم أكبر وأكثر تنوعاً مقارنة مع الدورات السابقة، انطلاقاً من توجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لجعل المعرض في حالة تنافس مستمرة مع ذاته، دون وقوف أمام سقف تنظيمي محدد، حيث أثبت معرض الشارقة تواصل حركته واندفاعه نحو التطوّر والتجويد، وتخطي النجاحات السابقة نحو آفاق جديدة تواكب التغيرات العالمية، وتضع قدماً واثقة في مساحة المعارض الدولية الكبرى ليس من أجل التميّز فقط، ولكن أيضاً من أجل خدمة الثقافة ذاتها، وجعل الإمارات والشارقة منارة للعلم والحكمة والتسامح والتعايش، وأن تتعدى حيازتها للقب عاصمة الثقافة في العالم العربي لتصبح عاصمة الكتاب في العالم بأسره. أما معرض أبوظبي للكتاب في دورة عام 2022 فقد أثبت أنه أحد المراكز الإقليمية المهمة والمعنية بتثمين صناعة الكتاب، ومنح المثقفين والمبدعين ما يستحقونه من رعاية واهتمام وتكريم. ويعزز معرض أبوظبي للكتاب من خلال أنشطته وفعالياته المتعددة مفهوم القوة الثقافية الناعمة باعتبارها قوة خلّاقة وتترك أثراً وبصمة وباباً واسعاً مشرعاً للدخول بثقة إلى عالم سريع التنوع والتغير ولا يعترف سوى بالكيانات القوية والمستقلة التي تملك الإرادة وتملك القرار. ومن المبادرات المهمة التي أطلقها معرض أبوظبي للكتاب في دورة 2022 مبادرة «أضواء على حقوق النشر» من أجل دعم جهود ترجمة المحتوى من وإلى العربية، وتحويل المحتوى الورقي إلى رقمي (إلكتروني وصوتي)، وبالتالي تعزيز التبادل والتعاون بين الناشرين العرب والعالميين وذلك من خلال توفير منح مالية للمشاركين في المعرض. بينما سعى معرضا «العين للكتاب» و«الظفرة للكتاب» في دورتي 2022 إلى خلق التوازن الثقافي واستحضار المقاربات الملهمة بين الأصالة والمعاصرة، وبين التراث والحداثة، واعتبار الهوية الوطنية جسراً للتواصل والحوار، وليس انقطاعاً عن العالم أو تمحوراً حول الذات، ولذلك تتخّذ معارض الكتاب وسيلة مثالية لقراءة الواقع والانفتاح على الآخر انطلاقاً من الإرث المحلّي الزاخر بكنوزه السردية، وآفاقه الإنسانية. ملتقيات نوعية كبرى تمتع الإمارات بوجود ملتقيات ثقافية وفكرية وفنية نوعية كبرى، تهدف أساساً إلى إيجاد مساحة خصبة لتداول الأفكار والخبرات والمعارف بين الفنون والثقافات المحلية وبين مثيلاتها لدى الشعوب الأخرى، وهي مساحة تثري المبادرات التنظيمية لحقول إبداعية متنوعة مثل: الأدب، والمسرح، والتشكيل، والنحت، والموسيقا، والسينما وغيرها، ومن هذه الملتقيات المهمة: القمة الثقافية بأبوظبي، ومؤتمر الناشرين بالشارقة، وملتقيات هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، ومبادرات وزارة الثقافة والشباب ومشاركاتها الخارجية، فكل هذه الجهود التنظيمية تعمل على توظيف الثقافة لصالح جودة العمل على كافة المستويات وخصوصاً في الهيئات والمؤسسات التي تخطط لوضع استراتيجيات بعيدة المدى فيما يتعلق بالأنساق الثقافية المختلفة التي تصنع جيلاً مقبلاً على الحياة ومنفتحاً على الأفكار التنويرية والتوعوية التي تصنع في النهاية طاقة إبداعية متدفقة تستفيد منها الأجيال القادمة.
مشاركة :