القدس - من المنتظر أن تؤدي حكومة إسرائيلية جديدة تلازمها انتقادات في الداخل والخارج اليمين اليوم الخميس، في استكمال لعودة رئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو إلى الساحة السياسية. واضطر الزعيم المخضرم (73 عاما) الذي يُحاكم بتهم فساد ينفيها إلى تهدئة المخاوف بشأن مصير الحريات المدنية والدبلوماسية والحكم الرشيد منذ أن حصل تكتله المكون من أحزاب دينية قومية ويهودية على أغلبية برلمانية في انتخابات أول نوفمبر تشرين الثاني. وأثار تحالفه مع حزبي الصهيونية الدينية والقوة اليهودية قلقا نظرا لمعارضتهما للدولة الفلسطينية وما سبق من تحريض أعضاء بهما ضد نظام العدالة الإسرائيلي والأقلية العربية وحقوق مجتمع الميم. ولدرء هذه الانتقادات، تعهد نتنياهو مرارا وتكرارا بتعزيز التسامح والسعي لتحقيق السلام. وقال نتنياهو أمس الأربعاء "سنشكل حكومة مستقرة لفترة ولاية كاملة تعتني بجميع مواطني إسرائيل". وهو أطول رئيس وزراء إسرائيلي بقاء في السلطة، فقد شغل المنصب ثلاث سنوات في التسعينيات ثم من 2009 إلى 2021، وإن كان في بعض الأحيان يترأس حكومة تصريف أعمال قبل الانتخابات. وتضمنت الخطوط العريضة لسياسة الحكومة الجديدة، التي نُشرت أمس الأربعاء، أنها ستسعى جاهدة من أجل السلام مع جميع جيران إسرائيل. غير أن المبدأ الاسترشادي الأول استشهد بتأكيدات على "الحقوق القومية اليهودية الحصرية وغير القابلة للنقاش في جميع أنحاء أرض إسرائيل"، وهو مصطلح يشمل على ما يبدو الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهما من بين الأراضي التي يسعى الفلسطينيون لإقامة دولتهم عليها. وبالنسبة للفلسطينيين، أضفى تشكيل حكومة نتنياهو ببساطة مزيدا من القتامة على آفاق قاتمة بالفعل، مما جعل آمالهم في إقامة دولة بعيدة المنال. وتصاعدت أعمال العنف في الضفة الغربية هذا العام. وأعرب الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم السبت عن أسفه لما أسماه "تشكيل حكومة إسرائيلية شعارها التطرف والتمييز العنصري". وعلى الصعيد الدبلوماسي الأوسع، قال نتنياهو إنه يأمل في تحقيق انفراجة في إقامة علاقات دبلوماسية مع السعودية مثلما فعل في عام 2020 مع دول خليجية أخرى تشارك إسرائيل مخاوفها تجاه إيران. ولم تشر الرياض إلى أي تغيير في موقفها بأن أي تقدم مع إسرائيل مرهون بإقامة دولة فلسطينية. وأثار تعيين إيتمار بن غفير، وهو مستوطن في الضفة الغربية أدين في عام 2007 بالتحريض ضد العرب ودعم جماعة يهودية متشددة على قوائم الإرهاب الإسرائيلية والأمريكية، في منصب وزير الشرطة القلق في الداخل والخارج. وبن غفير محام يقول إن مواقفه أصبحت أكثر اعتدالا. وحذر رئيس إسرائيل إسحق هرتسوغ، الذي يُعد دوره شرفيا إلى حد بعيد، يوم الأحد من إلحاق ضرر محتمل بحقوق الأفراد. واستنكرت الشركات الإسرائيلية الدعوات لمراجعة قانون مكافحة التمييز في البلاد. ويتوقع رئيس المعهد الإسرائيلي للديموقراطية يوهانان بليسنر "أن تأخذ هذه الحكومة البلاد إلى مسار جديد تماما". ورأى بليسنر أن الحكومة المقبلة "ستكون كالحلم لشركاء نتانياهو"، مضيفا لوكالة فرانس برس " ... حلم من طرف واحد وكابوس للطرف الآخر". الثلاثاء، صوت البرلمان الإسرائيلي على مجموعة من القوانين الخاصة بالحكومة الجديدة من بينها قانون يسمح للنائب أرييه درعي من حزب شاس بتولي حقيبة وزارية رغم ارتكابه سابقا مخالفات ضريبية. كما تم التصويت على قانون يسمح بتوسيع سلطة بن غفير كوزير للأمن الداخلي ليشمل جهاز الشرطة أيضا. ودفعت هذه القرارات الجديدة بمسؤولين بارزين في إسرائيل للتعبير عن مخاوفهم. ومن بين هؤلاء المدعي العام غالي باهراف-ميارا الذي حذر من "تسييس مؤسسات إنفاذ القانون" على اعتبار أن هذا من شأنه "توجيه ضربة خطيرة لأهم المبادئ الأساسية لسيادة القانون". أما قائد الجيش أفيف كوخافي فقد أعرب الإثنين خلال اتصال هاتفي مع نتانياهو عن مخاوفه من السماح لزعيم "الصهيونية الدينية" بتسلم شؤون الإدارة المدنية في الضفة الغربية والتابعة لوزارة الدفاع. وبحسب محللين فإن نتانياهو قدم تنازلات كبيرة لليمين المتشدد على أمل أن يحصل على حصانة قضائية أو إلغاء محاكمته بتهم فساد. بالنسبة لأستاذ العلوم السياسية في جامعة إسرائيل المفتوحة دينيس شاربيت فإن "هذه الحكومة تمثل إضافة لضعف نتانياهو السياسي، المرتبط بعمره ومحاكمته، وحقيقة أن لدينا عائلة سياسية جديدة من اليمين الثوري المتشدد لم يسبق ان شهدناها بمثل هذه القوة في إسرائيل". وأضاف شاربيت أن سموطريتش وبن غفير "لديهما تعطش شديد للسلطة ويعرفان أن ما لن يحصلا عليه خلال ثلاثة أو ستة أشهر أو حتى عامين، لن يحدث". ورأى أستاذ العلوم السياسية أن أولوية هذين الزعيمين من اليمين المتطرف تتركز حول "الأراضي" الفلسطينية. أشار باسم نعيم أحد قادة حركة حماس الإسلامية إلى أن "هناك خطوطا حمراء كثيرة ... الأقصى، الضم، الأسرى الفلسطينيون (في إسرائيل)". وأضاف لفرانس برس "في حال توجه بن غفير كوزير إلى الأقصى فسيكون ذلك تجاوزا لكل الخطوط الحمراء وسيقود إلى انفجار". وشهدت الأشهر القليلة الماضية زيارات عدة قام بها بن غفير ل"ثالث الحرمين الشريفين" بعد المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة المنورة في السعودية. بينما تعدّ باحة المسجد الأقصى التي يطلق عليها اليهود اسم جبل الهيكل، أقدس موقع في الديانة اليهودية. وتشهد باحات المسجد الواقع في المدينة القديمة من القدس الشرقية، بانتظام مواجهات بين الشرطة الإسرائيلية وفلسطينيين وتعتبر مصدر توتر شديد بين المسلمين واليهود منذ عقود. ويمكن لغير المسلمين زيارة الموقع الديني لكن دون الصلاة فيه. بالنسبة للفلسطينيين، ستعتبر زيارة وزير إسرائيلي لموقع مقدس خطوة استفزازية. والثلاثاء، أعرب وزير الدفاع الإسرائيلي المنتهية ولايته بيني غانتس عن "خوفه" من "التوجه المتطرف" للحكومة المقبلة والذي رأى أنه يضر بأمن إسرائيل. وقال غانتس "أعتقد أنه وفي حال تصرفت الحكومة بطريقة غير مسؤولة فقد تتسبب بتصعيد أمني". وتثير الحكومة اليمينية التي تشكلت بعد انتخابات خامسة خلال أربع سنوات، مخاوف تصعيد عسكري جديد في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل منذ العام 1967 خاصة وأن العام الجاري 2022 شهد أسوأ أعمال عنف بين الجانبين الإسرائيلي الفلسطيني منذ ما يقرب 20 عاما. في ما يأتي أبرز المحطات خلال أربع سنوات من الأزمة السياسية. نيسان/أبريل 2019، نزاع محموم في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، وبعد استقالة وزير الدفاع آنذاك أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "إسرائيل بيتينو" القومي (5 نواب) المعارض للهدنة بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، لم تعد حكومة بنيامين نتانياهو تتمتع بالأغلبية، بفارق صوت واحد. بعد شهر، تمّ حلّ البرلمان والدعوة لإجراء انتخابات. في انتخابات التاسع من نيسان/أبريل 2019، حصل كل من حزب الليكود اليميني بزعامة نتانياهو والتحالف الوسطي أزرق أبيض بزعامة رئيس هيئة الأركان السابق بيني غانتس على 35 مقعدا. في 17 نيسان/أبريل، كلّف الرئيس رؤوفين ريفلين نتانياهو المدعوم من أحزاب يمينية أصغر، تشكيل حكومة. في نهاية أيار/مايو، وفي مواجهة عجز نتانياهو عن تشكيل ائتلاف، وافق الكنيست على إجراء انتخابات جديدة بعد أن فضّل نتانياهو البقاء في السلطة والدعوة إلى اقتراع جديد بدلا من تكليف شخصية سياسية أخرى مهمة تشكيل الحكومة. تشرين الثاني/نوفمبر 2019، تهم تطال نتانياهو في 17 أيلول/سبتمبر 2019، حقق حزبا الليكود وأزرق أبيض مجددا نتائج متقاربة في الانتخابات، 32 مقعدا للأول مقابل 33 للثاني. كُلف نتانياهو مهمة تشكيل حكومة، واقترح على غانتس "حكومة وحدة"، لكن غانتس رفض. ولم يكن بوسع أي منهما الحصول على الأغلبية المطلوبة. بعد فشل نتانياهو، كلّف ريفلين في 20 تشرين الأول/أكتوبر غانتس القيام بالمهمة، لكنه فشل في ذلك بعد شهر. في 21 تشرين الثاني/نوفمبر، وجّه المدعي العام أفيخاي ماندلبليت اتهامات إلى نتانياهو بالفساد والاحتيال وخيانة الأمانة في ثلاث قضايا منفصلة. في 11 كانون الأول/ديسمبر، صوت النوّاب على حلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة، مع انتهاء مهلة تشكيل الحكومة. آذار/مارس 2020، حكومة وحدة- في انتخابات الثاني من آذار/مارس 2020، تقدم الليكود بثلاثة مقاعد على تحالف أزرق أبيض الوسطي إذ حصد 36 مقعدا. ورغم ذلك، في 16 آذار/مارس، كلّف الرئيس الإسرائيلي غانتس تشكيل حكومة لأنه حصل على دعم أحزاب أخرى. في 20 نيسان/أبريل، مع تفشي وباء كوفيد-19 وفرض الإغلاق وفي ظل أزمة اقتصادية، أعلن نتانياهو وغانتس حكومة وحدة طارئة لمواجهة الجائحة. ونصّ الاتفاق بينهما على استمرار هذه الحكومة ثلاث سنوات يتقاسم الرجلان خلالها السلطة، على أن يسلّم نتانياهو منصب رئيس الوزراء إلى غانتس بعد 18 شهرا. في 7 أيار/مايو، أقرّت المحكمة العليا الإسرائيلية اتفاق الائتلاف الذي أيّده النواب في 17 من الشهر ذاته. لكن بعد فشل البرلمان في إقرار ميزانية العام 2021، حُل الكنيست في 23 كانون الأول/ديسمبر 2020، وتمّت الدعوة إلى انتخابات جديدة في آذار/مارس. آذار/مارس 2021 وخروج نتانياهو - في 23 آذار/مارس 2021، عاد الإسرائيليون إلى مراكز الاقتراع في رابع انتخابات خلال عامين. وتصدّر الليكود النتائج بحصوله على 30 مقعدا تلاه حزب "يش عتيد" برئاسة زعيم المعارضة يائير لبيد الوسطي مع 17 مقعدا. في السادس من نيسان/أبريل، كُلّف نتانياهو تشكيل فريق حكومي جديد وأعطي مهلة حتى الرابع من أيار/مايو، لكنه فشل في مهمته، ما دفع ريفلين إلى الطلب من لبيد محاولة تشكيل الحكومة. شكّل لبيد ائتلافا متعددا أيديولوجيا من ثمانية أحزاب بينها حزب عربي مستقل الأمر الذي اعتبر سابقة، وجمعت الإطاحة بنتانياهو تلك الأحزاب. ونص الاتفاق على تولي الزعيم اليميني المتشدد نفتالي بينيت رئاسة الحكومة لعامين ثبل أن يسلم المنصب للبيد الذي شغل في هذه الفترة حقيبة الخارجية. وأطيح بنتانياهو بعد 15 عاما في السلطة. في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر، أقرّ الكنيست ميزانية عام 2021، وكانت الأولى منذ ثلاث سنوات، وتمّ في اليوم التالي اعتماد ميزانية العام 2022 وكان ذلك إنجازا مهما للائتلاف. نيسان/أبريل 2022 وانهيار الائتلاف - بعد أقل من عام على الائتلاف الحكومي لكن ما لبثت بوادر الانهيار أن لاحت في الأفق. ففي السادس من نيسان/أبريل 2022، خسر تحالف بينيت الأغلبية بعد انسحاب أحد أعضاء حزب رئيس الوزراء وانضمامه إلى معسكر نتانياهو. في السادس من حزيران/يونيو، واجه التحالف عثرة جديدة بسبب قانون يسمح بتطبيق القوانين الإسرائيلية على أكثر من 475 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون في الضفة الغربية المحتلة. وتمكنّت المعارضة من الحصول على أغلبية الأصوات ضد مشروع القانون، ما تسبّب بتجدد التوتر داخل الائتلاف. في 20 حزيران/يونيو، أعلن بينيت ولبيد عزمهما تقديم مشروع قانون لحلّ البرلمان، وهو ما تم في 30 حزيران/يونيو، وتقرّر إجراء انتخابات جديدة في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر. تشرين الثاني/نوفمبر 2022 انتخابات خامسة - حصل نتانياهو وكتلته اليمينية على أغلبية واضحة في البرلمان المؤلف من 120 مقعدا، وتصدروا المشهد مع 64 مقعدا مقابل 51 لكتلة لبيد الوسطية. في 13 تشرين الثاني/نوفمبر، حصل نتانياهو على تفويض تشكيل الحكومة ونجح في ذلك في 21 كانون الأول/ديسمبر وقبل دقائق من انتهاء المهلة. يعرض نتانياهو في 29 كانون الأول/ديسمبر حكومته الجديدة أمام البرلمان ويتوقع محللون أن تكون الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل.
مشاركة :